قال مدير قناة "العربية" السعودية ان أروقة اتخاذ القرار في المملكة تتحدث عن 30 اجراء سيتم اتخاذها ردا على اي عقوبات اميركية فيما يتعلق باختفاء الصحفي جمال خاشقجي، ومن بينها سحب الاستثمارات وتفجير اسعار النفط والتصالح مع ايران واستضافة قواعد روسية.
وشوهد خاشقجي آخر مرة في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الحالي وهو يدخل إلى القنصلية السعودية في إسطنبول للحصول على وثائق لإتمام زواجه، وقالت خطيبته التي كانت تنتظره في الخارج إنه لم يخرج من القنصلية.
وقدمت السلطات التركية والسعودية روايات متضاربة حول مكان خاشقجي، حيث تقول أنقرة إنه لم يخرج من مبنى القنصلية السعودية الذي دخله، بينما تصر الرياض على أنه غادره بعد وقت وجيز من إنهاء إجراءات معاملة متعلقة بحالته العائلية.وصباح اليوم، أعلنت الخارجية السعودية أن المملكة سترد على إجراء يتخذ بحقها، وسوف ترد على إجراء بإجراء أكبر.
وهدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب السبت، بأنه سيكون هناك ”عقاب شديد“ إذا تبين أن خاشقجي قتل في القنصلية السعودية في اسطنبول. وخاشقجي منتقد بارز للسلطات السعودية وكان يقيم بصفة قانونية في الولايات المتحدة.
ونقلت وكالة الأنباء السعودية الرسمية عن مصدر سعودي مسؤول قوله فيما بدا ردا على تهديد ترامب ”تؤكد المملكة رفضها التام لأي تهديدات ومحاولات للنيل منها سواء عبر التلويح بفرض عقوبات اقتصادية أو استخدام الضغوط السياسية أو ترديد الاتهامات الزائفة“.
وأضاف المصدر ”تؤكد المملكة أنها إذا تلقت أي إجراء فسوف ترد عليه بإجراء أكبر، وأن لاقتصاد المملكة دور مؤثر وحيوي في الاقتصاد العالمي، وأن اقتصاد المملكة لا يتأثر إلا بتأثر الاقتصاد العالمي“.
وكتب مدير قناة العربية تركي الدخيل معقبا ان "المعلومات التي تدور في أروقة اتخاذ القرار السعودي، تتجاوز اللغة الواردة في البيان، وتتحدث عن أكثر من ثلاثين إجراء سعودياً مضاداً لفرض عقوبات على الرياض، بل إن التحليلات توشك أن تتوافق مع هذه الأطروحات، وهي سيناريوهات كارثية للاقتصاد الأميركي قبل الاقتصاد السعودي".
وقال الدخيل في المقال الذي نشره موقع "العربية نت" بعنوان "العقوبات الأمريكية على الرياض تعني أن واشنطن تطعن نفسها"، إنه "إذا وقعت عقوبات أمريكية على السعودية، فسوف نكون أمام كارثة اقتصادية تهز العالم، فالرياض عاصمة وقوده، والمس بها سيصيب إنتاج النفط قبل أي شيء حيوي آخر. مثل عدم التزام السعودية بإنتاج السبعة ملايين برميل ونصف".
وتابع: "إذا كان سعر 80 دولارا قد أغضب الرئيس ترامب، فلا يستبعد أحد أن يقفز السعر إلى مئة ومئتي دولار وربما ضعف هذا الرقم، بل ربما تصبح عملة تسعير برميل النفط هي العملة الصينية اليوان بدلاً من الدولار، والنفط هو أهم سلعة تتداول بالدولار اليوم".
وأضاف الدخيل، "سيرمي ذلك كله العالم الإسلامي في أحضان إيران التي ستكون أقرب إلى الرياض من واشنطن".
