تعهد رئيس الحكومة التونسية المكلف الحبيب الجملي، بتشكيل ائتلاف حكومي من أحزاب “منسجمة” مع تطلعات الشعب كما عبرت عنها الانتخابات الأخيرة.
كما تعهد بعدم الانحياز لأي حزب أو قوى بما فيها “النهضة” الذي كلفه بتشكيل الحكومة.
وقال الجملي إن الشعب “يريد الأحزاب التي ستعمل من أجل الاستجابة لانتظاراته في مجالات التشغيل والتنمية الجهوية (المحلية) ورفع مستوى معيشته نظرا للغلاء الذي مس طبقات واسعة منه وكذلك مقاومة الفساد الذي أصبح مطلبًا شعبيًا ملحًا”.
غير أنه شدد في الوقت نفسه على أن ذلك “لا ينفي الانفتاح على كفاءات وطنية من مختلف الأحزاب وخارجها للمشاركة بكفاءتها في تخطي المرحلة الصعبة والظرف المالي الصعب في البلاد”.
وأعرب عن تفهمه لمطلب الشعب بأن تكون حكومة “فاعلة للاستجابة لمطالبه وأهم أولوياتها الوضعين الاقتصادي والاجتماعي”.
كما لفت إلى “ضرورة تحريك عجلة الاقتصاد الوطني التي تكاد تكون متوقفة في الفترة الأخيرة والتركيز على دفع الاستثمار في القطاعين العام والخاص لأنه المنطلق الأول والدافع الأول في خلق الثروة التي من دُونها لا يمكن إصلاح الوضع”.
ورأى الجملي أن مسار تشكيل حكومته مختلف عن الحكومات السابقة لأنه يقدم البرنامج وما يتطلبه من إصَلاحات وتوجهات في المجالين الاقتصادي والاجتماعي ومراعاة ذلك في توزيع الحقائب.
كما أعلن انفتاحه على كافة طاقات البلاد وكفاءاتها وكل الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني دون تفرقة ودون انحياز.
وتعهد بعدم الانحياز لأي حزب بما فيه الحزب الذي كلفه (النّهضة)، ويطبق نهجه في تشكيل الحكومة على الجميع، وكل أدرك ذلك.
سنبحث عن مصادر تمويل جديدة
وتطرق رئيس الحكومة المكلف إلى الشق الاقتصادي بشكل أكثر تفصيلا بالقول إن السياسة المالية للحكومة ستعول في هذه المرة على الجهد الوطني وعلى طاقات البلاد الإنتاجية المعطلة.
كما أكد التعويل على رأس المال الوطني إضافة إلى البحث عن مصادر تمويل داخلية وأخرى خارجية جديدة.
وبالتوزاي مع هذا التحرك لن تقطع حكومته التعامل مع المؤسسات المالية الدولية، وبينها صندوق النقد الدولي، والبنك الدولي، والاتحاد الأوروبي وغيرها، وفق الجملي، مؤكدا عزمه تجديد الحوار معهم وتحديد مجالات التعاون والمعيار الأساسي في ذلك هو مصلحة تونس.
وتعهد بـ”التوازن” في سياسة الاستدانة، وبالقدر المطلوب على أن يكون توجه التمويل للمجالات الضرورية فقط.
وشدد على حرصه الشديد أن تكون الاستدانة الخارجية -مهما كان مصدرها- موجهة للتنمية وخلق الثروة وليس استجابة لحاجات استهلاكية.
وأضاف الجملي: “العلاقة مع المؤسسات المالية العالمية قديمة ومستمرة وستستمر وهو ليس مع الذين يرون قطع التعامل أو أن عدم الالتجاء للاستدانة مستقبلًا لأنه طرح غير واقعي”.
وأقر بأن بلاده في “مرحلة صعبة ولا تزال في حاجة إلى التمويل الخارجي”.
