اعلنت تركيا انها قد تفكر في منح اللجوء لعائلة الرئيس السوري بشار الاسد المنتمية للاقلية العلوية التي باتت تشعر بخوف متزايد مع تنامي غضب السنة من النظام الذي يشكلون فيه قمة الهرم.
وقال الرئيس التركي عبد الله غول ان تركيا قد تفكر في منح اللجوء لعائلة الاسد الذي تواجه بلاده حركة احتجاج دامية منذ اذار/مارس 2011، بحسب ما نقلت عنه الصحافة التركية الخميس.
وردا على اسئلة صحافيين عما اذا كانت تركيا على استعداد لاستقبال افراد عائلة الرئيس السوري في حال طلبوا ذلك، اجاب غول "لا وجود لمثل هذا الامر في الوقت الراهن"، كما كتبت صحيفة راديكال.
الا انه اضاف "اذا ما قدم لنا مثل هذا الطلب، فاننا سندرسه بالتاكيد".
وقطعت انقرة اتصالاتها مع حليفها السوري السابق بسبب القمع العنيف للتظاهرات الذي اوقع اكثر من ستة الاف قتيل.
العلويون خائفون
قبل عام كان علي يستمتع بحياته الجامعية في دمشق ويتطلع للمستقبل كطبيب أسنان وكان يبدي اهتماما قليلا بالسياسة في بلد خضع لحكم عائلة واحدة لاكثر من أربعة عقود.
وتغير ذلك كله ليس بسبب خروج السوريين للشوارع للمطالبة بتنحي الرئيس السوري بشار الاسد وانما عندما جاءته رسالة مريبة على صفحته على موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي تخيره بين الرحيل من البلدة أو الموت لانه ليس على الدين الصحيح.
وجاء في الرسالة التي أرسلت على موقع التواصل الاجتماعي الذي أشاد به على نطاق واسع نشطاء مؤيدين للديمقراطية للدور الذي لعبه في انتفاضات الربيع العربي "لا نريد أن نرى وجههك في برزة يا علوي."
والان دفع التعصب الديني الكامن تحت السطح منذ فترة طويلة علي ابن الطائفة العلوية الى دخول عالم السياسة. ولا يزال علي يعيش في برزة بريف دمشق حيث غالبية جيرانه سنة. والان أصبح الطالب البالغ من العمر 25 عاما مؤيدا قويا للاسد ليس اعجابا بالنخبة الثرية التي حكمت البلاد بقبضة حديدية دموية في احيان كثيرة على مدى أربعة عقود وانما لكونهم علويين أيضا.
وقال علي لرويترز التي أجرت سلسلة من المقابلات في العاصمة السورية الاسبوع الماضي مع مجموعة من السكان العلويين الذين طلبوا عدم الكشف عن هوياتهم "هم أرسلوا لي هذا التهديد فقط لانني علوي أعيش في برزة."
ويخشى العلويون في حالة سقوط الاسد وهو علوي من سفك دماء ذويهم الذين يشكلون سدس سكان سوريا البالغ عددهم 23 مليونا والتي يعيش فيها كذلك أقليات كبيرة من المسيحيين والاكراد.
وقال محمود وهو طالب علوي في جامعة أخرى بدمشق كان يتحدث لرويترز وسط مجموعة من الاصدقاء "اذا صار في تهديد على الاسد سنذهب الى القصر ونحميه بأرواحنا."
وأضاف شخص اخر في المجموعة يدعى أيضا علي "اذا رحل الاسد اما سأكون ميتا أو سأغادر البلد."
وغالبا ما ينفي زعماء معارضون بعضهم حمل السلاح في مواجهة تزداد عنفا أسفرت عن سقوط أكثر من خمسة الاف قتيل في 11 شهرا التلميحات بأن الانتفاضة ستؤدي الى تقسيم السوريين على أسس عرقية وطائفية.
لكن غضب الملايين من أعمال القتل والاعتقالات والتعذيب ضد المتظاهرين ومن بينهم نساء وأطفال التي نفذتها السلطات التي يقودها العلويون في مواجهة المتظاهرين في مدن غالبية سكانها من السنة مثل درعا.
ويعلو صوت لغة الكراهية الدينية في بلد شهد تدفق لاجئين هربا من العنف الطائفي في العراق في السنوات القليلة الماضية. ويتهم كثير من غالبية السكان السنة -وهم يشكلون 75 في المئة من تعداد السكان- الاسد ووالده الراحل حافظ الاسد بمحاباة العلويين الذين كانوا يتعرضون للازدراء من قبل. وتروج قصص الفظائع المتبادلة.
ومن أمثلة تلك القصص قصة علي طالب طب الاسنان. وقال انه أخذ رسالة التهديد التي أرسلت على صفحته على الفيسبوك مأخذ الجد لان أحد أعمامه قتل. وأرسلت أشلاؤه في كيس الى قريته في معقل العلويين الجبلي في غرب البلاد.