وواصل الدخيل، "هذا في ما يتعلق بالنفط، لكن السعودية ليست برميل فقط، بل هي قائدة للعالم الإسلامي بمكانتها وجغرافيتها، ولعل التعاون الوثيق في المعلومات بين الرياض وأمريكا ودول الغرب، سيصبح جزءا من الماضي، بعد أن ساهم في حماية الملايين من الغربيين بشهادة كبار المسؤولين الغربيين أنفسهم".
كما تطرق الدخيل إلى خيارات أخرى قد تلجأ إليها الرياض في حال قررت واشنطن معاقبتها، حيث قال إن "فرض عقوبات من أي نوع على السعودية من قبل الغرب، سيدفعها إلى خيارات أخرى قالها الرئيس ترامب بنفسه قبل أيام، إن روسيا والصين بديلتان جاهزتان لتلبية احتياجات الرياض العسكرية وغيرها، ولا يستبعد أحد أن تجد من آثار هذه العقوبات قاعدة عسكرية روسية في تبوك شمال غرب السعودية، في المنطقة الساخنة لمربع سوريا وإسرائيل ولبنان والعراق".
وأضاف الدخيل، "في وقت يعني تحول حماس وحزب الله من عدوين إلى صديقين، كما أن الاقتراب لهذا الحد من روسيا سيؤدي للاقتراب من إيران وربما التصالح معها".
كما أشار مدير قناة العربية، إلى حجم مبيعات السلاح بين المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة، وقال "لن يكون غريبا وقف شراء الرياض الأسلحة من أمريكا، الرياض أهم زبون للشركات الأمريكية، فالسعودية تشتري 10 بالمئة من مبيعات شركات السلاح في أمريكا، و85 بالمئة من الجيش الأمريكي، فيما يبقى لبقية دول العالم خمسة في المئة فقط، بالإضافة إلى تصفية أصول واستثمارات الرياض في الحكومة الأمريكية والبالغة 800 مليار دولار".
وتابع "كما ستحرم الولايات المتحدة من السوق السعودية التي تعتبر أحد أكبر عشرين اقتصادا في العالم".
ووصف الدخيل هذه الإجراءت بـ"البسيطة، كما ستحرم الولايات المتحدة من السوق السعودية التي تعتبر أحد أكبر عشرين اقتصادا في العالم".
واختتم الدخيل مقاله بأن "واشنطن بفرض عقوبات على الرياض ستطعن اقتصادها في مقتل، وهي تظن أنها تطعن الرياض وحدها".
* تصاعد الدعوات للتحقيق
ودعت بريطانيا وفرنسا وألمانيا السلطات السعودية والتركية إلى إجراء ”تحقيق موثوق به“ في اختفاء خاشقجي قائلة إنها تتعامل مع هذا الحادث ”بأقصى درجات الجدية“.
وقال وزراء خارجية الدول الثلاث في بيان مشترك ”هناك حاجة لإجراء تحقيق موثوق به لمعرفة حقيقة ما حدث وتحديد المسؤولين عن اختفاء جمال خاشقجي وضمان محاسبتهم“.
وأضاف الوزراء الثلاثة ”نشجع الجهود السعودية التركية المشتركة ونتوقع أن تقدم الحكومة السعودية ردا كاملا ومفصلا. وقد نقلنا هذه الرسالة بشكل مباشر إلى السلطات السعودية“.
ولم يوضح البيان الإجراءات المحتملة التي قد تتخذها الدول الثلاث.
وتسبب التهديد في تكبد سوق الأسهم السعودية، أكبر مصدر للبترول في العالم، خسارة قاربت 33 مليار دولار من قيمتها يوم الأحد في أول مؤشرات المعاناة الاقتصادية التي قد تمر بها الرياض بسبب القضية.
وهبط مؤشر البورصة السعودية سبعة بالمئة مسجلا أكبر خسائره منذ ديسمبر كانون الأول 2014 حين انهارت أسعار النفط. وتعافت السوق قليلا بعد ذلك لتسجل انخفاضا بنسبة خمسة بالمئة قبل فترة قصيرة من إغلاقها.
