الشاعر اسلام سمحان "هي لا تجلس وحيدة"

تاريخ النشر: 18 مارس 2012 - 05:47 GMT
الشاعر اسلام سمحان "هي لا تجلس وحيدة"
الشاعر اسلام سمحان "هي لا تجلس وحيدة"

عمان-الغد- في مجموعته الجديدة، الصادرة بدعم من البنك الأهلي الأردني وعن الدار الأهلية، "هي لا تجلس وحيدة"، وبعد مرور أكثر من ثلاث سنوات، فصلت بين مجموعتيه والمجموعة الجديدة، يذهب الشاعر السلام سمحان إلى لغة وصور ومضامين شعرية جديدة، مختلفة على صعيد تجربتيه السابقتين، من حيث تجلي السرد الشعري في القسم الأول من الكتاب، وهو يوميات تلك التي لا تجلس وحيدة، ففي هذا القسم يترك سمحان القصيدة، التي تفرعت إلى 33 مقطعا، لتنساب بشكلها العفوي، ممتدة على فضاء الصفحة بأكملها، فيأخذ كل مقطع شكل الكتلة، وشكل قصيدة النثر الأميركية.

سمحان، لم يذهب إلى ذلك الشكل، نتيجة تطبيق لنظرية نقدية، أو نتيجة تأثر وإعجاب، ورغم أن قصيدته التكعيبية هذه أخذت شكل القصيدة الأميركية، إلا أنها اختلفت ونأت عنها من حيث المضمون والرؤية، وسبب ما قاده إلى ذلك هو السرد فقط.

من مقاطع القصيدة "قل وداعا للأشياء التي كنت تحبها، لن تدخن السجائر التي كانت تتمنى أن تراك تنفثها بشراهة، لن تشرب قهوة على مزاجها، لن تجلس كما كانت تشتهي أن تراك، ولن ترتكب حماقة المزاح الثقيل مع النادل، لن تتأبط ذراعك تلك الجميلة، ولن ترجع إلى البيت تشم ثيابك التي عشقت عطرها، وستنام هادئا فارغا من كل أحلامك الوردية، وسترجع أيامك العادية عادية".

وكما هو الحال في بقية المقاطع، لا تقوم القصيدة، من خلال مقاطعها 33، على صور شعرية متوالية، بل تعتمد على الصورة الواحدة الممتدة منذ بدء المقطع الشعري حتى نهايته، ليصبح أقرب إلى الصورة المكتوبة، لا الكتابة المصوِرَة، ففي داخل كل مقطع تتواجد عناصر مشهد السيناريو "الأشخاص، المكان، الحدث، والقصة، والزمن أحيانا".

من حيث المضمون، فقصيدة "هي لا تجلس وحيدة"، ليست بالغزلية، وليست حتى بقصيدة حب، بقدر ما هي قصيدة ناتجة عن شاعر أتم الحب وخرج من دائرته خروجا كاملا، فكتب ما كتب لتقويم العلاقات بين عاشقة "ليست عشيقته" وعاشق "ليس هو الشاعر" فمقاطع القصيدة، بأغلبها، تدور بين هو وهي، والأنا غائبة تماما، أو لربما الشاعر يروي قصصه وتجاربه الشخصية من خلال عاشق وعاشقة مفرضين أو مستحضرين لإبعاد الأنا: كما كان يفعل الشاعر قديما، على سبيل المثال صدر هذا البيت: "طحا بك قلب في الحسان طروب" ولم يقل "طحا بيَ" رغم أنه يتحدث في حقيقة الأمر عن نفسه.

يقول سمحان: "في المصعد قبل فتاتَك، ولا تفكر، لا وقت أمامك، وقل لها كل شيء، ولا تؤجل كلامك، وارفع عنها الليل بيديك، وانظر إلى وجهها كما يفعل الناضجون، واسند قوامك، ولا تكن غريمها، أبدا، فهي الذائبة في غرامك".

يحرص سمحان على حضور القافية، رغم أنه معفيّ منها، إلا أن ما يبرر ذلك، هو تلك المفارقة الممتعة التي تحدث في نهاية النص الذي يحرص الشاعر على أن يختتم بها، فالقافية في المجموعة الشعرية خرجت من كونها اشارة أو دلالة صوتية أو مورد لتداعي اللغة والصور.

في القسم الثاني من المجموعة والأخير، الذي تضمن:"وهي تمشي من بعيد، في النفس يعقوب واحد، فصل خامس، الصباح ليس خيرا، في المقهى، ولدت لأخسر كل شيء، حين تنام"، يذهب سمحان إلى تعميق صلته بما ورائيات الأشياء، والتفاصيل من حوله، أحيانا ينبش ذاكرته، فيذهب للتنبؤ بالمستقبل/ مستقبله الشخصي، من خلال تتبعه ومعاينته لماضيه أو طفولته، فرغم عدم تصالحه مع الماضي، إلا أنه لم يذهب إلى القطيعة معه، فالشاعر لا يعاتب أو يرفض، إنما هو يتذكر ويتأمل ويتألم وحسب كأن يقول:

هي لا تجلس وحيدة، مجموعة شعرية جديدة في رؤيتها ومعالجتها لما هو مألوف من قصائد حب أو غزل، ولما هو مألوف من نطق عاشق لعشيقته، وهي مدرسة ستخرج فيما بعد أجيالا من العشاق.

الشاعر زهير ابو شايب صمم الغلاف الذي كتب عليه الناقد الدكتور فيصل درّاج كلمة حول المجموعة جاء فيها يحاول إسلام سمحان في مجموعته "هي لا تجلس وحيدة" أن يكتب قصيدة خاصة، تمس أشياء الحياة الصغيرة، التي تحتمل الشارع والبيت والمدرسة ومشية الإنسان المغترب، الذي يتوهّم العالم أكثر مما يعيشه. غير أن هذه الأشياء الصغيرة تنفتح بلغة وميضة على عوالم الإنسان الداخلية المحتملة التي تستدعي رغبات عالية الصوت وعصيّة التحقق. فوراء شظايا الحياة التي  ُترى ناقصة يتراءى القلق والعشق والحيرة وشجن واسع على  شيء لا يظهر تمامًا.

ويضيف درّاج "هي لا تجلس وحيدة" حوار مع الكتابة وإمكانيات اللغة تمس العالم المرئي وتضيف إليه عالمًا يوازيه ولا يتقاطع معه، وتحاول أن تشتق من العالمين إيحاءً يحّول المعروف والمألوف إلى أسئلة.