انفصال الآباء عن أبناءهم.. يسبب مشكلات نفسية

تاريخ النشر: 07 يونيو 2004 - 02:00 GMT
البوابة
البوابة

أظهر بحث جديد نشرت نتائجه مؤخرا، أن استمرار الآباء في التواصل مع أبنائهم، وخصوصا بعد انفصالهم عن أمهاتهم، يقلل خطر تعرض الأولاد لمشكلات سلوكية ونفسية مزمنة. 

 

وبين البحث الذي أجراه العلماء في جامعة بريستول البريطانية، واستند على متابعة 162 طفلا في سن الثامنة، يعانون من انفصال الأبوين، لمدة سنتين، حسب قدس برس، أن الأطفال الذين انقطعوا عن آبائهم ولم يتواصلوا معهم أبدا، أصيبوا بمشكلات سلوكية ونفسية أكثر. 

 

هذا ووجدت دراسة اجتماعية جديدة أن الأطفال الذين ينشأون في أسر أحادية الوالد أكثر عُرضة بنسبة الضعف للإصابة بالأمراض النفسية والإدمان على الكحول في مراحل متقدمة من الحياة.  

 

وناقش العلماء على فترات طويلة من الزمن مدى تأثير العائلة على سلوكيات الأطفال، إلا أن الدراسة الأخيرة تكتسب أهمية خاصة لشموليتها ومتابعتها لمليون طفل، وعلى مدى عقد كامل، وحتى بلوغهم سن العشرينات.  

 

وأكدت الدراسة الأخيرة التي نشرت مجلة "لانسيت" الطبية أبعاد المشكلة الاجتماعية، إلا أن الأسئلة الدائرة حول كيفية وصول مثل هؤلاء الأطفال في آخر المطاف إلى إدمان الكحول والتعرض للأمراض النفسية تظل عالقة دون إجابات.  

 

ورأت الدراسة الحديثة أن المصاعب المالية التي تواجهها الأسر أحادية الأباء، ربما تلعب دوراً في الظاهرة، فيما تطرقت الدراسة إلى أراء بعض العلماء الآخرين الذي يعتقدون بأن نوعية الرعاية الأبوية التي ينشأ تحت ظلها هؤلاء الأطفال ربما تكون أحد الأسباب. واستخدم القائمون على الدراسة السجلات الوطنية في السويد التي تغطي تقريباً كافة السكان وتحتوي على معلومات اجتماعية ـ اقتصادية وصحية مفصّلة.  

 

وأجريت الدراسة على 60 ألف طفل يعيشون مع والداتهم و500,5 مع آبائهم، بجانب 257,921 طفلاً يعيشون تحت كنف الوالدين معاً. وتراوحت أعمار الأطفال في بداية البحث ما بين 6 إلى 18 عاماً ووجد العلماء أن الأطفال الذين عاشوا في أسرة أحادية الوالدين، أكثر عرضة بنسبة الضعف، للتعرض لأمراض نفسية مثل الاكتئاب الشديد وانفصام الشخصية (شيزوفرينيا)، كما ترتفع بينهم ظاهرة الانتحار والإدمان على الكحول. وتنتشر ظاهرة الإدمان على المخدرات بنسبة ثلاثة أضعاف بين الفتيات اللواتي تربين على يد والد واحد، وترتفع بين نظرائهن من الشباب إلى أربعة أضعاف.  

 

وتدعم هذه الدراسة ما جاء في أحدث دراسة فرنسية نشرها المعهد القومي للدراسات الديموغرافية وتعتبر الأولى من نوعها في أوروبا أن الانفصال بين الأبوين سواء بالطلاق أو لظروف ما يمكن أن يضر بالأبناء في مجال الدراسة ويؤدي للرسوب عدة مرات!  

 

وعلى حد قول 'بول أرشيميو' الباحث الاجتماعي الفرنسي والذي أشرف على هذه الدراسة الجديدة "لقد اعتقدنا لفترات طويلة أن الأولاد الذين ينتمون لأسر منفصلة أو مفككة أكثر حظا من أولاد المطلقين ولكن الحقيقة التي توصلنا إلها أكدت أن التفكك الأسري يشبه تماما الطلاق في التأثير على مستقبل الأبناء في مختلف مجالات التعليم ونسبة كبيرة من هؤلاء الأولاد تصاب بتقلبات نفسية شديدة تصل في معظم الأحيان إلى ظهور أعراض العنف وانخفاض الدرجات وفقدان النشاط الذهني مما يؤدي إلى التأخر في الدراسة..  

