تكلم.. كي تكون أكثر حزما
لنبدأ بتعريف عدم الحزم . الحزم لا يعني العدائية . والسلوك الحازم ليس عدوانيا ولا توبيخيا ولا تهديديا ولا قاسيا ولا تهكميا . الحزم يختلف عن العدوانية ، فأنت بالدفاع عن نفسك وإثبات وجودك لا تعتدي على حقوق الآخرين . الحزم يعني أن توصل ما تريد قوله إلى الآخرين بطريقة واضحة ، مع احترام حقوقك ومشاعرك وحقوق الآخرين ومشاعرهم .
الحزم هو تعبير صادق ومناسب عن شعور الشخص وآرائه واحتياجاته ، وينم عن احترام الذات الإيجابي وعن رؤية الذات بصورة أفضل .
أدوار الذكر والأنثى والحزم
تقول الدكتورة ليندا تيلمان ، أخصائية علم النفس لا زالت تربيتنا تدعم سلوك الرجل العدواني وسلوك المرأة الاستسلامي . وعليه ، فالرجال الذين يخشون الكلام بحزم قد يلجؤون إلى التعبير عن ما يريدون بصورة عدوانية ، والنساء اللواتي يخشين الكلام بحزم قد يتخلين عن رغباتهن لإرضاء الآخرين . أنظر ، مثلا ، إلى الزوجة التي لا تدافع عن نفسها في وجه المهانات التي توجهها إليها شقيقة زوجها لأنها تعرف مقدار اهتمام زوجها وحرصه على الوفاق العائلي . هذه الزوجة تتحمل الاستخفاف وتضحي بمصلحتها الشخصية حرصا منها على مصلحة زوجها وإرضائه .
لماذا لا يدافع الناس عن أنفسهم ؟
تقول الدكتورة تيلمان : تنشأ معظم أساليب حياتنا الشخصية ونحن حديثي السن . إذا كان والداك قاسيين ومسيطرين على كل شيء ، فقد تكون شعرت بالضعف أثناء طفولتك لدرجة أنك الآن تخشى أن تتكلم بحزم . إذا كان والداك علّماك أن حسن الأخلاق تقتضي أن تهتم بالآخرين لا بنفسك ، فقد تكون تشعر الآن أن طلبك ما تريد ليس تصرفا مقبولا .
طالع أية مجلة نسائية معروفة ، تجد دائما إمرأة تسأل كيف تستطيع الحصول على ما تريد من زوجها في الفراش . ويكون الجواب عادة : " لا تخافي أن تطلبي ببساطة الشيء الذي تريدنه . " مع هذا الكثيرات من النساء يخفن أن يطلبن ما يردن ، لا سيما إذا كان الأمر يتعلق بالجنس . كانت تربية معظم النساء تحتم عليهن أن يكن "بنات طيبات" لا يجوز لهن ليس فقط الحديث عن الجنس ، بل وحتى التفكير فيه .هذا يخلق عند الكثيرات من النساء الشعور بعدم الرضا وبالإحباط في علاقاتهن الجنسية .
تقول الدكتورة تيلمان أن الحزم وقلة احترام الذات أمران مرتبطان ببعضهما . قلة احترام الذات تؤثر على التفاعل مع الغير بطريقتين مختلفتين : الشخص (سواء رجل أو إمرأة) الغير راض عن نفسه يتعذر عليه الشعور بالثقة اللازمة للتعبير عن نفسه . كما أن الشخص (رجل أو إمرأة) القليل الاحترام لذاته قد يكون عدوانيا – على شاكلة ما ورد في رواية الأطفال الخيالية على لسان ساحر بلاد أووز(Wizard of Oz) ، وهو يقول "أنا أووز العظيم " ، يقول هذا وهو في الواقع ليس إلا طفلا صغيرا يرجف خوفا .
