برغم مرور ثلاثة أيام على الغارات الإسرائيلية، التي استهدفت العاصمة السورية دمشق، ظلت أنباء الغارات تحتل العناوين الرئيسية للصحف الإسرائيلية. وقد حاولت هذه الصحف عبر تعليقات وأنباء إلقاء الضوء على عدد من الجوانب الغامضة من ناحية، ومحاولة تبديد مخاوف بتصعيد محتمل من ناحية أخرى. فقد أثارت الغارات مخاوف من ردود سورية أو لبنانية أو حتى إيرانية، تدخل المنطقة في صراع من نوع جديد يتخطى الحدود والصراعات الداخلية.
واعتبر عدد من المعلقين أن الأيام الثلاثة الماضية كانت حافلة بالاتصالات والتهديدات على مستوى عالمي، وشاركت فيها على وجه الخصوص أميركا وروسيا ودول أوروبية. وبرغم أن أبرز هذه الاتصالات لقاء وزير الخارجية الأميركي جون كيري بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين بشأن سوريا، إلا إنه لا يقل أهمية اتصال بوتين شخصياً قبل ذلك برئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو للغرض ذاته. وبرغم الإجراءات الأولية الاحترازية، التي اتخذتها إسرائيل سواء لجهة إعلان حالة التأهب في صفوف قواتها أو لجهة إعلان الشمال منطقة حظر جوي، فإن القيادة الإسرائيلية أوحت بأن الأمور تحت السيطرة. بدا ذلك واضحاً بشكل أساسي من قرار نتنياهو عدم تأجيل زيارته المقررة للصين، ومن تصريحات قائد الجبهة الشمالية الجنرال يائير غولان بأنه لا يرى رياح حرب تهب على المنطقة.
وقد آثر الجنرال غولان أن يطلق تصريحاته، وهو يركض مشاركاً في ماراثون للواء «غولاني»، حيث قال «هل هناك أكثر هدوءا من الركض مع جنود غولاني؟ كل شيء تحت السيطرة ولا وجود للتوتر. هل أبدو لكم متوتراً؟». وجاءت تصريحات غولان إثر التوتر الذي ساد أوساطاً واسعة بين مستوطني الشمال والجولان. وكان الجنرال غولان قبل ذلك قد دعا الإسرائيليين في الشمال الذين هرع كثير منهم لاستبدال كماماته الواقية من الحرب الكيميائية إلى «الكف عن أن يكونوا هيستيريين. بوسعكم الليلة أن تناموا بهدوء، كما في كل ليلة».
وفي محاولة من إسرائيل لإظهار عدم ميلها للتصعيد، امتنعت عن تنفيذ سياستها المعلنة بالرد على إطلاق النار بالمثل حتى لو كان عن طريق الخطأ. وبعد سقوط قذيفتي هاون على مكان قريب من موقع إسرائيلي في هضبة الجولان السورية المحتلة، «اكتفت» إسرائيل بتسجيل شكوى على ذلك ضد سوريا في الأمم المتحدة.
ولاحظ عدد من المعلقين الإسرائيليين أن كلاً من سوريا وإسرائيل عمد إلى بذل الجهد لتبريد العواطف. فإسرائيل من جانبها تجنبت رسمياً أي تصريح حول الغارات أو تحمل المسؤولية عنها، وسوريا في المقابل خففت في النهاية من لهجة تهديداتها وتصريحات قادتها.
وأشار المعلق العسكري لصحيفة «هآرتس» عاموس هارئيل إلى أنه «اذا حوفظ على الهدوء فسيكون هذا شهادة على قلة حيلة الرئيس السوري بشار الاسد». وقال إن امتناع الأسد عن الرد الفوري ينبع من فهم واع لموازين القوى العسكرية بين الطرفين، فضلاً عن خشيته من أن دخول إسرائيل في المعركة، بكامل قوتها، سيسرع في انتهاء حكمه.
وبحسب هارئيل، فإن إسرائيل من جهتها حاولت ان تنقل الى سوريا رسائل تقول إنها لا تنوي التدخل لمصلحة مقاتلي المعارضة في الحرب الأهلية هناك.
غير أن الغارة أثارت من وجهة نظر إسرائيلية ردود فعل مهمة في العاصمة الأميركية ذاتها. وليس صدفة أن «تنجح» غارة تقوم بها إسرائيل على العاصمة السورية بعد وقت قصير من إعلان رئيس الأركان الأميركية المشتركة الجنرال مارتين دمبسي أن الهجمات الجوية على سوريا هي «أمر إشكالي بسبب منظومة الدفاع الجوي المتطورة هناك». وهذا ما دفع السيناتور جون ماكين، المتحمس للتدخل العسكري الأميركي في سوريا، للإعلان أن «إسرائيل فعلت ذلك بسهولة. وبوسع الولايات المتحدة أن تهاجم مخازن السلاح الكيميائي في سوريا باستخدام صواريخ جوالة، كما يمكن لمنظومات باتريوت التي نصبت في تركيا أن تؤمن منطقة حماية للمتمردين وللاجئين».