عمرو بن العاص.. متهم رئيسي في إبادة صرح علمي عالمي أسس قبل الميلاد

تاريخ النشر: 15 مايو 2005 - 07:49 GMT

في القرن الرابع الميلادي اختفت مكتبة الإسكندرية في جريمة مقيدة ضد مجهول وإن كانت المصادر تشير إلي عمرو بن العاص كمتهم رئيسي بإبادة صرح علمي عالمي أسس قبل الميلاد بمائتين وخمسين عاما في عهد بطليموس الأول. وقيل إن المكتبة كانت تضم قرابة المليون مخطوط، علاوة علي كونها جامعة وديوانا ضخما للتأليف والترجمة، درس بها العديد من علماء العالم القديم من أمثال أرشميدس وإقليدس.
وتقول بعض المصادر حسب صحيفة القدس العربي ، إن محتويات المكتبة تكفلت بتسخين مياه حمامات الإسكندرية لمدة شهر، وكانت تلك الحمامات عجيبة أخري من عجائب عروس المتوسط التي أذهلت الغزاة، ومنحتهم إحساسا بالبهجة بخلاف المكتبة المثيرة للريبة.
وقد أعيدت المكتبة إلي الحياة في احتفال عالمي يليق بذكراها أوائل عام 2002 بعد سنوات من العمل في الإنشاءات التي تكلفت 220 مليون دولار (نحو مليار ونصف المليار جنيه مصري) تكفلت الحكومة المصرية بنصفها بينما تحملت اليونسكو والمؤسسات المانحة (اسم الدلع الدولي للمحسنين) النصف الآخر.
ولم تكن دهشة المراسلين الذين حضروا الافتتاح من ضخامة المكتبة فقط، بل أيضا من اختفاء شعب الإسكندرية الذي مُنح إجازة خلال أيام الاحتفال، لتوفير الأمن للضيوف من الملوك والملكات. وكانت هذه الواقعة الرمزية البرهان الأول علي انفصال المكتبة عن الواقع المصري، بينما تكفلت سنوات التشغيل يوما بعد يوم، بترسيخ انتماء المكتبة إلي سياسة المشروع اللافتة الذي يصلح مكانا لالتقاط الصور الحلوة، دون أن يؤثر قي الواقع الرث المهجور أو يتأثر به.
حظيت المكتبة بمجلس أمناء يضم شخصيات دولية وميثاق يؤكد استقلالها عن البيروقراطية المصرية ويضمن عدم التدخل في أعمالها بتبعيتها المباشرة لرئيس الجمهورية.
لكن، متي كان للنصوص والمواثيق جدوي النصوص في غياب الإرادة السياسية المحركة والرقابة القانونية والشعبية التي تضمن التنفيذ ؟!
ثلاث سنوات من البعث الجديد للمكتبة لم تشبه فيه سابقتها التاريخية سوي في زاوية الغموض؛ الغموض الذي اكتنف مصير المكتبة القديمة، يلف اليوم دور المكتبة الجديدة التي تستقبل الأفواج السياحية ويدخلها أبناء المدينة ببطاقات مدفوعة، أي أنها لم تحدد موقفها إن كانت مكتبة أو متحفا. بينما انتهت عمليا إلي أن تصبح مجرد مكان للوظائف المميزة لبنات وأبناء الطبقات الجديدة، وفرص تربح للمثقفين من الطبقات القديمة التي ملت عتاقتها، تحت مسمي مستشار دون أن يعرف أحد من الذي يستشير هذه الأعداد الغفيرة من المثقفين وفي أي شيء يستشيرهم!
المكتبة أخيرا، وللإنصاف، لا تستقبل السياح فقط، بل الصحافيين والإعلاميين وغيرهم في ندوات عن كل شيء، تتقاطع مع ندوات هيئات ثقافية أخري مثل الثقافة الجماهيرية والمجلس الأعلي للثقافة وجمعيات رجال الأعمال. وكلها ندوات ومؤتمرات بلا جمهور، من طرق زراعة عيش الغراب إلي الفوتوغرافيا والخطوط والمخطوطات والسينما وحفلات تكريم لكل من هب ودب، وانتهاء بمؤتمرات الحرية والديمقراطية والإصلاح الحبيب الذي فاز بمؤتمرين عربيين علي مدي عامين، علي خطي مؤتمر أول في المجلس الأعلي للثقافة بالقاهرة، بل إعادة له، وكأن الحديث عن الإصلاح عرض مسرحي جوال، يتنقل بين المدن والخشبات!
لم يكن هناك من جديد يمكن أن يرضي المتعطشين إلي الإصلاح، ولم يكن هناك جديد يضاف إلي المؤتمرين اللهم إلا شرف الاشتراك في تمرير كذبة جديدة علي السادة الأمريكيين توهمهم بوجود حركة ما، لكن الأمريكيين الذين يميزون الجري في المحل عن الحركة الحقيقية لم تنطل عليهم الحيلة. وكانت النتيجة المؤكدة للمؤتمرين هي إرباك المرور في المدينة الجميلة والعدوان علي حرية سكانها في الحركة بشوارعها!
وكأن مكتبة الإسكندرية تحاول بهذا النوع من المؤتمرات أن تمد نشاطها لإفساد النخبة العربية بتحويلها إلي رخويات فندقية تردد كلاما منزوع الفعالية عن الإصلاح في أروقة مغلقة لمكتبة يعرفون أنها تقهقرت أمام أول انتقاد للمتشددين وفشلت في الدفاع عن رواية فوق رفوفها!