لم تعد الولايات المتحدة في عهد الرئيس باراك أوباما تقدم لإسرائيل دعما تلقائيا داخل الأمم المتحدة حيث تواجه سيلا متصلا من الانتقادات والإدانات.
ويأتي التحول الهاديء ولكن الملحوظ في أسلوب تعامل الولايات المتحدة مع حليفتها في الشرق الأوسط وسط ما يصفه بعض المحللين بأنه واحدة من أخطر الأزمات في العلاقات الأميركية الإسرائيلية خلال سنوات.
وتسعى الولايات المتحدة في عهد أوباما لاستعادة دورها كوسيط محايد للسلام في الشرق الأوسط والذي يقول منتقدون إنها فقدته خلال فترة الولاية السابقة للرئيس جورج بوش.
وتقول ماريان أوتاواي مديرة برنامج الشرق الأوسط لدى مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي في واشنطن "اعتادت إسرائيل على دعم غير مشروط من جانب الولايات المتحدة خلال إدارة بوش التي استمرت ثماني سنوات."
وتابعت أن موقف بوش "المتطرف" يجعل حتى الانتقادات البسيطة تبدو مأساوية بالنسبة لرئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وحكومته.
ولكن واشنطن استمرت في منع ما تراه جهودا لاستخدام الأمم المتحدة كمنتدى لجلد إسرائيل - وهو ما قال مسؤول أميركي لرويترز انه "تسعة من كل عشرة مبادرات تتعلق بإسرائيل في نيويورك."
ودفع أوباما بقوة كذلك من أجل فرض جولة رابعة من عقوبات مجلس الأمن الدولي على طهران بسبب برنامجها النووي الذي ترى إسرائيل انه يمثل أكبر تهديد أمني لها. ومن المتوقع التصويت على فرض عقوبات جديدة على ايران هذا الاسبوع.
وقالت اوتاواي "طرأت تغيرات طفيفة (على العلاقات الأميركية الإسرائيلية) لكنها أحدثت رد فعل غير متناسب من جانب إسرائيل... لم نشهد أي تغير جوهري."
في الاسبوع الماضي أيدت الولايات المتحدة بيانا لمجلس الأمن عن غارة قوات الكوماندوس الإسرائيلية على قافلة مساعدات حاولت كسر الحصار الذي تفرضه إسرائيل على قطاع غزة. وقتل تسعة أشخاص على احدى سفن القافلة في العملية.
وأعرب البيان عن الأسف على فقد الأرواح وطالب "بتحقيق سريع ومحايد ويعتد به ويسم بالشفافية ويخضع للمعايير الدولية."
وقال مسؤولون أميركيون إن واشنطن ودبلوماسيين من الأمم المتحدة عملوا على تخفيف نبرة البيان حتى لا يدعو مجلس الأمن الذي يضم 15 دولة لتحقيق مستقل ولضمان ألا ينتقد إسرائيل صراحة.
ومع ذلك أبدت إسرائيل استياءها من البيان واتهم مؤيدوها أوباما بالتخلي عن الدولة اليهودية.
وفي مقال بعنوان "الانضمام لأبناء آوى" اتهم اليوت ابرامز الذي عمل مستشارا لإدارتين جمهوريتين ويعمل الآن في مجلس العلاقات الدولية أوباما بتعريض إسرائيل فعليا "للقتل دون محاكمة بيد غوغاء."
وكتب يقول "البيت الأبيض لم يرغب في الوقوف بجانب إسرائيل ضد الغوغاء لأنه لا ينتهج سياسة تضامن مع إسرائيل... بل سياسة الابتعاد والضغط."
وانتقد ابرامز كذلك البيت الأبيض بشأن مؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار النووي الذي يعقد كل خمس سنوات وعقد في الفترة الأخيرة وضم الدول الموقعة على المعاهدة التي لم توقع عليها إسرائيل مثلها في ذلك مثل باكستان والهند وهما قوتان نوويتان.
وأيدت واشنطن دعوة لعقد اجتماع في عام 2012 لجميع دول الشرق الأوسط لبحث جعله منطقة خالية من السلاح النووي وغيره من أسلحة الدمار الشامل وهي خطة اقترحتها في الأصل مصر بمساندة عربية من أجل زيادة الضغوط على إسرائيل لتخلي عن أسلحتها النووية.
وبعد أن وافق المندوب الأميركي على البيان الختامي للمؤتمر عاد وانتقده لأنه خص بالذكر إسرائيل التي لم تؤكد أو تنف امتلاكها لسلاح نووي.
ولم يرض هذا البيان معلقين مثل ابرامز الذي قال إن أوباما "تخلى عن إسرائيل في الأمم المتحدة وفي مؤتمر اتفاقية حظر الانتشار النووي خلال أسبوع واحد."
ويقول بعض المحللين إن واشنطن تريد تحسين علاقاتها مع الدول العربية واستعادة وضعها كوسيط سلام محايد في المنطقة في الوقت الذي تحرص فيه على عدم إغضاب الناخبين الموالين لإسرائيل.
وقال مارك فيتزباتريك من المعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن "خلال سنوات حكم جورج بوش أدى انحياز واشنطن التلقائي لجانب إسرائيل في أي مسألة إلى أن يقوض بشكل خطير وضع أمريكا القائم منذ فترة طويلة باعتبارها وسيطا نزيها في الشرق الأوسط."
وأضاف "كان أوباما يحاول استعادة هذا الوضع في حين يأخذ في الاعتبار احتياج السياسة الداخلية لا ينظر اليه باعتباره مناهضا لإسرائيل."
وخارج الأمم المتحدة يقول المحللون إن أوباما حاول تخفيف التوترات مع نتنياهو بعد ان توترت العلاقات في وقت سابق هذا العام بسبب البناء في المستوطنات اليهودية المقامة على الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وتمكن من إقناع إسرائيل بإجراء محادثات غير مباشرة مع الفلسطينيين فيما يعتبر أكبر انجاز ملموس حققه في دبلوماسية الشرق الأوسط.
لكن مسؤولا إسرائيليا طلب عدم نشر اسمه قال انه من السابق لأوانه إصدار حكم على أسلوب إدارة أوباما تجاه إسرائيل.
وأضاف "مازال من الصعب فك شفرة الدوافع وراء التغير في السياسة الاميركية وليس فقط تجاه الشرق الأوسط."
وتابع المسؤول "إذا كان الأميركيون مقتنعين انه بانتهاج أسلوب أكثر ليونة... سيكسبون دعما من دول كانت حتى الان تعارض سياساتهم - فأنهم سيكتشفون أنهم مخطئون."