الأميركية منحت الدكتوراه الفخرية لنعوم تشومسكي وفاتن حمامة وشارل العشي وراي عيراني وخرّجت 502 من طلاب الدراسات العليا
منحت الجامعة الأميركية في بيروت في احتفال أقيم اليوم 14 حزيران 2013 شهادة الدكتوراه الفخرية لأربعة متميّزين لمساهماتهم ذات التأثير الطويل الأمد في الأكاديميا والسياسة، والتمثيل وصناعة الأفلام، والعلوم والتكنولوجيا، والأعمال والطاقة. وهؤلاء المتميّزون نعوم تشومسكي، اللغوي، والفيلسوف، وعالم الإدراك الذهني والناقد الاجتماعي، من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا؛ واللبناني الأميركي شارل العشي، مدير مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة الفضاء الأميركية
NASA Jet Propulsion Laboratory في معهد كاليفورنيا للتكنولوجيا، وفاتن حمامة، النجمة الأسطورية للسينما المصرية، وراي عيراني، رائد الأعمال العالمي المتميّز، وخريج الجامعة، والعضو الفخري في مجلس أمنائها.
وقد مُنح هؤلاء المتميزون الدكتوراه الفخرية تقديراً لأعمالهم وإشادة بمنجزاتهم التي سيبقى تأثيرهاً أمداَ طويلاً، وبمساهماتهم في تقدّم مجالات المعرفة عبر البحث، وجهودهم في إغناء نوعيّة الحياة في المنطقة وفي العالم.
وكانت الجامعة قد دأبت على منح شهادات الدكتورة الفخرية لكنها توقفت عن ذلك لسنوات عديدة خلال الحرب بين 1975 و1990 وعاودت هذا التقليد في العام 2003. وقد وزّعت في احتفال اليوم شهادات الدراسات العليا من ماجيستر ودكتوراه.
وقد حضر الاحتفال عدد من الشخصيات البارزة بينها وزير التعليم العالي في حكومة تصريف الأعمال الدكتور حسان دياب، ممثلاً الرئيس ميشال سليمان ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي. كما حضر رجل الأعمال هشام جارودي ممثّلاً رئيس الحكومة المكلّف تمّام سلام. وحضر النائب علي بزّي ممثلاُ رئيس مجلس النواب نبيه بري.
وقد بدأ الاحتفال عند السابعة والنصف في الملعب الأخضر الكبير بدخول موكب الأساتذة التقليدي بزيّهم الأكاديمي وبقيادة كبيرة منسّقي الاحتفال الدكتورة هدى زريق التي افتتحت الاحتفال واختتمته.
وعرّف رئيس الجامعة الدكتور بيتر دورمان بالمكرّمين الأربعة قائلاً: "إن الأربعة الذين نحتفي بهم اليوم مارسوا تأثيرهم الخاص. إن اتباع المرء لقناعاته العميقة يتطلب الشجاعة، وهي هذه الشجاعة التي نأملها ونتمنى أن يتمسك بها طلابنا، وكل أفراد مجتمعنا". بعد ذلك عرّف الرئيس بالمكرّمين فرداُ فرداُ ومنحهم الدكتوراه الفخرية في الانسانيات. وردّ كل مكرّم بكلمة موجزة.
أول المكرّمين كان نعوم تشومسكي وقد أبرز الرئيس مساهماته في علم الألسنيات. ووصف تشومسكي بالمفكّر المؤثّر والكاتب وبأنه قد يمكن وصفه جدلاً بأحد رياديي الفكر في العالم وأهم النشطاء السياسيين في اليسار الأميركي. وقال أيضا أن تشومسكي يؤمن أن على المفكّرين واجب كشف الكذب والدفاع عن الحقيقة وقد قام بذلك بشغف وبشجاعة.