 

ومن جانب آخر كشفت الأرقام الرسمية البريطانية أن خمسة وسبعين في المائة من الأطفال دون العاشرة من العمر قد لجأوا لإيذاء أنفسهم جسديا أصابتها بجروح خطيرة أو كادوا أحيانا أن يقتلوا أنفسهم.  

 

وقد تكون هذه الحوادث مقصودة أي أن الأطفال يسعون لإيذاء أنفسهم بسبب الضغوط النفسية التي تخلفها المشاكل العائلية مثل الطلاق أو وفاة أحد الأبوين.  

 

وتزداد نسبة إيذاء الأطفال لأنفسهم كلما تقدموا في العمر واقتربوا من سن المراهقة، إذ ترتفع نسبة إيذاء النفس بين سن الحادية عشرة والخامسة عشرة إلى اثنين في المائة، وقد وجدت أعلى نسبة بين الشباب بين سن الثالثة عشرة والخامسة عشرة.  

عوامل الخطورة  

 

وقد وجدت الدراسة الإحصائية التي أعدتها دائرة الإحصاء العامة في بريطانيا أن أكثر الأطفال قلقا من الناحية العاطفية هم الذين نشأوا في عائلات تعاني من مشاكل الطلاق أو الذين عانوا من مرض عضال أو الذين شاهدوا وفاة أحد أفراد عائلتهم، وأن هؤلاء الأطفال سيقدمون على الأرجح على إيذاء أنفسهم مقارنة بغيرهم.  

 

وتقول الجمعيات الخيرية إن الأرقام الأخيرة تظهر أن هناك حاجة ماسة لخدمات العلاج النفسي والاجتماعي التي تهدف إلى العناية بالأطفال تحديدا.  

وقد أظهرت الإحصائيات أن واحدا في المائة وثلاثة في العشرة في المائة من الأطفال في بريطانيا بين سن الخامسة والعاشرة قد حاولوا إيذاء أنفسهم، وبينهم من حاول الانتحار.  

 

بينما ارتفعت النسبة بين من هم في سن العاشرة إلى اثنين في المائة وواحد في العشرة في المائة، بينما انخفضت النسبة إلى ما دون نصف في المائة بين الإناث اللائي بين الخامسة والسابعة من العمر.  

 

وترتفع النسبة بين الأطفال من الطبقات الاجتماعية الدنيا وكذلك بين الأطفال الذين يعيشون في عائلات تتكون من أب فقط أو أم فقط .  

أما أبناء المهنيين فهم أقل من غيرهم في الإقدام على إيذاء النفس بثلاث مرات مقارنة بأبناء الذين يعملون في وظائف أقل مهارة.  

ووجد الباحثون أن الأطفال أكثر عرضة لإيذاء أنفسهم إذا كانوا يعانون من أمراض نفسية أو عقلية، مثل المشاكل السلوكية أو مرض نقص الانتباه.  

 

ويقول بيتر ويلسون، مدير جمعية الصحة العقلية للأطفال، يانج مايندز، إن من الضروري بالنسبة للآباء أن يتفهموا عمق تأثير المشاكل العائلية على أطفالهم. ويضيف ويلسون أننا دائما نتصور أن الأطفال قادرون على تحمل المصاعب، لكنهم يتحملون لأنهم لا يمتلكون خيارا سوى التحمل.  

غير أن هؤلاء الأطفال الذين يقدمون على الانتحار أو إيذاء أنفسهم إنما يقولون للآخرين إن من الصعب عليهم أن يواصلوا الحياة مع الصعوبات التي يواجهونها.  

 

في الختام فإن هناك حاجة للعناية بالأطفال والتحدث إليهم باستمرار لمعرفة همومهم ومحاولة تذليلها، وقد تكون هموم الأطفال غير واقعية وغير ظاهرة لذلك فإن السبيل الوحيد للتعرف عليها هو مراقبتهم والتحدث إليهم وبناء علاقات طيبة معهم لكسب ثقتهم_(البوابة)