بعد سرقة الأرض والمياه، أعدّت إسرائيل العدة لسرقة نفط لبنان وغازه من خلال ترسيمها المائل للخط البحري الفاصل بين البلدين الذي يقضم مساحة تصل إلى 854 كيلومترا مربعا من المياه اللبنانية، والمقاربة الإسرائيلية ترتكز على ما تسمّيه إسرائيل «طريقة الحسابات الدولية الجديدة للمياه الاقتصادية» التي لم تعد تعتمد الخط المستقيم في ترسيم الحدود إنما الخط المائل، وتدعم تل أبيب وجهة نظرها باتفاقيات السلام مع الأردن ومصر التي اعتمدت الخط المائل أساسا لتحديد الحدود وليس الخط المستقيم.
خط لبناني مستقيم مقابل الخط الإسرائيلي الموارب
في مقابل الخط الإسرائيلي «الموارب»، يعتمد لبنان خطا مستقيما في ترسيمه للحدود المائية يجعل من ستة حقول غازية تسميها إسرائيل حقول «الون» تقع ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة للبنان، إضافة إلى التشابك مع حقول أخرى تعدها إسرائيل من أهم اكتشافاتها النفطية، ولكن لبنان الذي أثبتت المسوحات الثلاثية الأبعاد أن فيه من النفط والغاز ما يكفي لجعله بلدا نفطيا من الطراز الأول، في حالة سباق غير متكافئ مع إسرائيل يشبه سباق السلحفاة والأرنب، بحيث إن تل أبيب بدأت بعد ترسيمها المناطق المتنازع عليها ضمن المياه البحرية والاقتصادية من منطقة رأس الناقورة وصولا إلى المياه الاقتصادية القبرصية على مسافة 150 كيلومترا تقريبا من الشاطئ اللبناني الفلسطيني في نهب ثروة لبنان النفطية في حين أن بيروت ما زالت تتلهى في إجراءاتها البيروقراطية وخلافاتها السياسية التي أقل ما يقال فيها إنها تصل إلى مستوى التفريط بالحقوق الوطنية.
خلاف لبناني على كعكة الغاز والنفط قبل أن تُخبز
التعاطي السياسي اللبناني مع كعكة النفط والغاز اللبنانية لم يشذ عن صيغة التعاطي السياسي اللبناني مع القضايا الكبرى التي تهيمن فيها المصالح الشخصية للسياسيين اللبنانيين على المصلحة العليا للبلاد، لذا اختلفوا على اقتسام كعكة النفط والغاز قبل أن تُخبز ودخلوا في صراعات حول الحصص بينما إسرائيل باتت تعتبر دولة نفطية.
من «حاليتس» إلى «الون»
قصة إسرائيل مع التنقيب عن النفط طويلة، بحيث إن أول اكتشافاتها النفطية كان عام 1955 لحقل في منطقة «حاليتس» شمالي النقب، وبعد اكتشاف هذا الحقل استمرت عمليات التنقيب الإسرائيلية بواسطة شركات رسمية مملوكة للدولة وأخرى خاصة، ولم تيأس إسرائيل قبل اكتشافاتها النفطية الأخيرة من عمليات التنقيب المستمرة بالرغم من عدم جدواها، وقد أسندت مهمة حماية حقول الغاز وعمليات التنقيب في البحر المتوسط إلى وحدة النخبة «الشييطت 13» في سلاح البحرية الإسرائيلية تحسبا لأي هجوم عسكري أو أمني محتمل.
التنقيب اللبناني من عمر الانتداب والنتيجة: صفر
أما عمليات البحث عن نفط وغاز في لبنان عمرها من عمر الانتداب الفرنسي، وقد بقي الحلم النفطي يدغدغ مخيلة اللبنانيين من منتصف أربعينيات القرن الماضي بالرغم من عدم مبالاة دولتهم ومن عدم إعارتها أهمية لهذا الملف، إلى أن جاء الجواب المنتظر مؤخرا من النرويج التي استعان بها لبنان لمساعدته في التنقيب عن نفطه وغازه من خلال إجراء مسوحات ثلاثية الأبعاد، وعليه أقر المجلس النيابي اللبناني قانون النفط في شهر أغسطس من عام 2010، وتم تجهيز المراسيم التطبيقية ضمن النظم العالمية لصناعة النفط والغاز، إلاّ أنه ما زال أعجز من أن يقدم على الخطوات التطبيقية بسبب الخلافات السياسية بين أهل الحكم.
