إصلاح الاقتصاد المصري من أين يبدأ؟

تاريخ النشر: 25 أغسطس 2011 - 03:55 GMT
نتيجة للمتغيرات الجديدة التي طرأت على مصر، فإن ما كان يصلح من أفكار وتوجهات ونظريات في سنوات سابقة، لم يعد كله صالحا الآن لحكم الدولة وادارة شؤونها
نتيجة للمتغيرات الجديدة التي طرأت على مصر، فإن ما كان يصلح من أفكار وتوجهات ونظريات في سنوات سابقة، لم يعد كله صالحا الآن لحكم الدولة وادارة شؤونها

الأمر الذي لا خلاف عليه، أن ثورة 25 يناير، هي حدث وقع في عالم يتغير، وكانت أداته المستخلصة من هذا التغيير، هي استخدام مواقع الاتصال الاجتماعي على شبكة الانترنت، التي تعد من المظاهر المهمة للتغيير الذي أفرزه انتقال العالم إلى عصر ثورة المعلومات، وذلك ضمن متغيرات متعددة الأشكال والمفاهيم والمبادئ السياسية والاقتصادية، والتي يتصدرها تغير مفهوم قوة الدولة، التي كانت تقاس من قبل بما تملكه من قدرات عسكرية، تليها في الترتيب بقية مكونات قوة الدولة.

ونتيجة لهذه المتغيرات، فإن ما كان يصلح من أفكار وتوجهات ونظريات في سنوات سابقة، لم يعد كله صالحا الآن لحكم الدولة وادارة شؤونها. وفي اطار ظروفنا الراهنة في مصر، فإن مما يثير القلق في الصورة العامة للحراك السياسي، منذ 25 يناير وحتى الآن، ما يعكسه الخطاب السياسي للغالبية العظمى من الذين أعلنوا ترشيح أنفسهم للرئاسة، والذي يفتقد الرؤية الاستراتيجية عند الكثيرين التي تلم بأبعاد هذا التغيير، الذي يشمل كل شيء، بما في ذلك تغير مفهوم الاصلاح الاقتصادي والتنمية، وهو ما يعد في المرحلة الحالية، قضية مصر الأولى، مع وجود استثناءات قليلة ومتميزة بين المرشحين.

في فترة التسعينيات من القرن العشرين، وبناء على تحولات النظام الدولي بانتهاء الحرب الباردة، وبناء على ظهور البدايات المبشرة للتجارب الناجحة للدول التي حققت صعودا اقتصاديا في آسيا، كان قد استقر في الفكر السياسي في العالم في هذه السنوات، أن القدرة الاقتصادية التنافسية، قد صعدت إلى قمة مكونات الأمن القومي للدولة لتتساوى مع القدرة العسكرية، وقد تتجاوزها أحيانا، وهذا تطور دفع بدوره إلى اعطاء أولوية للأمن القومي الاقتصادي، موازيا للأمن القومي للدولة بمعناه الاستراتيجي والتقليدي...

على ضوء ذلك يكون السؤال: من أين يبدأ الاصلاح الاقتصادي؟!

ان الاصلاح الاقتصادي، لابد أن يسبقه الاصلاح السياسي، خاصة ما يتعلق باقرار الأمن الداخلي، وسيادة دولة القانون، وحفظ كرامة المواطن، وترسيخ الديمقراطية، وتبني دستور توافقي متوازن، يعبر عن المصريين جميعا. ونظرا للتداخل بين السياسة والاقتصاد، فإنه يلزم أن تتبلور للدولة فلسفة سياسية واقتصادية واضحة ومحددة المعالم، تبنى على أساس مشروع قومي للتقدم والنهضة، يستوعب كل موارد الدولة ما هو مستغل، وما هو غير مستغل، ويضع في حساباته كل مشكلات مصر، منها ما هو اقتصادي، ومنها ما قد لا يكون اقتصاديا في طبيعته لكنه يتأثر بالاقتصاد ويؤثر فيه. وهو ما يعني التنوع في أهل العلم والخبرة، الذين يعهد اليهم بصياغة المشروع القومي، الذي يعد عملا سياسيا استراتيجيا، لا يختص به رجال اقتصاد فحسب، لكنهم يشاركون فيه مع غيرهم من أهل المعرفة.

