لا تعمل مرحلة البلوغ على جذب الأولاد والبنات معاً إلا أن يصلوا إلى المرحلة الثانوية، والتي تستمر إلى المرحلة الجامعية، ولكن مع استمرار قيام الأشخاص بتطوير العلاقات الغرامية الجدية إلى علاقات زواج، تزداد صعوبة القيام، والمحافظة على علاقة صداقة بين الجنسين.
"فحتى أكثر الأشخاص الذين يشعرون بالأمان ضمن إطار علاقة الزواج لا يرغبون في أن يقيم أحد الزوجين علاقة صداقة مع طرف ثالث، خصوصاً إذا كان هذا الأخير يعتبر جذاباً"، يقول منصور.
كل ما قل عدد علاقات الصداقة بين الجنسين كل ما زاد العمر.. وهذا غير مفاجئ فمعظم الأشخاص المتقدمين في السن نشئوا في بيئة اعتبرت العلاقة بين الجنسين خارج إطار الزواج أمراً محرماً. ووفقاً روزماري بليزنر، دكتوراه، باحثة في شؤون الأسرة في معهد فرجينيا ومؤلفة كتاب الصداقة عند البالغين (ساج، 1993)، نادراً ما يقيم الأشخاص المتقدمين في السن علاقات صداقة مع الجنس الأخر. وتظهر الدراسة التي قامت بها أن 2% فقط من النساء المتقدمات في السن يقمن علاقات صداقة مع رجال.
هناك اختلافات ظاهرية ومؤكدة بين علاقة الصداقة بين النساء وعلاقة الصداقة بين الرجال. فالنساء يقضين معظم أوقاتهن معاً يناقشن أفكارهن ومشاعرهن، بينما يبدو الرجال أكثر تألفاً للانضمام إلى مجموعات. فالرجال يجتمعون للقيام بالألعاب الرياضية أو السفر أو مناقشة البورصة، وهم نادراً ما يتحدثون عن مشاعرهم أو انعكاساتهم الشخصية.
وهذا يفسر لماذا يستفيد الرجال أكثر من علاقة الصداقة مع النساء. ففي دراسة سابادين، فضل الرجال علاقات الصداقة بين الجنسين ووصفوها بأنها أكثر جودة، ومتعة، وفائدة مقارنة مع علاقاتهم مع أشخاص من نفس الجنس. ولعل أكثر ما أعجبهم هو القدرة على التحدث والتواصل مع النساء- وهو أمر لا يمكنهم تحقيقه مع أصدقائهم الرجال.
بينما فضلت النساء علاقاتهن مع نساء أخريات أكثر من علاقة الصداقة مع الرجال. فهن يتوقعن الدعم العاطفي من علاقة الصداقة بشكل أكثر مما قد يتوقعه الرجال، توضح سابادين، وهكذا فهن معرضات للإصابة بالإحباط بسهولة إذا لم يتلقين هذا الدعم. "النساء تفضين أسرارهن إلى النساء"، يشير بليزنير "والرجال يفضون أسرارهم إلى النساء."
قد تتحول كل هذه المشاركة والنقاشات بين النساء إلى أمر مرهق، كالمرأة التي سهرت طوال الليل لتواسي صديقتها التي انفصلت عن صديقها. فمع الرجال، تستطيع النساء أن يمزحن دون أن يحملن الأعباء العاطفية. "فالصداقة مع الرجال أخف وأكثر مرحاً"، تقول سابادين. " فالرجال لا يبدون حساسية اتجاه الأشياء". كما أشارت بعض النساء في دراسة سابادين إلى شعورهن بالحماية، والجو العائلي، والدفء في علاقتهن بالرجال، معتبرين أنهم يمثلون أخوة كبار. ولكن ما أعجبهن أكثر، كان إمكانية معرفة حقيقة تفكير الرجال.
مع أن النساء يبحثن عن القدرة على تخفيف الهموم عند الرجال، إلا أن اغلب علاقات الصداقة بين النساء والرجال تشبه علاقات الصداقة العاطفية بين النساء أكثر من تلك التي تجمع الرجال، وفقاً لكاثي وركنغ ، دكتوراه ومساعدة بروفيسور في قسم التواصل في جامعة ايسترن كنتاكي ومؤلفة كتاب "نحن مجرد أصدقاء طيبين" (غيلفورد،1997). فقد اظهر كتابها أن أول شيء يقوم به الرجل والمرأة في إطار الصداقة هو التحدث وجهاً لوجه.