وقال الرئيس أيضاً: "قبل كل شيء فإن نعوم تشومسكي هو المدافع عن حق كل الناس بالكرامة الانسانية الأساسية والحرية وتقرير المصير". وأردف: "لقد دان تشومسكي الظلم بكل أشكاله وحمل لواء القضية الفلسطينية بشغف، وهو ناقد شرس للسياسات الأميركية والاسرائيلية في الشرق الأوسط".
وختم دورمان قائلاً: "لشجاعته في التمسك بقناعاته الراسخة وفي الكلام بصوت جهوري ضد الستاتيكو اللامبالي، يبرز نعوم تشومسكي كمثال لامع عمّا يعني أن يكون المرء مواطناً عالمياً صلب الالتزام".
وقد ردّ تشومسكي قائلاً: "إنه فعلاً امتياز أن أنال هذا التكريم من جامعة عظيمة. وتمنّيت لو أنني أقدر أن أشعر أن جيلي ومن سبقوه يستحقون التكريم للميراث الذي سنتركه للذين سيحملون قريباً مصير العالم بين يديهم".
وتابع تشومسكي محذّراً الجيل القادم من المشاكل الجسيمة التي سيواجهها، قائلاً أن الحرب النووية والكارثة البيئية طيفان سيحومان فوق كل موضوع سيتناوله. وتابع: "لقد تحققت انجازات مهمة في الأعوام الماضية، ولكن حصلت أيضا اخفاقات فادحة، مما يضع الشباب اليوم أمام مشاكل وخيارات على جانب غير مسبوق من الصعوبة والإلحاح. وبعض هذه المشاكل خاصة بالمنطقة، والبعض الآخر مشترك مع بقية العالم". وختم: "للمرة الأولى في التاريخ تطوّر البشر إلى حد يقدرون فيه على تدمير أُسُس البقاء الكريم".
وعن المكرّم شارل العشّي قال الرئيس: "البروفسور العشي مثقّف كبير وباحث بارز وقائد فريق مندفع، ومجدّد مقدام أمضى مسيرته المهنية سابراً الفضاء الشاسع ومميطاً اللثام عن ألغاز الكون". وقال أيضاً أن البروفسور العشي جلب الفخر الكبير لموطنه الأصلي بإنجازاته العلمية الوفيرة وريادته المتميزة.
يُذكر أن البروفسور العشي يخدم في مختبر الدفع النفاث التابع لوكالة الفضاء الأميركية منذ العام 1970. وعيّن مديراً للمركز في العام 2001 وقاد أبرز مبادرات استكشاف الفضاء وأكثرها تجديداً.
وقال الرئيس أن سجل خدمة البروفسور العشي المجلّية ليس فقط هدية لمواطني وطنه بالتبني ووطنه الأصلي، بل لكل بلدان كوكب الأرض، "ثالث كواكب المجموعة الشمسية". ثم دعاه إلى المنصة ليستلم شهادته.
وفي إعلان قبوله الدكتوراه الفخرية، استعاد البروفسور العشي ذكرياته كصبي يافع في البقاع. وقال أن كاليفورنيا ووكالة الفضاء الأميركية حينها بدتا له في آخر الأرض. وقال: "كيافع، كان ممكن أن أفكّر حينها أنني لن أصل إليهما يوماً. وأنا سعيد لأنني لم أتراجع. لكي أصل إلى مختبر الدفع النفّاث، جازفت وتجرّأت. وأنا أنصحكم بقوة بأن تفعلوا الأمر ذاته في بدايات مسيراتكم المهنية المتنوعة".
يُذكر أن البروفسور العشي وفريقه، خلال خدمته كمهندس في مختبر الدفع النفاث، جازف لكي تهبط سيارتهم الآلية الكبيرة بنجاح على كوكب المريخ. وهوقال مخاطبا المتخرجين: "في كل ما تُقدمون عليه، كونوا مقدامين. اذا لزمتم دائماً جانب الحيطة والسلامة حينها لن تعرفون أبداً إمكاناتكم. إذا كنتم مقدامين وتجرأتم، قد لا تنجحون أحياناً ولكنكم ستعرفون حينها أنكم حققتم أقصى ما تستطيع مقدراتكم تحقيقه".