إليك مثلا مديرة الدائرة التي باستمرار تخاطب أعضاء الدائرة بقساوة ، حتى لدرجة أنها تقول لهم "أغبياء" وتقف فوق رؤوسهم وهم يقومون بتصحيح شيء ما . مرؤوسوها يعرفون أنها مصابة بالإحباط لآنها لم ترفّع إلى المستوى الإداري الذي يلي رتبتها ، ويعرفون أيضا سبب عدم ترفيعها . مديرة الدائرة هذه تعتقد أنها تكون حازمة وهي تعبر عن شعورها بصدق ، إلا أنها تخاف الاعتراف لنفسها أن سلوكها هي نفسها هو الذي يعيق ترقيتها وليس أداء دائرتها .
علاوة على ذلك ، يتجنب الناس الحزم خشية أن يغضبوا الآخرين فيصبحوا غير محبوبين . إلا أن عدم الحزم يجعلك تشعر أن الآخرين يستغلونك وهذا يحملك على إزدراء نفسك . مثلا ، عدم طلبك زيادة الراتب التي تريدها ، لأنه يصعب عليك طلب النقود ، لا يجعلك تسخط على نفسك فحسب بل يجعلك تشعر أن مستقبلك المالي ليس بيدك . قد يصل بك الأمر لدرجة أن تقول لنفسك إنه لو كان روساؤك يقدرونك لأخذوا هم المبادرة بإعطائك زيادة في الراتب ، وهذا ما يؤدي بك إلى المزيد من الشك في نفسك وبقدراتك . باختصار ، هذه الحلقة من عدم احترام النفس تجعلك تشعر بأنك ضحية عاجزة من ضحايا آجرك (صاحب العمل) .
علاوة على ذلك إذا كنت أنت لا تدرك أن سلوكك غير حازم ، فالآخرون بالتاكيد يدركون ذلك . السلوك اللاحازم يلحق الضرر بوظيفتك ، لأن لا أحد يعاملك بجدية أو يحمل قدراتك على محمل الجد . مثلا ، إذا سمحت للآخرين بمقاطعتك باستمرار أثناء كلامك في اجتماعات الموظفين ، قد يفهم من هم أعلى منك رتبة أن تصرفك غير الحازم هذا ينم عن ضعف مقدراتك بغض النظر عن كفاءتك الفعلية .
الـضـعـف
تقول الدكتورة تيلمان إن إحدى الطرق غير الشفوية التي بها تقوم النساء ، عن غير وعيّ منهن ، بنقل ضعفهن إلى الآخرين هي أنهن يرفعن نبرة صوتهن في نهاية الجملة . تطير كلماتهن وكأن شيئا ما يسحبها إلى أعلى . الجملة التي من المفروض أن تكون جملة إخبارية تصبح نبرتها نبرة سؤال فتجعل السامع يعتقد أن المتكلمة ليست متأكدة مما تقوله .
كلنا سمعنا بعض الناس يفعلون ذلك ، مما يجعلهم يبدون غير متأكدين من أنفسسهم ويجردهم من مصداقيتهم . هل أنت أيضا تفعل الشيء نفسه ؟ إن كان الأمر كذلك ، كيف تستطسع الاقلاع عنه ؟
كي يبدو كلامك قويا وحازما ، إبذل جهدك لخفض نبرة الصوت في آخر الجملة كما لو كان أمامك قائد جوقة يؤشر بخفض الصوت . تقول الدكتورة تيلمان إن هذا التغيير البسيط اللاشفوي يحدث تغييرا ضخما في وقع الكلام على السامع .
ما هي الأشياء الأخرى التي تفعلها النساء فتقوّض قوتهن ؟ غالبا ما تبدأ المرأة الجملة بالقول " أنا آسفة ... ولكنني لا أتفق معك " . تقول الدكتورة يلمان إن الاعتذار الذي لا لزوم له هو في الواقع دليل شفوي على ضعف داخلي في المتكلمة . هي في الواقع تقول " آسفة لأنني لدي فكرة ما ، ولكنني على أي حال أود أن أشركك بها " . وهذا يجرد الجملة من الجزء الأكبر من مفعوله .
