تدفع ظروف هذا العصر كثيرا من الآباء إلي العمل لساعات إضافية طويلة خارج المنزل أو السفر إلي الخارج لزيادة الدخل مما يقلص من دورهم في حياة ابنائهم ويؤثر بالسلب عليهم.
هذا ما توضحه د. سبيكة يوسف الخليفي الأستاذ المساعد بقسم علم النفس بكلية التربية بجامعة قطر حسب صحيفة الاهرام، في بحثها الذي يحمل عنوان دور الآباء في رعاية الأبناء كما تدركه الأم, وتؤكد فيه أن دور الأب في رعاية الأبناء يتقلص حين يقضي أغلب وقته في العمل, برغم أن كثيرا من الآباء يرغبون في أن يكونوا أكثر ارتباطا بأبنائهم.
إلا أن هناك عوامل كثيرة لاتشجعهم علي ذلك مثل الارتباط بعمل إضافي ــ في فترة بعد الظهر ــ أو الإعتقاد بأن تحمل مسئوليات الأطفال من واجبات الأمهات فقط, وفي بعض الأحيان تكون الأم هي سبب تخلي الأب وتقصيره في تربية الأبناء,وذلك عندما تحكم سيطرتها عليهم وتصر علي أن تربيتهم من حقها وحدها, فلا تشجع الأب علي القيام بواجباته العائلية, بالاضافة إلي أن كثيرا من الآباء يشعرون بأنهم لايملكون المهارات الضرورية ليكونوا أكثر إسهاما في رعاية الأبناء.
برغم ذلك فدور الأب مهم جدا في حياة الأبناء, إذ يسهم في نمو قدراتهم المختلفة, فقد أوضحت دراسات عديدة أن الأطفال في عمر4 سنوات والذين حصلوا علي رعاية من الأب وارتبطوا به استفادوا معرفيا, وأن درجاتهم في اختبارات الذكاء ارتبطت ايجابيا بدرجة رعاية الآباء, كما أظهرت دراسات أخري أجريت علي مجموعة من الأطفال في عمر خمس سنوات ان ذكاءهم يرتفع كلما زادت رعاية الوالدين لهم, مما يدل علي أن ارتباط الأب بالابن عامل مهم لتفوق الطفل في الدراسة.
ويؤكد العالم بيللر هذه النتائج حيث اكتشف أن الحرمان من رعاية الأب يؤدي إلي التقليل من الكفاءة المعرفية, ووجد أن غياب الآباء عن المنزل لمدة سنتين أو أكثر ارتبط بانخفاض الذكاء والتحصيل الأكاديمي للأطفال بالمقارنة بالأطفال الذين تربوا في بيت يوجد فيه الوالدان, وهناك دراسات أوضحت أن الأولاد الذين لهم علاقة قوية بآبائهم حصلوا علي درجات عالية في السلوك أكثر من الأولاد الذين لايملكون نفس العلاقة القوية مع آبائهم, حيث اتسم سلوكهم بالعدوانية, ولهذا توصي الدراسة بضرورة رعاية الآباء لأبنائهم, لما له من أهمية في النشأة الاجتماعية في عصر انشغل فيه الآباء بالأعمال المختلفة وتقلص دورهم في الرعاية.
هذاومن جانب اخر ،كشفت دراسة سابقة أن الآباء الذين يتعاملون مع أولادهم في سن المراهقة بطريقة جيدة ومناسبة يفسحون المجال أمامهم لعلاقات أفضل في المستقبل.
من جانبها كشفت الباحثة مارتا روتر أن الآباء الذين يفصحون عن توقعاتهم بوضوح وبصورة مؤكدة، بالإضافة إلى استعدادهم لمكافأة السلوك الجيد من قبل أولادهم المراهقين، فإنهم بذلك يحسنون العلاقات الاجتماعية والعائلية لأطفالهم.
ووجدت روتر أن استخدام هذه الأساليب تحث المراهقين الذين يعانون من المشاكل على تحسين مواقفهم بينما أن المراهقين وذويهم الذين لديهم بالفعل علاقات جيدة يتقربون أكثر من بعضهم ويحققون مزيدا من المنافع.
