كميل حبيب
عصام إسماعيل
إن الممارسات اللانسانية التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي وميليشيات «داعش» في العراق، من المفترض أن لا تمرّ من دون معاقبة مرتكبيها والمحرضين عليها والمشاركين والمتدخلين فيها، سواء بالدعم المالي أم الإعلامي أم المعنوي أم بالتدريب والتسليح، أو بأي وجهٍ آخر من وجوه المشاركة والتدخل.
يبرز الوجه البشع لجرائم جيش الاحتلال الإسرائيلي وميليشيا «داعش» في كونهما يتعرّضان بصورة فاضحة وغير إنسانية، لأشخاصٍ لم يشاركوا في النزاع المسلح، وهم المدنيون والأسرى، وكذلك من خلال تعرّضهم لممتلكات محميّة بالعرف وبقواعد القانون الدولي الإنساني.
الجرائم المرتكبة من جيش الاحتلال الإسرائيلي وميليشيا «داعش»، نوجزها وفقاً لتوصيفها القانوني:
أولاً: ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، التي عرّفتها المادة 6 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بأنها: «أيّ فعل من الأفعال التالية، يرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، بصفتها هذه إهلاكاً كلياً أو جزئياً، ومن صورها:
÷ قتل أفراد الجماعة.
÷ إخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية يقصد به إهلاكها الفعلي كلياً أو جزئياً.
تبيّن من وقائع الميدان في غزة (فلسطين المحتلة)، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي، أقدم على فرض حصار خانق على غزة، بحراً وبراً وجواً، وهذا الحصار يدخل ضمن مندرجات البند «ب» من هذه المادة، من خلال اخضاع أهالي غزة عمداً لأحوالٍ معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي على الأقل إهلاكاً جزئياً. وبهذا يصنّف هذا الفعل ضمن خانة جرائم الإبادة الجماعية.
وكذلك فعل ميليشيا «داعش» من خلال حصاره لقرى وبلدات بهدف القضاء الكلي على سكانها، وممارسة القتل الجماعي لسكان هذه القرى والبلدات، لأهدافٍ دينية. علمًا أن إثبات النيّة في الحالتين ممكن، خاصة بعدما أعلن مسؤولو الطرفين في العديد من التصريحات السياسية والاعلامية، نواياهم بشكل واضح.
ثانياً: ارتكاب جرائم ضد الإنسانية: وهي الجرائم التي عددتها في لائحةٍ مفصلة، المادة السابعة من نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية، واعتبرت أي فعل من الأفعال المذكورة في هذه المادة «جريمة ضد الإنسانية» متى ارتُكبت في إطار هجوم واسع النطاق، أو منهجي مُوَجَّهٍ ضد أي مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم، والمتضمن نهجا سلوكيا يتضمن الارتكاب المتكرر لهذه الأفعال ضد أية مجموعة من السكان المدنيين، عملاً بسياسة دولة أو منظمة تقضى بارتكاب هذا الهجوم، أو تعزيزاً لهذه السياسة.
وقد تبيّن من خلال الوقائع، أن كلًّا من جيش الاحتلال الاسرائيلي وميليشيا «داعش» قد ارتكبوا الجرائم ضد الإنسانية، الآتي ذكرها:
- جرائم القتل العمد؛ حيث أقدم جيش الاحتلال الاسرائيلي على استهداف المدنيين عمداً بقصد القتل، وكذلك أقدمت ميليشيا «داعش» على ارتكاب مجازر القتل العمد بحقّ المدنيين في سوريا والعراق.
- جريمة الإبادة؛ من خلال تعمدّ جيش الاحتلال الاسرائيلي في غزة، وميليشيا «داعش» في أماكن سيطرتها، على فرض أحوال معيشية، من بينها الحرمان من الحصول على الطعام والدواء، بقصد إهلاك جزء من السكان.
- جريمة إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان؛ أي نقل الأشخاص المعنيين قسرا من المنطقة التي يوجدون فيها بصفة مشروعة، بالطرد أو بأي فعل قسري آخر، دون مبررات يسمح بها القانون الدولي.
لقد تبيّن من الوقائع أن جيش الاحتلال الإسرائيلي أقدم خلال عدوانه السابق على الفلسطينيين إلى إبعاد السكان قسراً من المناطق التي كانوا يتواجدون فيها، وكذلك فعلت ميليشيا «داعش» التي أقدمت في كّل بلدةٍ دخلتها إلى إبعاد السكان قسراً لا سيما إبعاد مسيحيي وأكراد الموصل.
وهذه الجريمة لا تسقط بالتقادم، إذ يمكن ملاحقة مرتكبيها مهما مرّ عليها الزمن، عملاً بالمادة 29 من نظام المحكمة الجنائية الدولية.
- جريمة الفصل العنصري؛ وهي جريمة الاضطهاد المنهجي والسيطرة المنهجية من جانب جماعة عرقية واحدة، إزاء أية جماعة أو جماعات عرقية أخرى، وترتكب بنية الإبقاء على النظام.