كيف يتم تغيير هذا التصرف؟
تنصح الدكتورة تيلمان بعدم الاعتذار إلا عندما تكون قد ارتكبت خطأ . إذا دلقت القهوة في حجر أحد ما ، وجب عليك من قبيل اللياقة أن تقول " أنا آسف " .
كيف تصبح أكثر حزما ؟
1. كوّن لنفسك مجموعة قيم ومعتقدات ، الأمر الذي يمكنك من إثبات وجودك . بمعنى آخر ، إسمح لنفسك أن تغضب وأن ترفض وأن تطلب المساعدة وأن ترتكب الأخطاء . تجنب استعمال الأسئلة المبتذلة (مثل ، الطقس حقا حار اليوم، أليس كذلك ؟) ، والكلام التنصلي (مثل ، قد أكون مخطئا ، ولكن ...)، والجمل الإخبارية بصيغة سؤال (مثل، ألا تغلق الباب ؟) . كل هذه الصيغ تقلل من وقع الكلام التوكيدي الحزم .
2. قاوم الاستسلام للمقاطعة إلى أن تكمل التعبير عن أفكارك . ( بدلا من الاستسلام قل : إنتظر قليلا . لم أنهي كلامي بعد ) .
3. أقلع عن تصرفات تقييد الذات ، مثل كثرة الابتسام ، وكثرة الإيماء بالرأس ، وإمالة الرأس ، وغض البصر إلى أسفل عندما يحملق بك أحد .
4. عندما ترفض كن حازما برفضك ، واشرح أسباب رفضك ولكن لا تفرط بالاعتذار
5. استعمل عبارات " أنا أريد" أو "أنا أشعر " . قدّر مواقف الآخرين وشعورهم ، ولكن أتبع كلامك بقول يعني أنك تدافع عن حقوقك . فتقول مثلا: " أنا أعرف أنك كذا وكذا ، ولكنني أشعر ... كذا وكذا "
6. استعمل كلمة "أنا" (هذا الاستعمال يفيد بصورة خاصة في التعبير عن الشعور السلبي) .استعمال "أنا" يساعدك على التركيز على غضبك تركيزا بناء ويجعلك على يقين من مشاعرك الشخصية . مثلا :
· فعل شيء ما (هذا تصرف أو سلوك) .
· التأثير (نتيجة) .
· أنا أشعر (هذه مشاعر أو عواطف)
· تذكر أن تظل تستخدم ضمير المتكلم وتجنب استعمال ضمير المخاطب ، مثل " انت كذا .. .كذا" .
7 . أنظر دوما في عيني من يكلمك ، وكن مسترخيا بجلستك أو وقفتك ، واجعل
تعابير وجهك تدل على اقتناعك بما تقوله ، ونبرة صوتك متسقة .
8. انصت ، وأشعر الآخرين أنك سمعت ما قالوه . إسال أسئلة توضيحية .
9. تدرب أمام عائلتك وأصدقائك واطلب منهم إبداء رأيهم بأسلوبك .عالج أولا الأوضاع الأقل إثارة للقلق . استجمع قوتك على الحزم والتوكيد . لا تدع عزيمتك تثبط إذا تصرفت تصرفا غير حازم . حدد أين انحرفت وكيف تستطيع تحسين معالجتك للوضع في المرة القادمة . كافيء نفسك كلما ضغطت على نفسك لتكون حازما ، بغض النظر عن تحقيق أو عدم تحقيق النتائج المرغوبة .
تقترح الدكتورة تيلمان استعمال " التقدير التعاقبي " ، وهو تعبير سيكولوجيّ يعني محاولة قطع جزء من الطريق في اتجاه الهدف . مثلا ، إذا كان يتعذر عليك الكلام بحزم ، حاول قول فقرة واحدة بحزم . وبعد أن تنجز ذلك حاول في الفرصة القادمة قول فقرتين بحزم .
كل فرصة تسنح لك لتدريب نفسك تكون في نفس الوقت فرصة تشعر فيها برضا النفس لأنك تكلمت بحزم ، وهذا الشعور يشكل خطوة إلى الأمام في سبيل كسب احترام الذات._(البوابة)