كيف تصبح فاسدا ً ؟!

تاريخ النشر: 30 يناير 2012 - 04:36 GMT
قبل أن تبدأ بأي عملية فساد يجب أن تغامر بكل الفضائل التي أسبغها الخالق عليك
قبل أن تبدأ بأي عملية فساد يجب أن تغامر بكل الفضائل التي أسبغها الخالق عليك

من المفيد أن تعرف أن للفساد جذورا تاريخية في مجتمعك الذي تطور وكبر الفساد معه لدرجة لا تصدق... فالأسلاف تحدثوا بمثلٍ شهير يقولون فيه: ( البراطيل خربت جرش)... شاع هذا المثل في مئة السنة الاخيرة من حكم الدولة العثمانية عندما ارتخت حواس السلطنة عن الرقابة على كبار الموظفين وصغارهم وأصبح طريق المواطن العادي لحل اي مشكلة من مشاكله لدى دوائر الحكومة بالدفع مسبقا لأحد الموظفين...

البسطاء من الناس قارنوا بين تهدم بعض أعمدة اثار جرش بفعل الزلزال وبين الرشوة.. حتى أنهم نسبوا خراب جرش الى الرشوة القادرة على تخريب صرح عظيم مثل منحوتات شارع الاعمدة والمسرح الجنوبي التي هي في نظرهم آية في تطويع الحجر وفن المعمار... لأن عظماء الرجال الصالحين اختفوا عن مسرح حياتك اليومية.. ولأن أجيالك اعتبروا أموال الوطن جرعة مباحة لكل من يستطيع أن يلتقط سنابلها قبل الاخر خاصة في زمن الهزائم والانكسارات.. فما عليك الا أن تباشر فسادك مقتديا بمن هم أكبر منك في الوظيفة والمقام.. ولأن الكبار والمتنفذين هم الأقدر على السرقة والنهب.. فلا بأس أن ترضى بأذن الجمل اذا لم تكن حصتك وركا سمينا أو سناما مليئا بالدهن .. أما اذا كنت في القمة فعليك أن تراعي الذين يعرفون عن فسادك وتوزع عليهم بعض الأحشاء لإسكاتهم...

قبل أن تبدأ بأي عملية فساد يجب أن تغامر بكل الفضائل التي أسبغها الخالق عليك وتضع شرف العائلة والعشيرة جانبا.. وتضع في حسابك أن سمعتك المهابة ستمرغ في الوحل إن اجلا أو عاجلا فالجريمة الكاملة لم تستوطن مجتمعك بعد... ومهما كنت ذكيا في اخفاء فسادك وغسله جيدا ليصبح شبه قانوني فان ألسنة الناس الذين يعرفونك مذ كنت تكتفي بحذاء واحد في العام لن ترحمك من النميمة على ثرائك المفاجئ أو البطيء... فأنت تسرق المال بالفساد لتنفق على نفسك وعائلتك ولا تستطيع خزن النقود ليتمتع بها احفادك قبلك... أنت لست متدينا حتى يردعك دينك عن أكل مال الحرام المخصص لاطعام الجياع واسكان الفقراء في منازل تشبه كوخ الحرس على باب بيتك... لا يهمك أن تبلغ مديونية وطنك نسبة أعلى من صادراته أو انتاجه.. فالمسؤولية تقع على عاتق غيرك الا اذا انكشفت.. عندها ستصبح المسؤول الأول عن خراب جرش... هذه هلوسات انسان يعيش يومه بكفاف خبزه.. أصابه الفصام والذهان وهو يتابع ثراء الآخرين المفاجئ.. أعيته الحيلة في فهم ما يجري على تراب وطنه.. انكفأ على نفسه لحل مسألة حسابية معقدة.. قبل ان يصل الى مرحلة الجنون تداركته رحمة الله بكشف بعض قضايا الفساد التي انتجت حالة نهب بالملايين واراحته من الجمع والطرح والقسمة.. ولكنه رغم ذلك لم يزل يشتري طعام بيته يوما بيوم.. ولم يزل يؤمن أن بطن وطنه قادر على انجاب رجال شرفاء يفخرون بنظافة ايديهم مثل نظافة ثيابهم.

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن