من تمويل المحكمة إلى الكهرباء: تكريس افتداء الخلافات السياسية بالمال العام والمواطن اللبناني!

تاريخ النشر: 05 ديسمبر 2011 - 12:45 GMT
ما هذا السكوت الرهيب لوزارة الطاقة وأركان الحكم والحكومة باستثناء البيانات الفنية لكهرباء لبنان التي تجهل الأسباب الحقيقية لتوقيف المعمل والتي تقول ان التدابير الخاصة بالمحول ليست جديدة وهي تعود للعام 1990
ما هذا السكوت الرهيب لوزارة الطاقة وأركان الحكم والحكومة باستثناء البيانات الفنية لكهرباء لبنان التي تجهل الأسباب الحقيقية لتوقيف المعمل والتي تقول ان التدابير الخاصة بالمحول ليست جديدة وهي تعود للعام 1990

مهما كانت الأسباب السياسية والمناطقية والمالية والمادية والمصلحية، التي أدت الى توقيف معمل الزهراني، وحرمان كل لبنان من 40 في المئة من الطاقة الانتاجية (430 ميغاوات)، فإن النتيجة واحدة هي تطبيق الشعار المستحكم بالشعب اللبناني منذ الحرب الاهلية وحتى اليوم، افتداء الخلافات السياسية إما بالمال العام، وإما على حساب تحميل المواطن، الى أية طائفة انتمى، النتائج والأعباء الاضافية حتى تحقيق المطالب التي لا يعرفها الا أصحابها.

هنا لا بد من السؤال البديهي: هل مؤسسة كهرباء كانت قادرة على معالجة أمر المحول الحجة ادارياً؟ الجواب ببساطة نعم وهو أمر ليس بالجديد، وهو ما أكدته مؤسسة كهرباء لبنان في أكثر من بيان.

سؤال آخر أكثر بساطة: هل الشركة الماليزية الملتزمة تشغيل المعمل تعمل لحساب كهرباء لبنان أم أن مؤسسة كهرباء لبنان موظفة عندها؟ الجواب المنطقي هو أن الشركة الماليزية تعمل تحت إمرة كهرباء لبنان وليس العكس، هكذا يقول العقد الخاص بالتشغيل.

سؤال جديد: من يتحمل العطل والضرر الذي لحق بمليون و200 ألف مشترك شرعي في كهرباء لبنان من الساحل الجنوبي إلى مناطق الجبل وبيروت والضواحي الجنوبية والشمالية، في زحمة الغلاء وتزايد البرد وارتفاع أسعار المازوت؟ وما هذا السكوت الرهيب لوزارة الطاقة واركان الحكم والحكومة باستثناء البيانات الفنية لكهرباء لبنان التي تجهل الأسباب الحقيقية لتوقيف المعمل والتي تقول ان التدابير الخاصة بالمحول ليست جديدة وهي تعود للعام 1990، ولماذا لم تتحرك الاجهزة الامنية والقضائية لمعرفة الحقيقة ونقلها للناس؟ وهل باتت عذابات الناس والاقتصاد العام والقطاعات لا تستحق وقفة من مسؤول أو مجرد سؤال عن اضرار رعيته من الفقراء الذين لا يملكون مولدات ولا بدلات اشتركات باتت مرهقة؟

بقي موضوع واحد يتعلق بتضارب المصالح في تمويل وتلزيم مشاريع الكهرباء بعد إنجاز تمويل المحكمة الدولية، وهنا السؤال الاكثر اهمية عن محاولات التفرد والمشاركة في معالجة القضية الحياتية لاحقاً. تحضر العملية الاساس وهي العودة الى صلب الموضوع تحت شعارات مختلفة، بالتزام معالجة الخلافات والمصالح على حساب المال العام وهو الأمر الاقرب الى التحقيق. أما القضايا الاجتماعية والمعيشية وتصحيح الاجور التي يفترض ان تضرب نقابات الكهرباء في المعامل من الشمال الى الجنوب، فهو أمر ثانوي وغير مستعجل وبمقدور المواطن العادي ان يدفع الفواتير المضاعفة لاسعار المحروقات والمولدات الخاصة في المناطق الفقيرة من الجنوب الى الجبل واقليم الخروب من دون أن يفتح فمه بأي اعتراض، على أساس أن كل حقوقه واصلة وزيادة عليها بدلات الترفيه لفترة الأعياد.

