إذا حاول المرء ولم يحقق النجاح من المرة الاولى .. فليحاول مرة أخرى. فبعد الإخفاق العام الماضي في الحصول على اعتراف بالدولة الكاملة في الأمم المتحدة يعود الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى نيويورك يوم الخميس ليطلب من الجمعية العامة تحديث وضع الفلسطينيين.
وهذه المرة ما من شك أنه سيعمل على تحقيق ما يريد لكن القرار الذي يعتزم استصداره لن يقرب هدف الاستقلال. كما أنه سيغضب الولايات المتحدة واسرائيل والتي من المرجح ان ترد على ذلك بفرض إجراءات اقتصادية مضادة موجعة.
فلماذا يسعى إلى ذلك؟
تبرز قناعة عباس بأن أفضل الطرق لحل القضية الفلسطينية هو الخطوات الدبلوماسية على بعد آلاف الكيلومترات من وطنه عدم توفر أفكار مقبولة لإنهاء الصراع القائم منذ 64 عاما.
قال ارون ديفيد ميلر وهو مستشار رفيع سابق في وزارة الخارجية الأمريكية لشؤون عملية السلام بالشرق الأوسط ويعمل الآن في مركز وودرو ويلسون في واشنطن "الفلسطينيون ليست لديهم استراتيجية ولا الاسرائيليون ولا حتى الأمريكيون."
وأضاف "الاستراتيجية هي تجنب الاخفاق ومحاولة منع تفجر الوضع. لكن في يوم من الأيام سيحدث الانفجار... وللأسف الوضع سيصبح سيئا قبل أن يسوء أكثر."
وفي مؤشر على كيف يمكن للأوضاع أن تتدهور هاجم آلاف الفلسطينيين هذا الشهر قواتهم الأمنية في مدينتي الخليل ونابلس في الضفة الغربة المحتلة احتجاجا على ارتفاع تكلفة المعيشة.
وسعت السلطة الفلسطينية على الفور إلى نزع فتيل الأزمة وتراجعت عن رفع الضرائب بينما تابعت اسرائيل الوضع في قلق مدركة أن التوترات تتزايد بعد سنوات من التأزم في عملية السلام الرسمية.
ولم تجر محادثات مباشرة منذ عام 2010 عندما رفض الفلسطينيون استئناف المفاوضات ما لم تعلق اسرائيل البناء الاستيطاني في الضفة الغربية والقدس الشرقية والذي يقولون إنه يقضي على أي احتمال لهم لإقامة دولة لها مقومات البقاء.
وقال الأمين العام للأمم المتحدة بان جي مون يوم الثلاثاء إن ما يطلق عليه حل الدولتين هو الخيار الوحيد الملائم للسلام لكن استمرار نمو المستوطنات الاسرائيلية يعني أن "الباب ربما يغلق للأبد."
وفي عام 2011 عندما سعى عباس لنيل الاعتراف بالدولة الفلسطينية في الأمم المتحدة قوبل مسعاه بحماس كبير في الضفة الغربية. وانتشرت الملصقات التي تدعو لهذه الحملة على أعمدة الإنارة ووضع مقعد خشبي كبير في مدينة رام الله كرمز للمقعد الذي يسعى الفلسطينيون للحصول عليه في الأمم المتحدة.
وكما كان متوقعا رفض الطلب في ظل معارضة أمريكية شديدة وتحطم المقعد في رام الله خلال عاصفة شتوية.
وبعد مضي 12 شهرا لن يتكرر المناخ الحماسي للعام الماضي في الوقت الذي يستعد فيه عباس بمحاولته الأكثر تواضعا لرفع وضع الفلسطينيين في الأمم المتحدة من "كيان مراقب" إلى "دولة مراقبة" وهو نفس الوضع الممنوح للفاتكيان.
وقالت منال حسن (26 عاما) التي تعمل مدرسة في رام الله "نستحق أن نصبح دولة تلقى اعترافا كاملا وليس هذه الخطوة الجزئية. نحن لا نفهم ماذا يعني هذا أو ما الذي سيحققه" مما يظهر لامبالاة واسعة النطاق في أنحاء الضفة الغربية.
وفي واقع الأمر فإن القيام بمحاولة أخرى في الأمم المتحدة بعد تعديلها يمكن أن يجعل الحياة أقل راحة بالنسبة للاسرائيليين حتى وإن لم تحدث تغييرا فوريا للاوضاع على أرض الواقع.
