تعيش حركة حماس هذه الأيام بلبلة داخلية حقيقية وتباين في الآراء حول دورها بالنسبة للمقاومة المسلحة. وقد استخدم قياديو الحركة بمن فيهم رئيس المكتب السياسي للحركة خالد مشعل مصطلح "المقاومة الشعبية" ليشعلوا جدلا ونقاشا واسع النطاق داخل الحركة بل وخارجها.
ولكن هناك مسؤولون في حماس يقولون ان الحركة لم ولن تترك المقاومة المسلحة وان ممارسة ما يسمى بالمقاومة الشعبية تاتي لهذه المرحلة فقط تكتيكيا بسبب الظروف الاقليمية والدولية.
وقد شكك البعض في الدور التاريخي لحماس وهو المقاومة المسلحة وجاء هذا التشكيك حتى من قبل مؤيدي الحركة. وقد كتب احدهم في موقع محسوب على حماس (PLDF) "هل حركة المقاومة الإسلامية كانت أسدًا من كرتون خلال أقل من سنة سلطة دكتاتورية تجتث جذورها وأنشطتها!! ...نعم وأنا أؤكد لكم ذلك...للأسف أصبحنا نتلفت حولنا ونحسب ألف حساب لإسرائيل وألف حساب للدكتاتورية العباسية وتركنا مساجدنا لهم وتركنا شوارعنا ليتسكعوا بها تركنا مدننا لإحياء الحفلات الماجنة وأغلب أبناء حركتنا رضخوا للأمر الواقع".
وأردف هذا الكاتب قائلا : "إن النشاط الحركي في الضفة شبيه بشلل تام...أغلب الأطفال او الأطفال الذين كبروا وأصبحوا أشبالًا الآن يحبون حماس لأنها حماس وراثيًا أو من تلك الصور للكتائب.. لا يعرف من هي حماس ولا كيف عقيدة حماس ...لمن نحمل كل هذه المسؤولية ؟؟؟
وقد قال خالد مشعل في لقاء مع قناة الجزيرة القطرية ان طريق المقاومة المسلحة وصلت الى انسداد: "باختصار الانتفاضة الأولى كانت مقاومة شعبية لكن ضغط العدو على شعبنا طور المقاومة من المظاهرة من الحجر إلى المولوتوف إلى إلى، إلى أن وصلت لعمليات استشهادية يعني تراثنا الفلسطيني عريق في فعل الشعوب، اليوم في زمن الربيع العربي يعني هذه مش بضاعة جديدة لا شك الربيع العربي ينعكس علينا إيجابا من حيث حركة الشعوب لكن هذا إرث فلسطيني من يوم الإضراب في 1936 إنما هل هذا بديل عن المقاومة، لا ما دمنا تحت الاحتلال، المقاومة بكل أشكالها وعلى رأسها المقاومة المسلحة حقنا وخيارنا وواجبنا لكن في زمن الربيع العربي في زمن أن حركة الجماهير أصبحت مثل الماء عندما يتحول إلى تسونامي، هذا الفعل المبارك بالعكس أنا اليوم علي أن أعلي قدر وأهمية فعل الشعوب التي تغير الكثير مما هو على الخريطة في المنطقة لذلك نحن نريد أن نمارس المقاومة الشعبية"
انتقادات داخلية
وفي ظل الربيع العربي تمتد الانتقادات لحماس لتشمل سياسة الحركة في الساحتين الدولة والوطنية ولا تقتصر على المقاومة فحسب. وقد تساءل المحلل أحمد أبورتيمة ان كان طريق المقاومة المسلحة هو الطريق الصحيح للحركة ودعا في مقال له في صحيفة فلسطين المحسوبة على حماس الشعب الفلسطيني ليتعلم من الديمقراطية الإسرائيلية بدلا من تجربة حماس:"هل يحق لنا أن نعاير أعداءنا بديمقراطتيهم فنقول في خطابنا الإعلامي إن حكومة أولمرت سقطت ولم تسقط حكومتنا..أو أن نقول رحل بوش وبقينا نحن؟! في أي خانة يمكن وضع رحيل بوش أو أولمرت..هل في خانة سلبياتهم أم إيجابياتهم؟؟
إن ذهاب أولمرت وبوش وقدوم غيرهم هو دلالة ديمقراطية وتداول سلمي للسلطة، وتقديس لمواعيد الانتخابات، واحترام لإرادة الناخب..لذا فإنه ليس مدعاةً لتفاخرنا أن نقول لقد سقط أولمرت وبوش ولم نسقط.. ولو لم تكن هناك ديمقراطية في إسرائيل لما رحل أولمرت ولو جلب لدولته ألف هزيمة وألف فشل..
إن خسارة أولمرت في الانتخابات دلالة هزيمة على المستوى التكتيكي، ولكن على المستوى الاستراتيجي فهي دلالة حياة في المجتمع الإسرائيلي ومراجعة دائبة..إنني لا أنتقص من صمود المقاومة وثباتها ولكن أدعو إلى أن نفرق جيداً بين ما يستحق أن نفتخر به وما يستحق أن نتأسى عليه.. فلا نعيب على أعدائنا ديمقراطيتهم، لأن هذه بالذات تديننا نحن ولا تدينهم هم.."
انتقادات عربية
ولا تتوقف هذه الانتقادات والجدل حول ممارسة المقاومة على أبناء وأعضاء الحركة فقط بل تمتد إلى مؤيدي الحركة في البلدان العربية.فحتى جماعة الاخوان المسلمون في الاردن ناقشت موضوع امكانية ترك حماس المقاومة المسلحة وتبنيها ما يسمى بالمقاومة الشعبية وقد كتب سالم يوسف محمد الفلاحات المراقب العام الرابع لـجماعة الإخوان المسلمين في الأردن في جريدة الدستور (في تاريخ الاول من يناير 2012) مقالا يمدح فيه المقاومة المسلحة لينذر حماس ألا تتخلى عنها حيث وقال "فالحفاظ على سياج الوطن من الواجبات بل من الزمها ، لتحقيق حياة كريمة للمواطن ومن هنا كان النهي عن اذلال سلطان الله في الارض. إن كان المواطن مهيباً كانت الدولة مهيبة ومقدرة والعكس صحيح فالسماح لشريعة الغاب ومنطق القوة أن يحكم الناس يأكل هيبة الدولة حتى تتلاشى . هيبة الدولة تضيع وتتلاشى؛ ان ترك المعتدي الظالم السارق الناهب بلا عقاب..."
وقالت مصادر في المعارضة السورية ان رئيس الوزراء القطري حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني صرح خلال اجتماع مع أعضاء في المجلس الوطني السوري في العاصمة المصرية القاهرة ان "حركة حماس انتهت كحركة مقاومة مسلحة وأن خروج حماس من دمشق الذي أصبح مؤكدا هو نهاية الحركة في المقاومة". ويذكر ان دولة قطر تلعب دورا مؤثرا في تأجيج الربيع العربي ونشر ان الدوحة قد طلبت المملكة الهاشمية الاردنية ان تستضيف قيادات حماس التي تترك العاصمة السورية دمشق.
إذن , ما الذي يحدث داخل حركة حماس؟ هل أدركت ان طريق الكفاح المسلح قد فشل؟ هل ادركت ان طريق المفاوضات هو أفضل؟ هل نحن أمام تحول تاريخي في حماس؟ لا احد يعلم ولكن يبدو ان حماس لم تعد حركة مقاومة إسلامية بكل ما في الكلمة من معنى.