تراجع حركة مصارف الاستثمار

في خضم الهموم المعيشية والخدماتية المتزايدة تبرز بعض المؤشرات المالية والاقتصادية المؤثرة في حركة الاستثمار وخلق فرص العمل، تفيد إحصاءات ونتائج نشاط اداء مصارف الاعمال والمصارف المتخصصة او مصارف الاستثمار في لبنان خلال العام 2011، أن هذه المصارف ما زالت ضعيفة من حيث الدور والاداء على الرغم من انها في معظمها تابعة للمصارف التجارية الكبرى في لبنان، وهي بدل ان تنشط الاستثمارات والتوظيفات في القطاعات الاقتصادية، تحولت الى تقليد عمل المصارف التجارية. وتفيد الاحصاءات الأخيرة أكثر من ذلك بتراجع موجودات وودائع هذا المصارف بأكثر من 20 في المئة، من دون ان يظهر ذلك في اية زيادات في معدلات التسليف للقطاعات او المساهمة بها. وقد يعني هذا الواقع أن المصارف التجارية تستعين بموجودات هذه المصارف لتحسين صورة ميزانياتها وهو الامر الاقرب الى الواقع في ظروف لبنان والمنطقة.

اكثر من ذلك، لم تنعكس آلية الاقراض التي أقرها مصرف لبنان بتعميمه الاخير، مناسبة لتفعيل اداء مصارف الاعمال التابعة في معظمها للمصارف التجارية الكبرى على الاغلب. وربما ادى هذا الواقع الى تأكيد مصرف لبنان توجهات جديدة بعدم اعطاء تراخيص لمصارف اعمال تابعة للمصارف التجارية من جهة، والتشديد على المصارف الحالية القيام بدورها كمساهم وكشريك في المؤسسات التي يمولها. هذا مع الاشارة الى ان لبنان ينعم بقطاعه المصرفي بسيولة كبيرة وقد تعززت ارباحه وامواله الخاصة بشكل كبير خلال السنوات الاخيرة نتيجة نمو الودائع وتنوع الخدمات الاستهلاكية أكثر من الإنتاجية.

مقارنة غير متكافئة بين الاستثمارية والتجارية

غير ان المقارنة البسيطة لأحجام المصارف المتخصصة والاستثمارية في لبنان مجتمعة تظهر أن نسبة نشاطها لا تزال قليلة، قياسا الى اجمالي حجم المصارف التجارية، وهي تتراجع مقارنة مع السنوات الماضية بالعدد والتسليفات والقدرات، استناداً الى تطورات نشاطها وفقاً لاحصاءات مصرف لبنان والمصارف ذاتها.

في قراءة بسيطة لنتائج المصارف المتخصصة ونشاطها مقارنة مع المصارف التجارية أو القطاع المصرفي عامة حتى نهاية الشهر الخامس من السنة الحالية 2010 تظهر الوقائع الآتية:

1- بالنسبة لحجم هذه المؤسسات، يبلغ عدد المصارف الاستثمارية والمصارف المتخصصة في نهاية الفصل الثالث من العام 2011 حوالى 14 مصرفاً تملك 14 فرعاً، بزيادة فرعين عما كانت عليه في نهاية العام 2010، وهي كانت حوالى 10 مصارف في العام 2006. أما المصارف التجارية فيبلغ عددها اليوم حوالى 68 مصرفاً لديها حوالى 912 فرعاً. وهي كانت في العام 2010 حوالى 65 مصرفاً تملك 863 فرعاً في مختلف المناطق والمحافظات والاحياء اللبنانية، بمعنى انها زادت حوالى 19 فرعاً خلال تسعة اشهر. هذا يعني ان حجم المصارف الاستثمارية والمتخصصة مجتمعة لا يشكل اكثر من 20,5 في المئة من إجمالي عدد المصارف، بعدما كان حوالى 20 في المئة من عدد القطاع المصرفي الاجمالي في العام 2010، وهي لا تشكل اكثر من 1,5 في المئة من اجمالي عدد الفروع في القطاع المصرفي.

2- أما على صعيد النشاط المالي لهذه المؤسسات، فقد بلغت الميزانية المجمعة لمصارف الاعمال والمصارف المتخصصة في نهاية ايلول 2011 ما مجموعه حوالى 4370 مليون دولار مقابل حوالى 5234 مليون دولار لنهاية العام 2010، أي بتراجع حوالى 864 مليون دولار. هذه الميزانية تشكل اليوم ما نسبته حوالى 3,1 في المئة من إجمالي الميزانية المجمعة للقطاع المصرفي البالغة في نهاية ايلول والتي تبلغ حوالى 138,3 مليار دولار.

3- أما بالنسبة إلى الأموال الخاصة لهذه المصارف الاستثمارية أو المتخصصة، فقد بلغت في نهاية ايلول 2011 حوالى 823 مليون دولار، مقابل حوالى 716 مليون دولار لنهاية العام 2010. أما الاموال الخاصة للمصارف التجارية فقد بلغت في نهاية ايلول 2011 ما مجموعه 10,3 مليارات دولار. بمعنى آخر ان الأموال الخاصة لمصارف الاستثمار لا تشكل أكثر من 7,9 في المئة من إجمالي الأموال الخاصة للقطاع المصرفي، بعدما كانت تشكل حوالى 8 الى 10 في المئة خلال الاعوام السابقة.