واكتساب الفلسطينيين وضع الدولة المراقب بدلا من الكيان يعني أن الفلسطينيين سيتمكنون من الانضمام لهيئات مثل المحكمة الجنائية الدولية ويقدمون مجموعة كبيرة من البلاغات ضد اسرائيل بسبب احتلالها المستمر.
وقال صائب عريقات المفاوض الفلسطيني المحنك لرويترز الأسبوع الماضي أن هذا سيساعد على تمهيد أرض المباراة.
وأضاف أنه سيتم التصويت على التغيير قبل نهاية العام. وليس للولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) في الجمعية العامة حيث اعترفت عدد من الدول بالفعل وهي 120 دولة من بين 193 دولة بفلسطين كدولة.
وعبر الاسرائيليون بالفعل عن قلقهم.
وقال دان مريدور نائب رئيس الوزراء للصحفيين في القدس يوم الاثنين "لا أتظاهر بأن هذا في صالحنا لكنه سيكون أسوأ بالنسبة لهم... هذه طريقة حل سهلة وخاطئة."
وأشار مسؤولون اسرائيليون في أحاديث خاصة إلى أن من ردود الفعل المحتملة حجب عائدات الضرائب التي تحصلها الدولة اليهودية بالنيابة عن الفلسطينيين والتي تمثل نحو ثلثي إجمالي عائداتهم.
وجمد ساسة موالون لاسرائيل في الكونجرس الأمريكي نحو 200 مليون دولار من المساعدات التي يحتاجها الفلسطينيون بشدة ردا على محاولة العام الماضي ومن المتوقع ان يزيدون الضغط هذا العام.
وأصدر البنك الدولي وصندوق النقد الدولي تقارير متشائمة عن الاقتصاد الفلسطيني وحذرا من اضطرابات اجتماعية ما لم يزد التمويل الاجنبي وتخفف اسرائيل من القيود التي تفرضها على التنمية منذ زمن طويل.
وسعت اسرائيل هذا الشهر لإنعاش اقتصاد الضفة الغربية وسرعت من نقل الأموال إلى السلطة الفلسطينية وعرضت تقديم خمسة آلاف تصريح آخر للسماح للفلسطينيين بالعمل في اسرائيل حيث الاجور أعلى من تلك التي يتقاضونها في الأراضي الفلسطينية.
وتعتقد اسرائيل أن الطريق إلى إقامة دولة لا يتحقق إلا من خلال المحادثات المباشرة وتقول إن الخطوات من جانب واحد هي انتهاك لاتفاقات أوسلو التي وقعت عام 1993 والتي كان من المفترض أن تسفر عن التوصل إلى اتفاق للوضع النهائي خلال خمس سنوات.
ويقول الفلسطينيون إن البناء الاستيطاني المستشري قضى على أي فرصة لهم في إقامة دولة متماسكة.
وطلب عباس من حلفائه السياسيين هذا الشهر بحث احتمال إلغاء أوسلو والتخلي عن سيطرتهم الجزئية على الضفة الغربية مما يعني إعادة الأرض إلى اسرائيل ورفع تكاليف الاحتلال.
واستبعد المحللون مثل هذه الخطوة الجذرية لكنهم يقولون إن مجرد إثارتها يظهر كيف أن الخيارات أصبحت محدودة امام عباس الذي فقد منذ سنوات السيطرة على قطاع غزة لصالح حركة المقاومة الإسلامية (حماس). كما أن تفويض عباس بموجب الانتخابات انتهى عام 2009.
وقال غسان الخطيب وهو متحدث سابق باسم رئيس الوزراء سلام فياض وهو الآن محاضر في الدراسات العربية المعاصرة بجامعة بيرزيت إن القيادة غير قادرة على تحقيق مطالب الناس على أي مستوى.
ويشك الخطيب فيما إذا كان عباس سيحقق أي إنجاز في الأمم المتحدة ويرى أنه قد ينسحب قبل إجراء الاقتراع لمنح فرصة أكبر لأي كان الذي سيفوز في انتخابات الرئاسة الأمريكية في نوفمبر تشرين الثاني لبذل محاولة دبلوماسية أخرى مع الاسرائيليين.
ويتفق دبلوماسيون غربيون في اسرائيل على أن عباس يتعرض لضغط خارجي هائل للتخلي عن استصدار قرار من الأمم المتحدة ويقولون إن الوقت بدأ ينفد.
وقال دبلوماسي كبير "نحن قلقون من أنه إذا مضى في هذه المسألة فإن الولايات المتحدة ستنسحب ببساطة من القضية... بدون محادثات مباشرة نرى أن حل الدولتين يمكن ان يصبح ميتا خلال 18 شهرا."