اشتدّت المعارك بين القوات اليمنية الموالية للحكومة والمسلحين الحوثيين في محيط مدينة الحديدة في غرب اليمن الاثنين، رغم تأكيد التحالف العسكري الداعم لقوات الحكومة المعترف بها دوليا نيّته “خفض وتيرة أعمال العنف” في البلد الغارق في نزاع مسلح.
وأكّد مسؤولون في القوات الحكومية، أن هذه القوات تحاول قطع طريق إمداد رئيسي للمتمردين شمال الحديدة المطلّة على البحر الأحمر، لكن التحالف شدّد رغم ذلك على أن هذه العملية ليست “هجوما” باتجاه ميناء المدينة الاستراتيجي.
ويشهد اليمن منذ 2014 حرباً بين المسلحين الحوثيين والقوات الموالية للحكومة، تصاعدت مع تدخل السعودية على رأس التحالف العسكري في آذار/ مارس 2015 دعما للحكومة المعترف بها دولياً بعد سيطرة المتمردين على مناطق واسعة بينها صنعاء ومدينة الحديدة.
واندلعت الخميس معارك عنيفة في محيط مدينة الحديدة التي تضم ميناء تدخل عبره غالبية السلع التجارية والمساعدات الموجّهة الى ملايين السكان.
وقال مصدر في التحالف اشترط عدم الكشف عن اسمه: “التحالف ملتزم بخفض وتيرة أعمال العنف في اليمن ويدعم بشدة العملية السياسية التي يقودها مبعوث الأمم المتحدة”.
لكن ثلاثة مسؤولين في القوات الحكومية في الحديدة أبلغوا أن المعارك اشتدت الاثنين، وأن مواجهات شرسة تدور على أكثر من جبهة.
وذكر هؤلاء أن طائرات التحالف ومروحياته الهجومية تشنّ ضربات بشكل مستمر وتواكب المواجهات منذ الصباح.
وبحسب المسؤولين العسكريين، تحاول القوات الحكومية قطع طريق الإمداد الرئيسي للحوثيين شمال المدينة بعدما تمكّنت من قطع طريق الإمداد الرئيسي الآخر شرق الحديدة قبل أسابيع.
ليست “هجوما”
وقتل في المعارك المتواصلة منذ الخميس عشرات من الطرفين. وفي الساعات الـ24 الماضية وصلت إلى مستشفيين في محافظة الحديدة جثث 74 مسلحا وعشرات الجرحى، وفقا لطبيبين في المستشفيين، بينما ذكرت مصادر طبية حكومية أن 15 عنصرا في القوات الحكومية قتلوا في الفترة ذاتها.
وكانت القوات الحكومية أطلقت في حزيران/ يونيو الماضي بدعم من التحالف حملة عسكرية ضخمة على ساحل البحر الأحمر بهدف السيطرة على ميناء الحديدة، قبل أن تعلّق العملية إفساحا في المجال أمام المحادثات، ثم تعلن في منتصف أيلول/ سبتمبر الماضي استئنافها بعد فشل المساعي السياسية.
وشهدت جبهات القتال قرب مدينة الحديدة هدوءا حتى يوم الخميس الماضي.
وأصرّ المصدر في التحالف على أن الاشتباكات المستجدّة ليست “عمليات هجومية” لدخول المدينة والسيطرة على مينائها، مؤكّدا أن التحالف “ملتزم بإبقاء ميناء الحديدة مفتوحا”.
وتزامنت المعارك الجديدة مع إعلان الحكومة اليمنية استعدادها لاستئناف مفاوضات السلام مع المتمردين الحوثيين.
وجاء التأكيد الحكومي غداة إعلان مبعوث الأمم المتّحدة إلى اليمن مارتن غريفيث أنّه سيعمل على عقد مفاوضات جديدة بين أطراف النزاع في غضون شهر، بعيد مطالبة واشنطن بوقف لإطلاق النار وإعادة اطلاق المسار السياسي خلال 30 يوما.
وباءت آخر محاولة قام بها غريفيث لتنظيم محادثات سلام في أيلول/ سبتمبر الماضي في جنيف، بالفشل بسبب غياب الحوثيين.
واعتبر الحوثيون أن التصعيد في الحديدة مؤشر على أن الدعوات الأمريكية لوقف الحرب والتي صدرت عن وزيري الدفاع والخارجية ليست جدية.
وقال: “رئيس اللجنة الثورية العليا” محمد علي الحوثي، المسؤول السياسي رفيع المستوى في صفوف المسلحين، إن “التصعيد العسكري لتحالف العدوان محاولة حثيثة لإعاقة أي محادثات تهدف لوقف الحرب وإحلال السلام”.
وأضاف في بيان نشرته وكالة سبأ التابعة للحوثيين أن “التصعيد دليل على زيف التصريحات” الأمريكية، داعيا الى “الصمود والمواجهة”، قبل أن يقول في تغريدة على حسابه على تويتر إن “تصعيد العدوان سيبقى كابوسا لا يفارق مخيلاتهم”.
حافة الهاوية
ومنذ بدء عمليات التحالف في 2015، خلّف نزاع اليمن أكثر من عشرة آلاف قتيل و”أسوأ أزمة إنسانية” بحسب الأمم المتحدة.
وكانت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) حذرت الأحد من أن “اليمن اليوم جحيم حي” مطالبة أطراف النزاع بوقف الحرب في هذا البلد. كما حذّرت الأمم المتحدة من أن 14 مليون شخص قد يصبحون “على شفا المجاعة” خلال الأشهر المقبلة في حال استمرت الأوضاع على حالها في هذا البلد.
وبحسب المصدر في التحالف، فإن “الوضع الإنساني في اليمن غير مقبول. نحن ملتزمون بإنهاء الصراع في أسرع وقت ممكن”. وقال إنه في حال “حضر الحوثيون، سنواصل جهودنا الإنسانية”، مؤكدا أنه “في حال لم يحضروا، سنواصل أيضا هذه الجهود”.
وجاءت الدعوات لعقد محادثات سلام في وقت تتعرض السعودية إلى ضغوط دولية على خلفية قضية مقتل الصحافي جمال خاشقجي في قنصلية بلاده في اسطنبول.
وتتهم منظمات حقوقية السعودية بالتسبّب بمقتل مئات المدنيين في الضربات الجوية التي تشنها طائرات التحالف في اليمن، وتطالب الولايات المتحدة وبريطانيا وغيرها من الدول بوقف مبيعات الأسلحة للمملكة.
والاثنين قالت منظمة هيومن رايتس ووتش في بيان: “ساهمت المملكة المتحدة من خلال مبيعاتها للأسلحة في حملة قتلت أو جرحت آلاف المدنيين وأوصلت البلاد إلى حافة الهاوية”.
وأعلنت المنظمة أنها تلقّت مع منظمات أخرى الضوء الأخضر لـ”التدخل” في دعوى قضائية في المملكة المتحدة ضد استمرار بيع الأسلحة البريطانية إلى السعودية، على أن تنظر محكمة فيها في نيسان/ أبريل 2019.
وتابعت: “يظهر اغتيال جمال خاشقجي افتقار الحكومة (السعودية) إلى التحقيقات والمحاسبة الموثوقة التي كانت غائبة خلال الحملة العسكرية في اليمن طوال سنوات”. (أ ف ب)