الاكتشافات النفطية تغيّر مسار البلد الأكثر مديونية في العالم
تشير التقديرات إلى احتواء المياه الإقليمية والاقتصادية للبنان على كميات هائلة من الغاز والنفط تقدّر بما لا يقل عن 25 تريليون قدم مكعب على الأقل و80 تريليون قدم مكعب على الأكثر، وبحساب بسيط إذا كان كل تريليون قدم مكعب تقدّر قيمته بنحو 12 مليار دولار فإن ثروة لبنان النفطية تقدر بنحو 300 مليار دولار في حدها الأدني و960 مليار دولار بحدها الأقصى، وهذه الأرقام كفيلة بقلب الاقتصاد اللبناني رأسا على عقب، وستمكّن لبنان من سداد دينه العام الذي يجعله البلد الأكثر مديونية في العالم.
تماشيا من لبنان مع المعطيات الجديدة، أقدم على فتح الباب لبدء استدراج عروض الشركات الراغبة في المشاركة في عمليات التنقيب، وحسب وزير الطاقة والمياه اللبناني جبران باسيل فقد اشترت سبع شركات نفطية عالمية نتائج الدراسات الموجودة في حوزة وزارته والتي تتضمن التقديرات عن مخزون لبنان من النفط والغاز.
نزاع لبناني– إسرائيلي على ملكية الحقول
في مقابل فتح لبنان الباب أمام استدراج العروض، قامت إسرائيل وتقوم بمنح امتيازات للتنقيب عن النفط والغاز في المياه الدولية مخالفة بذلك القانون الدولي، إلا أن مخالفتها لم تمنع قادتها من التأكيد على أن الاكتشافات النفطية «ملك لشعب إسرائيل».
يعتبر النزاع مع إسرائيل مصدر القلق الأكبر للبنان، ولذلك طلبت بيروت تحكيم الأمم المتحدة بينها وبين تل أبيب، ولكن يسأل الخبير في القانون الدولي الدكتور حسن جوني: «كيف يطلب لبنان تحكيم الأمم المتحدة مع دولة لا يعترف بوجودها؟»، ويضيف لـ الوطن إنه «لم يسبق للأمم المتحدة أن قامت بعملية ترسيم حدود إلا مرة واحدة بين العراق والكويت، وهذا لا يدخل ضمن نطاق اختصاصها». وماذا عن المحكمة الدولية؟ يجيب جوني أنها صاحبة اختصاص «ولكن الإشكالية لا تحل باللجوء إليها لأن لبنان لا يعترف بإسرائيل كدولة».
لا شك أن استخراج النفط والغاز اللبناني من شأنه أن يفرض واقعا تنافسيا جديدا بين لبنان وإسرائيل في الأسواق الأوروبية والآسيوية، ولذلك في سباق الأرنب والسلحفاة نفسه، عمدت إسرائيل في خطوة استباقية منها إلي مد خطوط مع الأسواق الأوروبية وأسواق الهند والصين من خلال مسارعتها إلى خطوات عملية اعتمدت على استخراج الغاز بكميات تجارية انطلاقا من مبدأ أن الأفضلية تكون دائما لمن يسبق.
ولكن إذا كانت سلاحف لبنان في سباق غير متكافئ مع أرانب إسرائيل على خطي التنقيب والتسويق، فهل يعني ذلك أن تل أبيب ستتمكن من الاستفادة من قدرات لبنان النفطي الواقعة قبالة سواحله؟!