- جريمة الإخفاء القسري للأشخاص؛ وهي جريمة إلقاء القبض على أشخاص أو احتجازهم أو اختطافهم من قبل دولة أو منظمة سياسية، أو بإذن أو دعم منها لهذا الفعل أو بسكوتها عليه، ثم رفضها الإقرار بحرمان هؤلاء الأشخاص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو عن أماكن وجودهم، بهدف حرمانهم من حماية القانون لفترة زمنية طويلة.
ولعلّ ميليشيا «داعش» فاقت جيش الاحتلال الاسرائيلي في ارتكاب هذا النوع من الجرائم، إذ لم تدل بأي معلومات حول مصير آلاف الأشخاص الذين اعتقلتهم لأسبابٍ دينية.
ثالثاً: جرائم الحرب: عرَّفتها المادة الثامنة من نظام روما وحدَّدت الأفعال المكونـة لها، ضمن قائمـة مطولـة من الأفعال التي تطبَّق سواء تلك التي تقع في النزاعات الدوليـة المسـلحة أو التي تقع في النزاعات الداخليـة المسـلحة عبر تحديد أفعالها، والمقصود بالمنازعات المسـلحة الداخليـة بأنهـا: «المنازعات المسـلحة غير ذات الطابع الدولي، وهي لا تنطبق على حالات الاضطرابات والتوترات الداخليـة، مثل أعمال الشـغب أو أعمال العنف المنفردة أو المتقطعـة أو غيرها من الأعمال ذات الطبيعـة المماثلـة. بل تطبق على المنازعات المسـلحة التي تقع في إقليم دولـة عندما يوجد صراع مسـلح متطاول الأجل بين السـلطات الحكوميـة وجماعات مسـلحة منظمـة أو في مـا بين هذه الجماعات».
وقد تبيّن من وقائع الميدان أن جيش الاحتلال الاسرائيلي وميليشيا «داعش» قد ارتكبا كل منهما في مناطق عدوانه أو سيطرته، جرائم الحرب الآتية:
القتل العمد، تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها من دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك، الإبعاد أو النقل غير المشروعَين أو الحبس غير المشروع (أخذ رهائن) تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية، تعمد توجيه هجمات ضد مواقع مدنية، تعمد شن هجوم مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن خسائر، في الأرواح أو عن إصابات بين المدنيين أو عن إلحاق أضرار مدنية، مهاجمة أو قصف المدن أو القرى أو المساكن أو المباني العزلاء التي لا تكون أهدافا عسكرية، قتل أو جرح مقاتل استسلم مختارا، تعمد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة للأغراض الدينية أو التعليمية أو الفنية أو العلمية أو الخيرية، والآثار التاريخية، والمستشفيات وأماكن تجمع المرضى والجرحى، نهب أي بلدة أو مكان حتى وإن تم الاستيلاء عليه عنوة، تعمد توجيه هجمات ضد المباني والمواد والوحدات الطبية ووسائل النقل والأفراد من مستعملي الشعارات المميزة المبينة في اتفاقيات جنيف طبقا للقانون الدولي، تعمد تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك تعمد عرقلة الإمدادات الغوثية...
وما يلفت ضمن قائمة هذه الجرائم هو اشتراك جيش الاحتلال الاسرائيلي وميليشيا «داعش» في ارتكاب معظم هذه الجرائم...
يبدو جلياً، ومن دون أدنى شك، بأن جيش الاحتلال الاسرائيلي وميليشيا «داعش» يتشابهان في العقلية الجرمية اللاإنسانية واللاأخلاقية، وهما بما فعلا من جرائم لا توصف ولا تعدّ إنما انتهكا معظم قواعد القانون الدولي الإنساني، ويستحقان المعاقبة على ما ارتكبا بحق الشعب الفلسطيني والشعبَين العراقي والسوري.
أن مجلس الأمن الدولي مدعوٌّ لإحالة جرائم الاحتلال الإسرائيلي وجرائم ميليشيا «داعش» أمام المحكمة الجنائية الدولية، ومحاسبة المسؤولين عن ارتكاب تلك الجرائم ومن حرّض ومن سهّل ومن نفذ، كما سبق له أن فعل مرتين، الأولى: عندما أحال قضية دارفور أمام المحكمة الجنائية الدولية بموجب القرار رقم 1593/2005 تاريخ 31/3/2005، والثانية: عندما أحال بموجب قراره رقم 1970 تاريخ 26 شباط 2011، قضية ليبيا أمام المحكمة الجنائية الدولية.
لا بد من أن يلتفت المجلس الى «مسؤوليته» في الإحالة، إنطلاقًا من مبدأين:
الأول: لأن الجرائم التي تحصل والارتكابات والعنف المتمادي والعابر للحدود، باتت تهدد السلم والأمن الدوليين.
الثاني: انطلاقًا من مسؤولية المجتمع الدولي في «حماية المدنيين»، وهو المبدأ الذي أحيلت على أساسه القضية الليبية الى المحكمة الجنائية الدولية، إذ بمجرّد أن تُظْهِرَ دولةٌ ما عدم الرغبة وعدم القدرة على حماية المدنيين، فإن هذا يحتّم على المجتمع الدولي تحمّل تلك المسؤولية انطلاقًا من مبدأ «المسؤولية في الحماية» الذي أصبح منذ العام 2005، يشكّل جزءًا لا يتجزأ من القانون الدولي العام.
نقلا عن السفير اللبنانية