وأعرب عن ثقته في نجاح الفريق الحكومي الجديد -بما سيتوفر لديه من كفاءات وبما سيطرحه من رؤية ومقترحات- بإقناع تلك المؤسسات (المالية) بالوقوف معنا في المرحلة القادمة بحماسة.
وأرجع ذلك إلى الجدية في إصلاح الاقتصاد الوطني، وفي توجيه هذه الأموال نَحو بنية الإنتاج وبنية التنمية وليس الاستهلاك.
ولم يستبعد رئيس الحكومة المكلف الانفتاح على مصادر تمويل أخرى، وقال إن البحث عنها جار والرؤية ستتضح أكثر إثر إتمام البرنامج الحكومي وضبط خياراته في هذه الأمور.
رأيان في الحكومة المقبلة
وتشهد البلاد جدلا واسعا بين رأيين الأول يطالب بحكومة “ثورية قوية” تحارب الفساد وتقطع مع أحزاب النظام السابق، وأخرى تدفع نحو مواصلة التعامل مع هذه الأحزاب وترى صعوبة في التغاضي عنها.
وعن ذلك الجدل، يقول الجملي إن هذا التقسيم “غير واضح ويحمل تجاذبا سياسيا أضر البلاد”.
وأكد أن ما آلت إليه الأوضاع الراهنة “مسؤولية كل الأطياف السياسية” التي شاركت في الحكم منذ الثورة وحتى اليوم ويجب القطع مع هذا التقسيم الذي أضر بالتونسيين وأدخلهم في متاهات سلبية.
وأضاف: “أنا مع كل التيارات والحساسيات والشخصيات الصادقة مع شعبها والمستعدة للعمل من أجل الاستجابة لتطلعات هذا الشعب دون تقسيم، عادة ما يكون شخصيا وغير موضوعي”.
وأكد أن حكومته ستتشكل من شخصيات سياسية وغير سياسية، لكن الجميع فيها سيكون في خدمة أهداف الثورة بالمفهوم الإيجابي الواضح بمعالجة المشاكل الاقتصادية والتفاوت الجهوي والفقر والبِطالة ومنظومة التعليم والصحة.
“مبادرات اجتماعية واقتصادية قريبة
وفيما يتعلق بالحراك الاجتماعي، الذي طالما تشتد وتيرته مع بداية الشتاء، يوضح الجملي: “نعرف أن شهري ديسمبر (كانون الثاني) وجانفي (كانون الثاني) عادة ما اقترنا بأحداث اجتماعية واحتجاجات”، لكن الأمر يختلف حاليا باعتبار أن الانتخابات الحرة والنزيهة التي شهد بها الداخل والخارج أفرزت طيفًا سياسيًا ومشهدًا في البرلمان، أقنع الشعب.
وعادة ما رافقت شهري ديسمبر ويناير احتجاجات شعبية مطالبة بالتنمية ورافضة للتهميش بالمناطق الداخلية، خاصة مع هطول الأمطار وسوء البنية التحتية.
وأضاف الجملي أن “التونسيين أصبحوا واعين بأن المسار الديمقراطي صحيح وثابت وهو ما مكّن من تغيير الخارطة جذريا وبالتالي أعطاهم ثقة في أن الممارسة الديمقراطية للصندوق يمكن أن تفضي في الأخير للاستجابة لكل مطالبهم”.
كما أشار إلى أن “الشعب ينتظر من هذه الحكومة مبادرات وخيارات اقتصادية واجتماعية تستجيب لتطلعاته وسيرى ذلك قريبا وبالتالي سيكون أكثر ارتياحا وقبولا”.
وأعرب عن ثقته في “وعي الأطراف الاجتماعية، بما فيها الاتحاد العام للشغل (أكبر نقابة عمالية) هذا الشريك الوطني الكبير، بدقة المرحلة وأهمية التضامن والتعاون لتحقيق استحقاقاتها لمصلحة البلاد”.