وقال محمود الذي ينحدر أصلا من قرية ربيعة في محافظة حماة الريفية ان 39 شخصا من قريته قتلوا منذ مارس اذار. وقال "اذا ترك أحد القرية وأوقفوه على حاجز تفتيش وعرفوا أنه علوي سيقتلونه."
ومثل رواية من حمص الشهر الماضي عن ذبح 14 شخصا من أفراد عائلة سنية على أيدي أفراد ميليشيا أو "شبيحة" يشتبه في أنهم علويون موالون للحكومة يستحيل التحقق من صحة التقارير في بلد تفرض فيه قيود شديدة على التغطية الاعلامية.
ويشكل تقدم حركة الاخوان المسلمين السنية وغيرها من الحركات السنية المحافظة التي تتهم العلويين بالهرطقة صفوف المعارضة سببا يدعو العلويين للشعور بالقلق بشكل خاص. ويعرف العلويون معتقداتهم بأنها أحد المذاهب الشيعية.
وقال فادي وهو رجل في الثلاثينات من العمر يدير متجرا لبيع الملابس في دمشق وتعرض لمضايقات على ما يبدو "اذا خسر بشار السلطة سيستلمها واحد غير علوي." وتابع قائلا "النظام الجديد سيكون قاسيا معنا وبالتأكيد سيضطهدنا."
واعترف فادي بأن بعض معارفه نقلوا معارضتهم للتغيير الى دائرة الفعل مدفوعين بالخوف وانهم هاجموا وضربوا بعض المتظاهرين الذين تجرأوا على الاسد وقوات أمنه التي يسيطر عليها العلويون.
بينما حرص اخرون على خفض رؤوسهم في محاولة لاخفاء أي علامة على انتماءاتهم الدينية. وقد يتراوح ذلك من اللهجة -فكثير من العلويين ينحدرون من قرى جبلية قرب الحدود اللبنانية ولهجتهم العربية مميزة - الى اسمائهم حيث يحمل البعض اسماء تشيع بين العلويين أو تلك التي تشيع بين السنة.
وقال علي الطالب الذي يعيش في برزة وغالبية سكانها من السنة "في هذه الايام لم أعد أقول اسمي الا قليلا.. أقول ان اسمي عمر أو استعمل اسما اخر حسب المنطقة الموجود فيها."
ولا يثير التأييد الطائفي للاسد الخوف من أعمال انتقامية وحسب وانما يثير أيضا الخوف من التهميش التاريخي للعلويين طيلة قرون منذ حكم العثمانيين السنة وحتى ظهور حافظ الاسد والد بشار الذي تولى السلطة في عام 1970 وتوفي في عام 2000 .
ويقول العلويون انه قبل حكم عائلة الاسد كانوا يعاملون عادة كمواطنين من الدرجة الثانية ويضطهدون ويحرمون من شغل المناصب العليا في الحكومة.
وقال عبد الله وهو موظف في دمشق متذكرا طفولة والده في القرى العلوية الجبلية في الخمسينات والستينات "أبي كان يسير 20 كيلومترا كي يصل للمدرسة لان المدارس في منطقتنا كانت قليلة." ومضى يقول "اليوم عندنا تعليم جيد وهذا بفضل حافظ" في اشارة الى الرئيس السوري الراحل.
ويتذكر معارضو الاسد عقود الخوف والقهر تحت حكم الاسد ولا يقتصر الامر على الاسلاميين السنة وانما يشمل أيضا الليبراليين العلمانيين والشيوعيين والاكراد ويشمل كل من يجرؤ على تحدي احتكار عائلة الاسد للسلطة.
وتحمل الاسلاميون نصيبهم التاريخي من اللحظة الاكثر دموية في حكم عائلة الاسد عندما أطلق الرئيس الراحل العنان لقوات أمنه قبل 30 عاما في حماة وكان العلويون رأس الحربة.
وقتل عشرة الاف على الاقل وربما مثل هذا العدد مرتين أو ثلاث مرات عندما قصفت المدفعية والدبابات معقل جماعة الاخوان المسلمين المعارضة في حماة وسوت معظم البلدة القديمة بالارض خلال العملية. وهذه تجربة يعتبرها بعض الاسلاميين السوريين كتدنيس للارض المقدسة من قبل الكفار.
ويشن الشيخ عدنان عرعور وهو رجل دين سني فر من سوريا أثناء أعمال الاسد الانتقامية من الاخوان المسلمين حملة من القدح الطائفي الان ضد بشار الاسد من السعودية التي أيدت الدعوات المطالبة بانهاء حكم الاسد.
وقال عرعور "أما بخصوص هؤلاء العلويين الذين هتكوا الحرمات عندما نحكم نحن المسلمين ونحن أكثرية - 85 في المئة - سنفرمهم في مفارم اللحم ونطعم لحمهم للكلاب."
ورغم أنه لا يتكلم باسم الاغلبية في سوريا الا أن معتقدات العلويين وعباداتهم تضعهم خارج حدود الاسلام الصحيح بالنسبة للاصوليين السنة.
ويسيطر العلويون على المناصب الرفيعة في جهاز الامن. ولكن اخرين كثيرين يقولون انهم لا يرون سوى القليل من المزايا التي حصل عليها أفراد الدائرة المقربة من الاسد على مدى أربعة عقود.