ولكن دراسة روتر تشير إلى أن الآباء الذين يشرحون المسائل لأبنائهم ويستعينون بالمنطق فإنهم يساعدون أطفالهم على فهم أهمية الموقف مما يجعلهم متعاونين أكثر. وتظهر الدراسة أيضا أن الـتأثير ليس أحادي الجانب بل إن الأطفال أيضا يستطيعون التأثير على ذويهم.
ووجدت روتر أن ذلك يتجلى بصورة أكبر حين تكون العلاقة بين الآباء والمراهقين متعثرة أو سلبية. فعلى سبيل المثال فإن معاملة المراهق بطريقة قاسية دون التقيد بالقوانين والمعايير الاجتماعية يعطل من قدرة المراهق على الصمود في وجه المصاعب.
فالمراهقون الذين لديهم مشاكل دائمة مع ذويهم تكون قدرتهم على حل المشاكل ضعيفة ومهاراتهم في المدرسة والحياة أقل من غيرهم.
من جانب آخر يعتبر اتباع النصائح الخاصة بالتعامل مع المراهقين ليس بالأمر السهل، وفقا للباحثين.
ووجدت روتر أيضا أن التأثير المتبادل للمراهقين وذويهم على بعضهم البعض يتراكم مع مرور الزمن حيث أن المعاملة السلبية من قبل الآباء لأولادهم يخلق مقاومة لدى المراهقين ويزيد من التصرفات الإشكالية لديهم. ويمكن نتيجة لذلك أن يتأثر سلوك الآباء وبالتالي يؤثر مجددا على الأطفال.
وبعكس ذلك وجدت روتر أن السلوك الإيجابي للآباء يميل لتعزيز العلاقة مع أطفالهم والتي تقوى مع الزمن. وأظهر البحث أيضا أن الأب ينبغي أن يتخذ الخطوة الأولى وليس الابن. ويعود سبب ذلك إلى أن سلوك الطفل الإيجابي لا يؤثر على سلوك الأب أو الأم السلبي، وهو النوع الوحيد من السلوك الذي وجدت روتر أنه غير ذي فعالية.
ويشير ذلك إلى أن الآباء الذين يشعرون بإمكانية التحسن لديهم إذا تحسن سلوك أبنائهم وأصبحوا أكثر دعما لهم، فإنهم في الحقيقة يضعون عبئاً ومسؤوليات لا حاجة إليها على كاهل أبنائهم . وبدلا من ذلك ينبغي على الآباء التركيز على سلوكهم والحصول على استشارات إذا دعت الحاجة إلى ذلك.
قالت روتر، "ليس من الصواب أن تحاولوا تعليم الأطفال المهارات لحل المشاكل ما لم تقوموا بتطبيق ذلك على آبائهم. وبخلاف ذلك فإنكم تكونوا كمن أعاد الطفل إلى المنزل حيث إنه في خلال مدة قصيرة سيفعل نفس المشاكل لأن شيئا لم يتغير في سلوكيات الآباء."
والشيء المهم هو أن يعمل الآباء والمراهقين معا كي يكون التفاعل بينهم أفضل. قالت روتر، "يعتقد كثير من الناس أن سن المراهقة فترة تسوء خلالها العلاقات بين المرهقين وذويهم، ولكن الحقيقة أن المسألة ليست كذلك. إن ما يحدث هو أنه حين يصل الأطفال سن المراهقة وهم في وضع سيئ، فإن الأشياء تسوء بصورة أشد لأن الكثير من الأمور السلبية تجري في العائلة."
والسبب الآخر يمكن أن ينجم عن النزعة الاستقلالية للأطفال حين يدخلون هذه السن. قالت روتر، "يتميز سن المراهقة بأن الطفل بدل تلقي الأوامر تصبح لديه طريقته في عمل الأشياء."
ويضاف إلى النزعة الاستقلالية لدى المراهق إضافة المسئولية إليه. فعلى الرغم من اتفاق العلماء والباحثين على أن الآباء ينبغي أن يوفروا البيئة المناسبة لدعم وتربية أطفالهم، إلا أن ذلك لا يعني أن المسئولية يجب أن تقع على الأب بمفرده._(البوابة)