4- أما الودائع في المصارف الاستثمارية والمتخصصة فبلغت في نهاية الفصل الثالث من العام حوالى 2735 مليون دولار، مقابل حوالى 3679 مليون دولار لنهاية العام 2010 أي بتراجع 944 مليون دولار، وهي نسبة كبيرة من حجم ودائع المصارف الخاصة، وهي كانت في نهاية العام 2009 حوالى 3554 مليون دولار. ولكن الامر لا يبدو كذلك، استناداً الى نتائج وتطور حجم التسليفات المحققة من قبل هذه المصارف. اشارة هنا الى ان الودائع في المصارف المتخصصة مقارنة مع اجمالي ودائع القطاع المصرفي تشكل ما نسبته حوالى 2,4 في المئة، بعدما كانت حوالى 3,43 في المئة نهاية العام 2010. أما إجمالي ودائع القطاع المصرفي فبلغت في نهاية ايلول من هذه السنة حوالى 113,3 مليار دولار.

5- يبقى الموضوع الأكثر أهمية بالنسبة للمصارف المتخصصة يتعلق بتطور حركة التسليفات وتمويل القطاعات الاقتصادية. فقد بلغت قيمة التسليفات المعطاة من المصارف المتخصصة والاستثمارية للقطاعات الاقتصادية حتى نهاية شهر ايلول من العام 2011 حوالى 1095 مليون دولار، مقابل ما مجموعه حوالى 1076 مليون دولار في نهاية العام 2010، وهي لم تزد خلال الاشهر التسعة من هذه السنة بأكثر من 19 ومن جهة، كما لم ينعكس تراجعات الودائع في حجم تزايد التسليفات مما يطرح اسئلة حول تفعيل دور هذه المصارف وتنشيط مساهمتها في الحركة الاقتصادية. بما يعني عدم تقدم التسليفات الى المستويات المرتقبة خصوصاً في ظل توافر السيولة، وبرغم كل الآليات والمحاولات لتحريك القروض التجارية والصناعية للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة والاعفاءات من الاحتياطي الالزامي من قبل مصرف لبنان لقروض ومساهمات هذه المصارف. هذا الوضع اضعف امكانية نمو اداء المصارف المتخصصة وتوسعها ايضاً، لا سيما في ظل الازمة المالية العالمية ناهيك عن عدم قيام المصارف بالمشاركة في المساهمات والتوظيفات في المشاريع حسب تعاميم مصرف لبنان. وتشكل تسليفات المصارف المتخصصة ما نسبته 2,8 في المئة من اجمالي تسليفات القطاع المصرفي وهي كانت حوالى 3,38 في المئة من اجمالي تسليفات القطاع خلال السنتين الاخيرتين. اشارة ايضاً الى أن اجمالي تسليفات القطاع المصرفي التجاري الى القطاعات الاقتصادية بلغ حتى نهاية الفصل الثالث من السنة حوالى 38,7 مليار دولار.

6- أما على صعيد الأرباح المحققة فبلغت في نهاية ايلول 2011 حوالى 47 مليون دولار، بمتوسط شهري قدره 5,2 ملايين دولار، مقابل حوالى 103 ملايين دولار لكامل العام 2010 وبمتوسط شهري 8,5 ملايين دولار. هذا وتشكل ارباح المصارف المتخصصة من اجمالي ارباح القطاع المصرفي ما نسبته 4,08 في المئة بعدما كانت حوالى 6,26 في المئة في نهاية العام 2010. اشارة الى ان ارباح القطاع المصرفي التجاري خلال الاشهر التسعة من العام 2011 بلغت حوالى 1155 مليون دولار.

في المحصلة فإن هذه النتائج للمصارف المتخصصة التي تظهر تراجعاً في حجم الودائع والموجودات وضعفاً كبيراً في نمو التسليفات والمساهمات في المشاريع الاستثمارية الجديدة او القائمة، تعني انه بات ملحاً ان يعاد النظر بدور وحجم اداء هذه المصارف على اعتبار انها تتخلى عن دورها في تنشيط حركة التوظيفات والاستثمارات في البلاد، وهذا هو دور المصارف المتخصصة ومصارف الاعمال. كما ان هذه النتائج والوقائع تؤكد الحاجة الى ضرورة تعزيز نشاطات هذه المصارف الاستثمارية والمتخصصة، مع العمل على تطبيق قانون تفعيل الاسواق المالية بعد إقرار مشروع قانون تفعيل الاسواق المالية، وإجراء الاصلاحات التي تساهم في تكريس الثقة في خلق الاستثمارات ومناخات الاستثمار، وزيادة معدلات الاختصاص وتوسيع الخدمات وتنويعها. وهذه أمور ترتبط الى حد كبير في توفير مناخ الاستقرار لجذب الاستثمار.