وقالت مصادر تركية لرويترز إن التقييم الأولي للشرطة هو أن خاشقجي قُتل عمدا داخل القنصلية. وتنفي الرياض تلك المزاعم.
وقال مصدران مطلعان لرويترز إن الأمير خالد الفيصل، وهو شخصية بارزة في الأسرة الحاكمة السعودية، التقى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لمناقشة اختفاء خاشقجي. ولم يقدم المصدران تفاصيل عن المحادثات.
وقال مصدر له صلات بأسرة الأمير يوم الجمعة إن الأمير خالد، أمير منطقة مكة، ذهب إلى تركيا بصفته مستشارا خاصا للملك سلمان.
* مؤتمر استثمار
ويعد رأس المال الأجنبي عاملا أساسيا في خطط السعودية بتنويع اقتصادها بحيث لا يعتمد فقط على النفط وتقليل نسبة البطالة لديها التي وصلت إلى 12.9 بالمئة.
لكن اختفاء خاشقجي دفع مؤسسات إعلامية ومديرين تنفيذيين للانسحاب من مؤتمر استثمار كبير من المقرر عقده في الرياض بعد أيام.
وقال نادي البرغوثي مدير إدارة الأصول في بنك الإمارات للاستثمار في دبي ”يحدث ذلك في وقت تستعد فيه السعودية لحدث استثماري مهم ولا يريدون تعليق أو سحب الاستثمارات“.
ولم يحدد ترامب طبيعة العقوبة التي قد يوقعها على السعودية. لكنه أشار إلى أن واشنطن لا تريد الإضرار بعلاقات الدفاع الوثيقة مع الرياض وقال إن الولايات المتحدة ستعاقب بذلك نفسها إن أوقفت مبيعات العتاد العسكري للرياض.
لكن أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي استخدموا بندا في القانون الذي يعرف باسم قانون (جلوبال ماجنيتسكي) المتعلق بالمحاسبة في مجال حقوق الإنسان ويلزم الرئيس بتحديد ما إذا كان شخص أجنبي مسؤولا عن انتهاك صارخ لحقوق الإنسان. واستخدم هذا القانون من قبل في فرض حظر على منح تأشيرات السفر وتجميد للأصول على مسؤولين روس.
كما يمكن للشعور المعادي للسعودية داخل الكونجرس الأمريكي أن يزيد من ضغوط ترمي إلى إقرار ما يعرف بقانون منع التكتلات الاحتكارية لإنتاج وتصدير النفط (نوبك) الذي يسقط الحصانة التي تحمي الدول الأعضاء في أوبك من اتخاذ إجراءات قانونية أمريكية بحقها.
وعارض رؤساء أمريكيون سابقون مشروع القانون لكن احتمالات التصديق عليه زادت بسبب انتقادات ترامب المتكررة لأوبك التي يتهمها بدفع أسعار النفط للارتفاع.
كما أثار اختفاء خاشقجي مخاوف من أن الأمر سيزيد الشعور بأن السياسة السعودية أصبحت أكثر غموضا في عهد ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي يتبنى مجموعة من الإصلاحات الاجتماعية لتحديث المملكة لكنه قاد أيضا سياسات أدت لتوترات بين الرياض وعدة دول أخرى.
وقالت مصرفية خليجية إن قضية خاشقجي إضافة إلى أحداث أخرى مجتمعة أصبحت عاملا مهما بالنسبة لبعض المستثمرين المحتملين في السعودية وإن مصرفها يتلقى العديد من التساؤلات من عملاء أجانب عن كيفية تفسير ذلك.
وقالت ”الأمر تراكمي.. حرب اليمن.. الخلاف مع قطر.. التوترات مع كندا وألمانيا.. اعتقال ناشطات. كل ذلك يضيف للانطباع العام بأن صناعة السياسة تتم بشكل متهور وهذا يقلق المستثمرين“.