انتخابات الرئاسة الأمريكية: سقطات أوباما وهفوات رومني

تاريخ النشر: 04 أكتوبر 2012 - 11:44 GMT
من المناظرة بين الرئيس أوباما ومنافسه الجمهوري رومني
من المناظرة بين الرئيس أوباما ومنافسه الجمهوري رومني

دخلت انتخابات الرئاسة الأميركية مرحلتها الأخيرة قبل شهر من موعد الاقتراع الحاسم الذي سيقرر من سيكون سيد البيت الأبيض للأربع سنوات القادمة. والصراع يبدو محتدما وقاسيا بين الرئيس باراك أوباما الذي يسعى بقوة مدعوما بمركزه كرئيس حالي يجلس في البيت الأبيض وهذا دائما ما يشكل عاملا مهما في معركة الرئاسة لرئيس يسعى للتجديد لولاية ثانية.

منذ الحرب العالمية الثانية فاز الرؤساء ايزنهاور ونيكسون وريغان وكلينتون وبوش الابن بولاية ثانية. بينما لم يتمكن كنيدي بسبب اغتياله وجونسون لعدم ترشحه لولاية ثانية من الفوز بولاية ثانية. فيما خسر كارتر وبوش الأب سعيهما للفوز بولاية ثانية. في تطور للنظام السياسي والانتخابي والدستوري الأميركي لم يُمنح الرجل الأبيض الفقير الذي لا يدفع ضرائب ولا السود ولا المرأة حق المشاركة السياسية من اقتراع وترشيح إلا بعد تعديلات دستورية متعاقبة. في تطور تراكمي للعملية الديمقراطية والمشاركة السياسية في الولايات المتحدة. ولاحقا تحولت الولايات المتحدة إلى الناظر والمحاضر على دول وشعوب العالم لتطبيق العدالة والحريات والانتخابات.

تمر حملة الرئاسة الأميركية بمراحل معقدة وتمتد على مدى عام من الشتاء إلى الشتاء. من مراحل التصفية الحزبية بين المرشحين للظفر بترشيح الحزب الذي عادة يكون الحزب خارج البيت الأبيض. في هذه الانتخابات الحزب الديمقراطي إلى ترشيح الحزب للمرشح الفائز بأكبر عدد من اصوات المندوبين كما حدث نهاية الشهر الماضي في تامبا لرومني. إلى جولة المناظرات التي ستبدأ في الشهر القادم بثلاث مناظرات بين الرئيس أوباما ومنافسه الجمهوري رومني...ومناظرة يتيمة واحدة بين مرشح لمنصب نائب الرئيس رايان ونائب الرئيس جو بايدن... إلى يوم الاقتراع والحسم الكبير 6 نوفمبر القادم...

ولكن المفاجأة الكبيرة أن الناخب الأميركي لا ينتخب الرئيس مباشرة... بل ينتخب قائمة من المجمع الانتخابي في الولاية. وبناء على نتيجة أي مرشح لمنصب الرئاسة فاز بالتصويت الشعبي في الولاية تذهب قائمة المجمع الانتخابي بكامل عددها لذلك المرشح لغياب التصويت النسبي..لأن الفائز يحصل على جيمع أصوات هيئة الناخبين في المجمع الانتخابي. فمثلا الرئيس أوباما الذي سيفوز بولاية كاليفورنيا التي تصوت عادة للمرشح الديمقراطي ولديها 55 صوتا في المجمع الانتخابي. سيحصل على جميع الأصوات الـ 55 حتى لو فاز بنسبة 60 % من أصوات الناخبين في كاليفورنيا ورومني بـ 40 % من أصوات الناخبين. فسيحصل أوباما على 100 % من أصوات المجمع الانتخابي الـ 55، والأمر نفسه ينسحب على رومني الذي متوقع أن يفوز بولاية تكساس و أصوات المجمع الانتخابي لتكساس الـ 38 حتى لو فاز أوباما بـ 49 % من اصوات الناخبين في تكساس. وحتى تصبح رئيسا للولايات المتحدة يجب الحصول على ما لا يقل عن 270 صوتا من أصوات المجمع الانتخابي.

تلعب القدرات المالية والمال السياسي دورا مؤثرا وقد يكون حاسما في معركة الرئاسة الأميركية. حيث تساهم وفرة المال الذي يتم جمعه من التبرعات الحزبية ومن المناصرين للحزبين ومن الحملة الانتخابية وجماعات الضغط واللوبيات الذي سيتجاوز في حملة الرئاسة هذه مليار دولار لكل مرشح محطما الأرقام القياسية السابقة. يتم توظيف الوفرة المالية في عرض برنامج المرشح الانتخابي للناخبين الأميركيين عن طريق إعلانات تليفزيونية مكلفة ومدفوعة الثمن وعلى وسائل التواصل الاجتماعي الحديثة في المدن والولايات الرئيسية وخاصة المتأرجحة التي ستحسم معركة الرئاسة.