ثم عرّف الرئيس بالمكرّمة التالية، الممثلة المصرية فاتن حمامة ووصفها بالرمز والأسطورة واللامعة. وقال: "فاتن حمامة تستحضر عناوين راسخة في البال. أداؤها الفطري على الشاشة استحوذ على قلوب الجمهور لأكثر من سبعين سنة وهي تبقى سيدة الشاشة العربية".
وأبرز الرئيس تطوّر مسيرة فاتن حمامة المهنية واختيارها لاحقاً لأدوار دراماتيكية صعبة في أفلام تحمل رسائل قوية تتناول السياسة والمواضيع الاجتماعية. وقال أن الفضل يُنسب إليها في تغيير القانون المصري الذي يحظر الخلع، أي الطلاق الذي تقرّره المرأة، بعد فيلمها الشهير "أريد حلاً".
وتابع الرئيس: "اليوم نكرّم فاتن حمامة لعملها الذي غيّر قواعد اللعبة في السينما المصرية والذي رفع مستوى هذا الفن في العالم العربي. نكرّمها، ليس فقط لحياة مليئة بالانجازات كممثلة ومنتجة سينمائية وتلفزيونية، بل أيضاً كرائدة للتغيير في المنطقة. وقبل كل شيء، نحيّي فاتن حمامة لممارسة فنّها بفائق الرقي والكرامة مما جعلنا نثمّن انسانيتنا.
وقد ردّت السيدة فاتن حمامة قائلة: "أشعر بسعادة قصوى اليوم، أعظم من أي سعادة بأية هدية حصلت عليها. في الوقت الراهن يتعرّض الفن والثقافة وأي شيء يتعلق بالأدب لهجوم كبير. ولذا هذه الشهادة لا تسعدني أنا فقط بل تسعد كل المثقفين والفنانين في مصر وفي العالم العربي".
ثم عرّف الرئيس دورمان بالمكرّم الرابع راي عيراني، قائلاً أنه رجل أعمال ناجح ومتبرّع سخي للجامعتين اللتين تخرّج منهما، الجامعة الأميركية في بيروت وجامعة جنوب كاليفورنيا. وقال أن موهبة عيراني في الكيمياء كانت واضحة لأحد أساتذته في الأميركية. وقال أن عيراني حاز الدكتوراه في الكيمياء في سن الثانية والعشرين وفي العشر سنوات الأولى في مسيرته المهنية، نال 150 براءة اختراع. وقال أيضاً أن عيراني خدم كعضو في مجلس أمناء الجامعة لخمسة وعشرين عاماً وخدم كنائب لرئيس المجلس. ثم خدم كرئيس مشارك له في السنوات السيع المنصرمة. وكان الرئيس
التنفيذي لشركة أوكسيدنتال بتروليوم ورئيس مجلس ادارتها لعشرين عاماً حتى هذا العام.
وقال الرئيس أن راي عيراني حقق دائماً نجاحاً لا مثيل له في كل ما عمله، من الدراسة الأكاديمية، إلى البحث العلمي، إلى ادارة الشركات. وقال أن عيراني معروف بقدرته على رؤية الفرص والتقاطها كما أنه يدرك الحاجة الى أن يبرّ بمجتمعه وأن يكون وفياُ لميراثه.
وقال الرئيس أيضاُ أن عيراني على إلمام عميق بالقضايا والاقتصادات الدولية، مما مكّنه من المساهمة بخبرته الواسعة في لجان عليا ومجالس عديدة في الحكومة الأميركية، من بينها المجلس الاستشاري للطاقة وفريق عمل البيت الأبيض للمعونات الانسانية في لبنان.
وتابع الرئيس: "اليوم يسرّني ويشرّفني أن أمنح راي عيراني أرفع علامات تكريمنا، لمساهماته المتميزة في العلوم والريادة في قطاع النفط وخدماته المثالية للجامعة".
