تشكل السيارات الحكومية مصدر هدر رئيسي ومهم للمال العام وبالرغم من كل القرارات التي أصدرتها الحكومات السابقة حول ترشيد استعمال هذه السيارات إلا أن تلك القرارات -مع الأسف الشديد - حبر على ورق ولم تستطع كل الحكومات السيطرة على استعمال السيارات للأغراض الرسمية فقط وسنثبت ذلك من خلال تقارير ديوان المحاسبة التي وثقت مخالفات تلك السيارات علما بأن هذا الديوان لا يستطيع ضبط كل المخالفات وتوثيقها أي أن هناك مخالفات كثيرة ومتعددة لم يتم ضبطها.
خلال العام الماضي ضبطت الوحدة الخاصة بمراقبة السيارات الحكومية في ديوان المحاسبة ألفا وأربعمائة وسبعا وسبعين مخالفة في البلديات وتسعمائة وثلاثا وعشرين مخالفة في منطقة العقبة الاقتصادية ومثل هذا العدد في وزارة المياه وثلاثمائة وأربعا وثلاثين مخالفة في وزارة الزراعة ومثلها في وزارة الصناعة والتجارة.
أما العام الحالي وحتى نهاية شهر تشرين الثاني الماضي فقد تم ضبط ستة آلاف ومائة وثلاث وستين مخالفة في مختلف الوزارات والدوائر الحكومية والمؤسسات العامة وهذه المخالفات تتمثل باستعمال السيارات الحكومية في أغراض خاصة وخارج أوقات الدوام الرسمي والسير دون إذن حركة أو كتابة أمر حركة مفتوح وتحميل أشخاص ليست لهم أية صفة رسمية.
مجموع هذه المخالفات عشرة آلاف ومائة وأربع وخمسون مخالفة ولو افترضنا أن كل مخالفة كلفت خزينة الدولة تنكة بنزين واحدة وسعر التنكة الواحدة أربعة عشر دينارا لكان مجموع المبلغ الذي استهلكته هذه المخالفات مائة واثنين وأربعين ألفا ومائة وستة وخمسين دينارا وهذا بالطبع رقم تقديري متواضع لأن هناك آلاف المخالفات التي لم تضبط إضافة إلى ذلك فإن صيانة هذه السيارات نتيجة استعمالها خارج أوقات الدوام الرسمي وللأغراض الخاصة يكلف ميزانية الدولة مبالغ هائلة لأن معظم سيارات الحكومة إن لم يكن كلها من الأنواع الحديثة.
وقد يتساءل البعض لماذا تتكرر هذه المخالفات كل سنة مع أن هناك عدة تعاميم من رؤساء الوزارات السابقين واللاحقين بعدم استعمال السيارات الحكومية إلا للأغراض الرسمية؟ الجواب على هذا السؤال سهل وبسيط وهو عدم وجود عقوبات رادعة يمكن أن تردع موظفي الدولة الذين يسيئون استعمال تلك السيارات، فلو كانت هناك غرامات مالية كبيرة على هؤلاء أو عقوبات أخرى لفكر هؤلاء ألف مرة قبل أن يستعملوا تلك السيارات للأغراض الشخصية وخارج أوقات الدوام الرسمي.
في مشروع قانون ديوان المحاسبة الجديد والذي سيقدم قريبا إلى مجلس النواب فقرة تنص على إعطاء هذا الديوان صفة الضابطة العدلية وهذه الصفة التي طالبنا بها منذ سنوات طويلة نتمنى أن تفعّل بحيث يمكن تحويل كل الذين يستعملون السيارات الحكومية إلى النائب العام مباشرة من أجل تحويلهم بعد ذلك إلى القضاء ليقول كلمته فيهم.