توجهات الحكومة اللبنانية لا تهدف إلى تحريف وجهة الاقتصاد اللبناني

تاريخ النشر: 14 سبتمبر 2011 - 09:08 GMT
 أشار نحاس إلى أن الحكومة «لن تزيد الضرائب على أرباح الاستثمار أو مداخيل العمل، لكنها ستقوم بالخطوات التصحيحية لتطال الاقتطاعات الضريبية الأرباح المحققة كافة، من دون أية استثناءات إن بالنسبة للعمليات العقارية أو المالية»
أشار نحاس إلى أن الحكومة «لن تزيد الضرائب على أرباح الاستثمار أو مداخيل العمل، لكنها ستقوم بالخطوات التصحيحية لتطال الاقتطاعات الضريبية الأرباح المحققة كافة، من دون أية استثناءات إن بالنسبة للعمليات العقارية أو المالية»

محاضرة وزير الاقتصاد والتجارة نقولا نحاس يوم الأحد، الحادي عشر من الشهر الجاري، أكسبته ثقة القيمين على القطاع التجاري بلا منازع. لكنها، من جهة ثانية، أمعنت في إفقاده ثقة حلفائه الألدّاء في الحكومة، الذين استعذبوا وصفه، ذات جلسة من جلسات مجلس الوزراء، بـ«ملاك السنيورة». ذاك أن نحاس أعلن وبالفم الملآن أن الحكومة ليست في وارد تصحيح «النمط الاقتصادي القائم»، إنما جل ما ستعكف على تغييره يتصل بتصحيح بعض «الاختلالات» التي لا تعرف ماهيتها ودلالاتها الحقيقية. ولا نعرف أيضاً شيئاً عن «التوازنات» المطلوب إحلالها محل تلك «الاختلالات».

إذ قال بالحرف، في ما يشبه رسالة الطمأنة، إن التوجهات الاقتصادية للحكومة اللبنانية «لا تهدف بأي شكل من الأشكال إلى تحريف وجهة الاقتصاد اللبناني أو دوره، إنما هي خطوات ضرورية لرفع عدد من الاختلالات والتشوهات الاجتماعية والاقتصادية، خاصة لجهة توسيع الاستثمارات إلى أكبر عدد ممكن من القطاعات».

وذلك كان ليكون مفهوماً أو محتوماً في ضوء تركيبة الحكومة الحالية والخلفيات الاجتماعية والاقتصادية لغالبية مكوّناتها، التي تعكس نسيجاً مشابهاً لتركيبة كل الحكومات السابقة منذ الطائف حتى اليوم، لولا ما قاله وزير العمل شربل نحاس قبل أيام فقط، عشية اتفاق مجلس الوزراء على خطة الكهرباء. ومؤدى ذلك القول الذي لم يأبه به أحد وقتها أن على الحكومة الشروع، انطلاقاً من أزمة الكهرباء، بتصحيح النمط الاقتصادي القائم. أغلب الظن أن مقولة «التصحيح» باتت أهزوجة تغنّى كلما اعترضت عقبة ما طريق الطرف الذي اخترعها. وهي تلاقي إقبالاً منقطع النظير على دورها كفزاعة ترفع في وجه الخصوم والحلفاء على حد سواء، حتى ولو كانت مفرغة من أي مضمون حقيقي!

أنا ومن بعدي الطوفان

بالعودة إلى محاضرة نحاس في جمعية تجار بيروت، التي حملت عنوان «سياسة الحكومة الاقتصادية وتحديات القطاع التجاري في لبنان»، فقد حضرها ممثلو الجمعيات التجارية، إلى جانب بعض الفعاليات الاقتصادية، وكانت برعاية «البنك اللبناني الفرنسي». وأظهر التجار، على الرغم من كونهم مواطنين أولاً وأساساً، لا مبالاة تامة بالسؤال عن الموضوع الاجتماعي والمعيشي ومكانته في الخطط والبرامج الحكومية التي انتدب نحاس نفسه حصرياً للنطق باسمها! وبدلاً من ذلك انكبوا على إثارة الأسئلة التقليدية والمباشرة. أسئلة تدور حول نقطة واحدة تتكرر على الدوام: هل لدى الحكومة الحالية نية برفع الضرائب على أرباح التجار في موازنة العام 2012؟ ولمّا جاءهم الجواب الشافي من نحاس بالنفي التام، التقط ممثلو الجمعيات التجارية أنفاسهم، ما أعاد لون وجوههم المنخطفة إلى طبيعته. بعد ذلك، لم يكلفوا خاطرهم بالسؤال عن تصور الحكومة التفصيلي لمسألة رفع الحد الأدنى للأجور في ضوء دعوة الاتحاد العمالي العام للتحرك. هذا فضلاً عن مقاربة الحكومة لإشكالية تعزيز ودعم القدرات الشرائية لذوي الدخلين المتوسط والمحدود، الذين يشكلون عصب النشاط الاقتصادي والتجاري في البلاد. كما لم يعترض أي من ممثلي التجار على اعتراف نحاس بأن زيادة الضريبة على القيمة المضافة ستكون إحدى البنود المطروحة جدياً في موازنة 2012 لتعزيز موارد الخزينة. ذهنية التاجر، على ما يبدو، تعيش قطيعة مع المجتمع الذي ينتمي إليه التاجر نفسه. هذا من جهة. ومن جهة ثانية، يمكن القول إن هؤلاء أظهروا أن العلاقة بينهم وبين حقائق الاقتصاد وبديهياته محكومة بالجفاء والفتور. فتناسوا أن قطاعهم قائم أساساً على الاستهلاك، ولولاه لما كانوا أصلاً وبالتعريف تجاراً. كما تغافلوا عن الدور الذي لعبه التراجع القياسي في مستويات المعيشة للغالبية الساحقة من اللبنانيين، بالتلازم مع ارتفاع معدلات التضخم، في تدهور أداء القطاع في السنوات الأخيرة.

«مانيفست» إستراتيجية الحكومة

وانصرف نحاس في محاضرته إلى تعداد مكونات «المقاربة العامة المقترحة من الدولة اللبنانية»، والتي ترتكز على: أولاً، «الاستقرار في المالية العامة والتحديث الضرائبي وإدارة الدين العام، من خلال مواصلة تخفيض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي التي انخفضت من 185 في المئة عام 2002 إلى أقل من 135 في المئة عام 2010، خاصة أننا استطعنا في الأسابيع الأخيرة من إصدار سندات خزينة بالدولار الأميركي بفائدة أقل من 5 في المئة، وهذا يحصل للمرة الأولى منذ أكثر من 20 سنة. كما سنحاول استعمال إمكانية الاستدانة من الصناديق الدولية والإقليمية وقبل اللجوء إلى الاستدانة الداخلية الأكثر كلفة».

وعلى صعيد الضرائب، أشار نحاس إلى أن الحكومة «لن تزيد الضرائب على أرباح الاستثمار أو مداخيل العمل، لكننا سنقوم بالخطوات التصحيحية لتطال الاقتطاعات الضريبية الأرباح المحققة كافة، من دون أية استثناءات إن بالنسبة للعمليات العقارية أو المالية».

أما المكون الثاني لإستراتيجية النمو فيرتكز، وفق نحاس، على تحسين البنى التحتية الأساسية، حيث ستعمل الحكومة على تسريع المشاريع الملحوظة في القطاعات والمناطق كافة، ومنها الكهرباء والمياه والطرقات والمعالجات البيئية. وإذ لفت إلى أن المكون الثالث يتعلق بتحسين بيئة الأعمال لاستقطاب الاستثمارات الداخلية والخارجية على حد سواء، شدّد على أن الحكومة بصدد إعادة تفعيل اللجنة المولجة بتصحيح الاختلالات، التي يترأسها رئيس الحكومة. وفيما يتمحور المكون الرابع حول «تحسين قطاع التعليم والتربية»، يرتكز المكون الخامس، وفق نحاس، على «الحمايات الاجتماعية الفاعلة والمستدامة، وتقليص حجم الفئات المهمشة مناطقياً واجتماعياً، وتدارك التشوهات الحاصلة والمهددة للاستقرار الاجتماعي والاقتصادي».
وفي ختام المحور المرتبط باستراتيجية الحكومة، أكد نحاس أن على الحكومة، في ضوء المشاكل المزمنة التي تعاني منها مؤسسة الضمان الاجتماعي، اتخاذ الإجراءات الحاسمة لإقرار مشروع قانون ضمان الشيخوخة، وتوحيد التقديمات الصحية.

تحديات القطاع التجاري

وتناول المحور الثاني من محاضرة وزير الاقتصاد تحديات القطاع التجاري. إذ أكد نحاس أن من الخطوات المزمع اتخاذها إعادة إحياء دور غرف التجارة والصناعة، وتأمين تمويل للمعارض، وإشراك ممثلي القطاع التجاري في اللجان والمناقشات الاقتصادية كافة، والعمل على اقرار القوانين المتعلقة بالمنافسة والجودة، وحماية المستهلك وسلامة الغذاء والامضاء الالكتروني وتبادل المعلومات والاتجار، وتفعيل عمل لجان حماية المستهلك، وتحرير العمليات التجارية والداخلية، ومساندة النشاطات التجارية الواعدة. هذا فضلاً عن خلق صناديق استثمار في القطاعات الإنتاجية كافة، ومنها التجارية، وتوقيع اتفاقيات التبادل التجاري مع اكبر عدد ممكن من الدول، والعمل على دخول منظمة التجارة العالمية، علاوة على إزالة الحواجز المعيقة لعملية تنقل الأشخاص الأجانب.

حسن الحاف