وبعد الدكتوراه الفخرية، جرى حفل تخريج طلاب الدراسات العليا وتم توزيع شهادات الماجيستير والدكتوراه الأكاديمية والدكتوراه في الطب على 502 من المتخرجين. وكان راي عيراني خطيب هذا الاحتفال. وقد طلب من المتخرجين أن يصرفوا وقتهم بحكمة وأن يحيطوا أنفسهم بأفضل النوعيات من الأفراد وأن يتمعّنوا جيداً قبل اتخاذ قرارات مفصلية. كما هنّأهم على الدراسة في الجامعة الأميركية في بيروت قائلاً أنها تؤهّلهم للعمل في سوق عمل متغيّر تتنافس فيه مواهب عالمية. وقال للمتخرجين: "لقد عملتم بجهد وصرفتم النفس على التعلّم، لكن أهم مهارة امتلكتموها الآن هي كيف نتعلّم".
وطلب عيراني من المتخرجين أن يستمروا في التعلّم، وليس فقط من ضمن اختصاصهم ولكن أن يكونوا فضوليين حول العالم كلّه. وختم: "حينها ستتمكنون من ربط ما تعلتموه مع القضايا والإمكانات الأكبر".
وفي خطابها لزملائها المتخرجين مع دكتوراه في الطب، في بداية مرحلة جديدة من حياتهم، تكلمت وجيهة الخير عن أهم الدروس التي تعلمتها في الجامعة الأميركية في بيروت. وقالت أن كلية الطب علّمتها قيمة الحياة وضرورة الجهوزية للقتال في سبيلها. وتابعت: "لا تقبلوا بالقليل في حياتكم المهنية أو الشخصية. لا تكونوا مجرد طبيب آخر. كونوا معالجين للصحة بكاملها وكونوا مدافعين عن المريض. لا تكونوا مجرد واحد من المعارف بل صديقاً. لا تكونوا مجرّد زوج أو زوجة بل رفيقاً أو رفيقة روح. لا تكونوا مجرّد مواطن ساكن بل حاولوا إحداث التغيير حيث يجب. إن لم تفعلوا، فمن سيفعل؟"
وشرح ربيع باز رضوان، ماجيستر في ادارة الأعمال، لزملائه متخرجي الماجيستر أن هذه الشهادة في ادارة الأعمال من الجامعة الأميركية في بيروت هي أقيم من شهادة من الجامعات الأوروبية والأميركية، بسبب التنوّع الموجود على الحرم الجامعي هنا والتجربة الفريدة للطلاب. وأوضح: "الجامعة الأمبركية في بيروت تعطي مثالاً كيف يمكن لنا في هذا البلد أن نكون متحضرين، ومنظمين، وموحدين، ومنفتحين، وحلالين للمشاكل، ومحققين لإنجازات نحن بحاجة ماسة إليها".
الجدير بالذكر أن احتفال التخرج، وللعام الثاني على التوالي، يجري خلال يومين. وسيخصص يوم غد السبت لتخريج طلاّب البكالوريوس.
خلفية عامة
الجامعة الأمريكية في بيروت
الجامعة الأمريكية في بيروت هي جامعة لبنانية خاصة تأسست في 18 نوفمبر 1866، وتقع في منطقة رأس بيروت في العاصمة اللبنانية، وبدأت الكلية العمل بموجب ميثاق منحها إعترافا حصل عليه الدكتور دانيال بليس من ولاية نيويورك في الولايات المتحدة الأمريكية. افتتحت الجامعة أبوابها في 3 ديسمبر عام 1866 لتمارس نشاطها في منزل مستأجر في أحد مناطق بيروت.
تعتمد الجامعة معايير أكاديمية عالية وتلتزم مبادىء التفكير النقدي والنقاش المفتوح والمتنوع. وهي مؤسسة تعليمية مفتوحة لجميع الطلاب دون تمييز في الأعراق أو المعتقد الديني أو الوضع الاقتصادي أو الانتماء السياسي، وهذا ما أرساه مؤسسها الداعية الليبيرالي دانيال بليس.