منصات التنقيب الإسرائيلية في بنك أهداف المقاومة
سؤال أتت الإجابة عليه على لسان وزير الجبهة الداخلية الإسرائيلية متان فيلنائي من خلال قوله إن «منصات استخراج الغاز في عرض البحر هي البطن الرخو لإسرائيل، ويكفي إطلاق بضعة صواريخ عليها كي تتطاير بعدها هذه المنصات في الهواء». والأسئلة التي تطرح نفسها هنا هي: هل تحولت قوة «حزب الله» الرادعة إلى قوة هجومية تمكن الحزب من جعل منصات التنقيب الإسرائيلية التي تستهدف ثروة لبنان النفطية في بنك أهدافه؟ وهل يمكن للاكتشافات النفطية أن تتحول إلى عبء أمني على إسرائيل؟ وهل الاكتشافات النفطية ممكن أن تكون سببا في إشعال حرب بين لبنان وإسرائيل؟ ولماذا تأخر لبنان في التنقيب عن ثروته النفطية بشكل جدي؟
أسئلة يجيب عنها عضو كتلة «التنمية والتحرير» النائب قاسم هاشم، الذي يعيد الخطى السلحفاتية للبنان في ملف النفط والغاز إلى «عدم إقدام الحكومات المتعاقبة على اتخاذ الخطوات التي تسمح للبنان ببدء التنقيب عن ثروته النفطية أو الغازية»، ويضيف أن «لبنان لم يكن حتى يمتلك قانونا لإدارة قطاع النفط وهذا سبب رئيس ووجيه»، وإضافة إلى السببين السابقين يعيد الأمر في شق منه إلى الخلاف السياسي الذي يرزح البلد تحت وطأته».
ويقول هاشم إن «حسن النوايا يتطلب منّا التوقف عند الأسباب الثلاثة السابقة الذكر، ولا نريد الآن أن نقول إن هنالك من كان يستجيب بشكل أو بآخر لبعض الإشارات والنصائح الخارجية بضرورة التباطؤ في الملف النفطي لسبب نجهله».
وهل المنصات الإسرائيلية في عرض البحر تمثل البطن الرخو للكيان الصهيوني أم أن لبنان لا يمكنه أن يقدّم أو يؤخر في هذا الموضوع؟ يجيب: «على العكس، لبنان يملك الحق القانوني والقوة التي تسمح له بالحفاظ على ثروته وحقه في استخراج هذه الثروة». ويضيف: «الحق القانوني للبنان بالثروة النفطية تسانده القوة، وقد أثبتت التجربة خلال ما يزيد على عقد من الزمن أن قوة لبنان كانت رادعة»، وللدليل على قوة لبنان يقول: «كل العالم نصحنا بعدم الإقدام على خطوة استثمار ثروتنا المائية من نهر الوزاني، وقد تمكنّا بما نملكه من قوة من انتزاع هذا الحق».
أما عن قوة «حزب الله» الهجومية يقول «إنها للدفاع عن الحق اللبناني لأن إقدام العدو الإسرائيلي على مثل هذه الخطوة هو انتهاك للسيادة واعتداء على لبنان وهذا يستوجب الدفاع عن الحق وعن السيادة الوطنية من خلال القوة ومن خلال القانون، والقوة هنا هي التي تحافظ على السيادة الوطنية وعلى حق لبنان بثرواته أكانت نفطية أو مائية؟».
وهل بمقدورنا أن نقول إن الاكتشافات النفطية ممكن أن تتحول إلى عبء أمني على إسرائيل وأن تتحول إلى حرب بين لبنان وإسرائيل في وقت لاحق؟ يجيب: «نحن نتمنى أن يصل كل ذي حق إلى حقه وفق القوانين والشرائع الدولية ولكن عندما يفرض على لبنان مثل هذا الأمر هو سيكون حاضرا له وسيكون بالمرصاد لأي محاولة نهب إسرائيلية لثرواته».
اللافت والذي لا يمكن التغاضي عنه هو أنه في الوقت الذي تثير فيه إسرائيل ضجة حول التشابك الحدودي بينها وبين قبرص في حقول «الون» تلتزم في المقابل الصمت حول التشابك الحدودي بينها وبين لبنان في الحقول عينها رغم ادعائها أمام الأمم المتحدة عام 2011 أحقيتها بهذه الحقول وفقا للترسيم الذي أجرته بشكل أحادي.
هل تنجح لبنان في تفادي مشاكلها الداخلية حالياً والالتفات الى ثروتها النفطية قبل ضياعها؟