ومن النشاطات الأخرى المفضلة لديهم تناول العشاء معاً، الذهاب في نزهات بالسيارة، والتي تسهل هذا التواصل. في الواقع، فقد توصلت وركنغ إلى أن الأصدقاء من جنسين مختلفين يكونان أكثر دعماً من الناحية العاطفية، إذا ما اختبرا مشاعرهما، وأرائهما، وأفكارهما بشكل مستمر. "ويحبذ الرجال هذا لأنهم لا يحصلون عليه في علاقاتهم مع أصدقاء من نفس الجنس"، تضيف وركنغ "تقدر النساء إضافة منظور ذكري إلى حياتهن".
"في الواقع، لا يندرج الجنس على جدول النشاطات دائماً" تقول وركنغ. "وقد يعزى ذلك إلى التوجه الجنسي، أو عدم وجود انجذاب جنسي أو وجود علاقة جنسية مع طرف أخر". وفي نهاية الأمر، حتى الأصدقاء الذين ينجذبون إلى بعضهم البعض كأصدقاء قد يجدون بأنهم لا يمكنهم استيعاب بعض الصفات التي ستجعل علاقتهم الغرامية غير ناجحة. كما انك وبعد أن تعتبر شخصاً ما صديقك لفترة زمنية طويلة قد تجد من الصعوبة احتمال التورط معهم في علاقة غرامية.
أما بالنسبة للأصدقاء الذين يواجهون مشكلة الانجذاب الجسدي، فأن هؤلاء الذين يتغاضون عن التورط في علاقة غير مؤكدة هم على الأغلب الأكثر حظاً بالدخول في علاقة صداقة أفلاطونية، تضيف وركنغ. وفي دراسة نشرت في مجلة "سوشل أند بيرسونال ريليشنز" بقلم وليد عفيفي، دكتور في جامعة ستيت بنسلفانيا، أظهرت الدراسة التي شملت 300 طالب جامعي، بأن 67% منهم أقاموا علاقة جنسية مع صديق. وما يثير الدهشة أكثر، أن 56% من هؤلاء لم يقوموا بتحويل علاقة الصداقة إلى علاقة غرامية، مبررين ذلك بأنهم يفضلون الصداقة على العلاقة الجنسية.
يتحلى الرجال والنساء بالعديد من الحقوق المشتركة، والفرص، والاهتمامات التي يمكن أن تجعل العلاقة بين شخصين من جنسين مختلفين تتسم بالسياسية، تشير وركنغ. " وهذا يزعج النظام الاجتماعي المتفق عليه"، تستطرد قائلة. "يدخل الرجال والنساء في علاقات تتسم بالمساواة، أو لن يصبحا أصدقاء".
فها هو، جيل جديد من الأطفال الذين يؤمنون بأن الأولاد يمكنهم اللعب بالدمى بينما يمكن للبنات أن يلعبن المصارعة "كيكبوكسنغ" ، وهكذا فهم غالباً ما يلتقون نتيجة لذلك.
كما أصبح الرجال والنساء يتبادلون الصفات الذكرية والأنثوية بشكل أكبر مع تبادل أدوارهم في المجتمع. "فالرجال يظهرون استعداداً للتحلي ببعض الصفات الأنثوية، كما تظهر النساء استعداداً للاعتراف بالصفات الذكرية التقليدية مثل الحزم"، يقول منصور. حيث أظهرت أطروحته بأن النساء والرجال الذين تم تصنيفهم على أنهم مستعدون لتبادل هذه الصفات هم الأكثر قابلية ليكونوا صدقات مع الجنس الأخر.
ومهما كانت التحديات التي تواجه صداقة الرجال بالنساء، فقد اتفق الباحثون انه لإنجاح هذه الصداقة، يجب أن يتحدث الطرفان بحرية وإخلاص عن معنى صداقتهما وإذا ما كان الانجذاب الجنسي عاملاً فيها، وكيف سيتصرفان اتجاهه وبالتالي انشأ حدود للعلاقة. كما تشير دراسة عفيفي ورييدر، إلى أن الصداقات التي نجت بل نمت أيضا بعد الجنس أو الانجذاب جاءت بعد أن ناقش الطرفان بشكل موسع معنى النشاط الجنسي وشعرا بالأمان والايجابية اتجاه مشاعر بعضهما البعض. وبمجرد أن انتهوا من ذلك، أصبحوا أحرارا في صداقتهم.
"فإذا كان الجنس جزء من المحرك الرئيسي للعلاقة، فأن أفضل إستراتيجية هي مناقشته بصراحة" للتأكد من نجاح علاقة الصداقة، تقول وركنغ. "بينما سيتفاقم الأمر إذا ما حاول الأصدقاء تجاهله." وهكذا ففي نهاية المطاف، هناك عامل مشترك بين علاقة الصداقة بين الرجل والمرأة والعلاقة الغرامية: ولإنجاح الصداقة، فأن التحدث بحرية هو المفتاح.