كما أن أوباما يحظى بأمر مهم آخر وهو الواقع التاريخي. فتؤكد الوقائع التاريخية في سباق الرئاسة الأميركي أن المرشح الذي يكون متقدما في استطلاعات الرأي في نهاية شهر سبتمبر قبل موعد الانتخابات بشهر هو من يفوز في معركة الرئاسة. وتؤكد الدراسات أنه منذ عام 1952 فاز بانتخابات الرئاسة الأميركية المرشح الذي كان متقدما في سبتمبر من سنة الانتخابات. باستثناء نيكسون في عام 1960 ضد الرئيس كينيدي وآل غور في عام 2000 ضد الرئيس بوش. ولكن في عالم السياسة لكل قاعدة استثناء.

ما يعزز فرص أوباما أيضا أنه يتقدم في استطلاعات الرأي بفارق يصل إلى 4 % من الأصوات والأهم أنه يتقدم على منافسه مرشح الحزب الجمهوري في الولايات الحاسمة المتأرجحة التي ستحسم معركة الرئاسة. وخاصة في ولايات فلوريدا وأوهايو التي لم يصل أي مرشح من الحزب الجمهوري إلى البيت الأبيض دون الفوز بولاية أوهايو. وكذلك يتقدم أوباما في استطلاعات الرأي في ولايات بنسلفانيا ونيومكسيكو وميشغان مسقط رأس رومني. أما رومني فيتقدم في ولاية كارولينا الشمالية وميسوري. لذلك تبدو فرص فوز الرئيس أوباما بالرغم من الوضع الاقتصادي الضاغط الذي يوليه أغلبية الأميركيين اهتماما كبيرا حيث يرى 87 % من الأميركيين أن الشأن الاقتصادي هو أهم عامل مؤثر في قرارهم في الانتخابات القادمة. وهذه هي كعب أخيل أوباما ونقطة ضعفه. إذ لم يفز مرشح للرئاسة أو رئيس يسعى لإعادة انتخابه بالرئاسة في ظل نسبة بطالة تتجاوز 7.5 %. والبطالة اليوم تقف عند أكثر من 8 %. وهذا ما دفع رومني ليضع شعار حملته الانتخابية مخاطبا الأميركيين «هل أنتم أفضل حالا مما كنتم عليه قبل 4 سنوات؟» ولكن من سيفوز بسباق الرئاسة هو من سيقنع الأميركيين أن لديه البرنامج والرؤية لمعالجة الأوضاع الاقتصادية بما يتعلق بالبطالة والضرائب وفرص عمل.

في كل انتخابات يبقى الخيار لدى الناخب الأميركي هو خيار صعب وعادة ما يلجأ الناخب الأميركي وخاصة المستقل غير المنتمي للحزبين الديمقراطي والجمهوري للتصويت للمرشح الأقل سوءاً ويبدو أن هذا الخيار باتت السمة السائدة في الانتخابات في العديد من الجمهوريات والديمقراطيات اليوم. ولكن الهفوات والسقطات والمفاجآت وخاصة في شهري سبتمبر وأكتوبر قبل الاقتراع يكون لها دور وتأثير على قرار الناخب الذي سيقترع في السادس من نوفمبر القادم.

هفوة رومني الكبيرة كانت في شريط مسرب في حفل لجمع المال مع متنفذين من الحزب الجمهوري حيث هاجم واستفز رومني ما أطلق عليه 47 % من الأميركيين الذين وصفهم كعبء وعالة على النظام لعدم دفعهم ضرائب، واستفادتهم من خدمات النظام الأميركي. هذه الشريحة هي قاعدة أوباما الانتخابية...تلك السقطة الكبيرة والمستفزة أعطت وقودا لحملة أوباما لتوظفها وتقديم أوباما ممثلا لجميع فئات الشعب الأميركي ونصير الطبقة بعكس رومني الذي ينظر إليه من نسبة كبيرة من الأميركيين على أنه نصير الأغنياء. 

لكن أوباما كانت له سقطته هو الآخر. سئل أوباما في حفل ماذا تعلمت من سنواتك الأربع الماضية؟ أجاب أوباما «تعلمت أنه لا يمكنك تغيير واشنطن من الداخل...يمكنك تغيير واشنطن من الخارج فقط!» وسرعان ما وظف رومني هذه السقطة بتقديم أوباما كشخص منهزم. معلقا «لا يمكن لأوباما تغيير واشنطن من الداخل...يمكنه تغييرها من الخارج». وهناك طبعا ما يسمى مفآجات أكتوبر وما يجري في الشرق الأوسط وعودة القاعدة ومقتل السفير الأميركي الذي سيوظف للنيل من أوباما. تعقيدات وفصول انتخابات الرئاسة الأميركية سيتابعها العالم بأسره لأهميتها ولتأثيرها على الشعوب والدول .. لهذا سنرصدها ونتابعها ولنا عودة.

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن