منذ فجر التاريخ كانت بلاد الرافدين تعرف باسم «مملكة الجهات الأربع»، لأن من يحكمها يشرف في موقعه على الجهات الأربع من العالم. وبعدما كانت مدن العراق في عهد الخلافة العباسية، كالكوفة والبصرة وسامراء وبغداد، تعج بالسياح الأجانب، باتت السياحة عليلة نتيجة للحروب والصراعات المدمرة التي عصفت بها ولا تزال. إلا أنه في الفترة الأخيرة، بدأت مجموعات السياح بالتوافد إلى المواقع الأثرية والمزارات الدينية.
وبدأت الحياة السياحية تنشط تدريجياً في العراق، وإن كانت تلك السياحة في أغلبها سياحة دينية، منذ تسعينيات القرن الماضي، إذ بدأ السياح والحجيج من إيران وباكستان والهند وبعض دول الخليج، خاصة من الشيعة، يتوجهون إلى العراق لزيارة عتباته المقدسة. وبعد العام 2008، بدأت الصحف العراقية بتناول أخبار حول مجموعات سياحية غربية تأتي لمشاهدة آثار الحضارتين السومرية والبابلية.
ويضم العراق معالم أثرية وتراثية قديمة عديدة، يعود تاريخها إلى آلاف السنين، كمنطقة زقورة أور، وبقايا بابل، وقلعة أربيل في شماله. كذلك يضم أهم المراقد الدينية والمزارات الإسلامية، فضلاً عن مجموعة من القصور والقلاع والمتاحف من الحقب التاريخية كافة، ناهيك عن الأهوار المترامية الأطراف في جنوبه...
ويقول الكاتب والصحافي أحمد محمد التميمي أنه «من الممكن أن يتطور القطاع السياحي في البلاد بسبب انفتاح المجتمع العراقي على العالم الخارجي». ويؤكد على ضرورة أن تولي الحكومة العراقية اهتماماً أكبر بقطاع السياحة مستفيدة من تجربة إقليم كردستان العراق «في الاهتمام بتطوير مرافقها السياحية»، لما قد يقدم هذا القطاع من حلول للبطالة. وأشار المهندس الزراعي أحمد الياسري إلى أن «الاضطرابات السياسية التي شهدتها بعض الدول العربية مؤخراً كان لها دور إيجابي كبير في تنامي السياحة في العراق، فضلاً عن انسحاب القوات الأميركية من المواقع الأثرية».
أما منسق أحد المشاريع الإعلامية في العاصمة بغداد مصطفى جميل فله رأي مختلف، إذ يعتبر أنه «من المستحيل أن يتطور القطاع السياحي في بلد يعاني من تذبذب وضعه الأمني وغياب القانون والتسامح المجتمعي والتعايش السلمي». من جانبه تحدث طالب كلية اللغات في جامعة بغداد محمد الساعدي عن دور الجهات المعنية عن «دور الإعلام في تثقيف المجتمع فيما يخص الاختلاط الثقافي والتعايش السلمي وتقبل الآخر».
وكشف رئيس هيئة السياحة العراقية حمود محسن اليعقوبي عن أن العامل الأمني ليس سبباً وراء تأخر السياحة في العراق، خاصة أن «سياحاً أجانب كثراً يتوافدون إلى البلاد ولم يسجل أي خرق أمني يذكر ضدهم... ومن أبرز المعوقات ازدواجية القرارات بين وزارتي السياحة والثقافة». وأشار اليعقوبي إلى أن العراق استقبل خلال الأشهر الثلاثة الماضية نحو نصف مليون زائر من مختلف دول العالم لزيارة العتبات الدينية. وأعلن عن تشكيل غرفة عمل مشتركة مع المكتب الوطني التابع لرئاسة الوزراء، من أجل «تفعيل سياحة الآثار في العراق».