ولا يزال كثير من أبناء الطائفة العلوية وعددهم نحو مليونين يعيشون في القرى الجبلية بينما يقول الذين هاجروا الى دمشق أنهم ليسوا أفضل حالا من الطبقة المتوسطة السنية التي وقفت حتى الان بشكل عام وراء الاسد وضد الانتفاضة.
وتؤكد يارا الموظفة الحكومية -وهي في الثلاثينيات من العمر- مثل غيرها من أبناء الطائفة العلوية أنهم لم يتمتعوا بامتيازات خاصة خلال حكم أسرة الاسد وهي ترى أن السنة استفادوا أكثر من العمل في القطاع العام.
وقالت لرويترز وهي ترتدي سوارا بألوان العلم السوري الاحمر والاسود والابيض الذي أصبح علم البلاد بعد أن سيطر حزب البعث بقيادة الاسد الاب على السلطة في الستينيات "العلويون لم يستفيدوا كثيرا من النظام الموجود والدليل أن معظم العلويين لا يشغلون وظائف في الحكومة.. العلويون تجار والسنة هم الذين يشغلون الوظائف الحكومية.
"العلويون عادة يعيشون في الجبال. ما في (لا يوجد) كهرباء ومياه وفوق هذا يقولون اننا يجب أن نطرد."
وبالرغم من أن الكثير من السوريين يسخرون من هذه الفكرة يصر العلويون على أن الرئيس علماني لا ينشغل بالمسائل الطائفية وزوجته سنية.
والى جانب اذكاء الخلافات الطائفية فتح العنف الذي تفجر في الشهور الماضية الباب على مصرعيه أمام الخلافات داخل الطائفة العلوية فقد اتخذ بعض الناشطين السياسيين العلويين البارزين موقفا مناهضا للاسد. وسجن عارف دليلة ونجاتي طيارة بسبب موقفهما بينما قادت الممثلة المعروفة فدوى سليمان احتجاجات في معقل المعارضة بحمص.
لكن الطلبة العلويين الذين تحدثوا مع رويترز في دمشق وصفوهم بأنهم يسعون للفت الانظار غير عابئين بالتهديدات التي تواجه طائفتهم. يقول الطالب محمود "هؤلاء لا يمثلوننا وهم يسعون للشهرة فقط."
ويصف البعض العلويين الذين يسعون لتطبيق اصلاحات بأنهم سذج ويضربون مثلا بالاقلية المسيحية في مصر التي احتضنت الثورة الى جانب المسلمين لكنها تخشى الان من حكم جديد يسطير عليه السنة المحافظون.
ويدفع محمود وغيره من العلويين السوريين بانه ليس من المهم ان يعارض واحد من العلويين الاسد أم لا ففي نهاية المطاف لو أطاحت به حركة يهيمن عليها الاسلاميون السنة فان الطائفة العلوية باكملها ستكون هدفا للانتقام.
وقال أحد النشطاء في حديث خاص مؤخرا "النظام جند الطائفة العلوية للقتل.. كل شخص عمره بين 16 عاما و40 عاما هو قاتل سواء شاء أم أبى.. فهو اما شبيح بالعاصمة أو بالجيش النظامي.. ويقتلنا."
ولا يقتصر ازدراء العلويين كطائفة على الدعاة المتشددين الذي يتحدثون من الخليج. فخلال حفل عشاء في دمشق الاسبوع الماضي تحدث سني غير متدين تلقى تعليما عاليا باستخفاف عفوي ينم عن جهل كل طائفة بالاخرى.
وقال "العلويون ليس لديهم جوامع ولا يصلون ولا يذهبون للحج لا أحد يعرف من هم."
ويدفع احتمال الحياة بدون عائلة الاسد وهو احتمال يراه الكثير من الزعماء العالميين والعرب حتميا العديد من العلويين الى أفعال متطرفة يائسة. فقد كانت المسيرات المؤيدة للرئيس وعائلته في الايام الاولى للانتفاضة رصينة نسبيا حيث نقل المؤيدون من المعاقل العلوية بالحافلات وهم يرددون الشعارات المعروفة لحزب البعث.
لكن الان هناك غضب حقيقي وانفعالات وخوف يجتاح الشوارع ويردد بعض الموالين هتافات الاخلاص والتفاني لماهر الشقيق الاصغر للرئيس الذي يقود الفرقة الرابعة للجيش والتي تقود الحملة الصارمة ضد معاقل المعارضة.
ويستصرخونه أن "يقضي على" المتمردين "يا ماهر ياله كرمة لله."
كان محمود الطالب من قرية ربيعة يتحدث وهو يحتفظ برباطة جأشه لكن صوته كان يكشف عن عزم قاطع يثير القلق حيال مستقبل سوريا "نحن فعلا مسالمين وما بدنا نؤذي أحد ولكن بالنسبة لي العين بالعين والسن بالسن.. واذا أحد جاء يريد أن يقتلني وقتل عائلتي لن أقف ساكتا."