هنا تكون محاولة الاجابة عن السؤال: الاصلاح الاقتصادي من أين يبدأ؟

1- اعادة صياغة الفلسفة الاقتصادية للدولة، والتحديد الواضح لهويتها السياسية والاقتصادية. بما يعظم هدف الانتاج، صناعيا وزراعيا، ويزيل خطايا النظام السابق، بما أرساه من قواعد هدم فكرة الانتاج، من أجل حماية ثقافة العمولات التي تفشت بشكل تخريبي، والتي استحوذت عليها الطبقة الحاكمة، والتي توسعت عشوائيا في الاستيراد (مصر تستورد 75% من احتياجاتها من المواد الغذائية من الخارج) والعمل بكل الطرق لابقاء مصر دولة مستهلكة مستوردة، والأمثلة لا تعد ولا تحصي على سلوكيات العداء للانتاج من بينها: - الغاء المشروع القومي لتنمية سيناء (1996) - عدم تنفيذ مشروع اقامة المدينة الصناعية التكنولوجية شمال غرب خليج السويس والتي وقع عقد انشائها رئيسا وزراء مصر والصين في يونيو 2006 - الغاء مشروع اقامة مصنع انتاج مبيدات آمنة للاستخدام المحلي والتصدير بمنحة مجانية من الوكالة الدولية للطاقة الذرية 2007.

2- أن البداية للاصلاح الاقتصادي تكون بتشخيص لأوضاع مصر الاقتصادية، وبناء على ما لديها تتحدد رؤية للهدف الذي تريد مصر أن تكونه، وما تستطيعه لبلوغ ذلك، مع الاستفادة من ايجابيات التغييرات الداخلية في مصر، وتغير المزاج النفسي للمصريين، الذين كانوا قبل 25 يناير قد أعطوا ظهرهم للنظام القائم في الدولة، وتفادي أي سلبيات موجودة الآن، وأيضا الاستفادة من الفرص المتاحة لعلاقات مع دول أخرى، ومن تجارب نجحت في دول مثل الصين، والهند، وسنغافورة، وماليزيا، والبرازيل، وتركيا وجنوب افريقيا، وبما يراعي جوانب الخصوصية في الحالة المصرية.

3- إن مصر بطبيعتها دولة يمتد عمقها الاستراتيجي، إلى اتجاهات متعددة ومتنوعة، وتتطلب احتياجات أمنها القومي، أن تمد جسورا في هذا العمق: - في افريقيا جوارها الاستراتيجي - وفي آسيا الصاعدة بقوة - وفي العالم العربي، حيث انتماءها القومي، وذلك وفق فلسفة سياسية متطورة.

4- لما كان الاصلاح السياسي هو نقطة الانطلاق لأي اصلاح اقتصادي ناجح، فإن الديمقراطية تكون هي مربط الفرس، فهي المنطلق للحكم الصالح، والسلام الاجتماعي، والعدالة الاجتماعية، والأمن القومي، والانتماء والهوية، والتنمية الاقتصادية. .. ورغم حجم المشكلات المتراكمة والمتوارثة، من نظام هدم الدولة الذي سقط في 25 يناير، فإن هذا لا يمنع من التفاؤل بمستقبل مصر، فمصر تملك من الموارد المادية والبشرية، ومن طاقة روح الوطنية التي أطلقتها ثورة 25 يناير، ما يؤهلها لقفزة اقتصادية في سنوات قليلة، وهي نظرة مستخلصة من المقارنة بدول كانت فقيرة جدا في كل شيء لكنها، وفي سنوات محدودة صعدت إلى مستوي الدولة المتقدمة والغنية، لا لشيء، سوى أنها وضعت يدها على المفاتيح الحقيقية، للبدء بالاصلاح الاقتصادي، بناء على رؤية سياسية محددة.