اكتشف كواليس اقتتال الفصائل المسلحة في سوريا

تاريخ النشر: 03 نوفمبر 2014 - 05:38 GMT
البوابة
البوابة

لن تكون السلطات السورية العسكرية والسياسية سعيدة في المشهد السوري أكثر من سعادتها بمشهد اقتتال أعدائها اللدودين فيما بينهم، "نحن نتابع بكثير من الارتياح الأنباء الواردة من جبهتي اقتتال، الأولى من جبهة الشمال حيث ريف محافظة إدلب والثانية من الجبهة الشرقية حيث محافظة الرقة". "نحن نُدرك أهمية ما يجري هناك وفائدته لنا وندرك أيضاً أسبابه ولا نستغربها إطلاقاً". هذا الكلام لمسؤول سوري طلب عدم الكشف عن اسمه، لم يُخفِ المسؤول السوري أن إحصاء أعداد القتلى من الفصائل المسلحة المتناحرة هو "أمر يُثير الراحة والإيجابية بالنسبة للدولة السورية".

 

جبهة الشمال

في ريف محافظة إدلب شمالي سوريا وتحديداً في منطقة جبل الزاوية، "تقصقص (جبهة النصرة) جناحي "جمال معروف" قائد ما يُعرف بـ (جبهة ثوار سوريا) وتكسر أذرعه المسلحة" وفق تعبير أحد الناشطين وتنتزع منه مقر جبهته في دير سنبل بجبل الزاوية وتطحن مقاتليه بلا رحمة فيما ينشق عشرات آخرون من هؤلاء المقاتلين ويلتحقون بـ"النصرة"، وكانت مليشيات "جمال معروف" تضع نفسها في خانة الفصائل المعتدلة التي قد تكون العمود الفقري للمجموعات التي ستدربها واشنطن لمحاربة تنظيم "داعش" ضمن ما تردد عن تدريب خمسة آلاف مقاتل معتدل في إطار الخطة البرية المستقبلية لمواجهة "داعش".

انهارت أحلام جمال معروف بأن يكون زعيماً للجماعات المسلحة "المعتدلة" التي يتطلع قادة فصائلها نحو مستقبل يحمل أدواراً مهمة في المشهد السوري إذا أوفت واشنطن وحلفاؤها بتعهداتها ودرّبت المقاتلين المعتدلين ودعمتهم بسلاح متطور وأمدتهم بما يلزم من عوامل القوة والانتشار والسيطرة، هكذا كان يحلم "جمال معروف "ويقدم نفسه لأوساط الائتلاف السوري المعارض على أنه الوجه القيادي العسكري المعتدل الاكثر قوة والذي يقود فصائل هي الأكثر انضباطاً وتطلعاً نحو المستقبل السوري.

تتحدث مصادر "الشبيبة" في هذا السياق لتكشف أن جمال معروف كان قد قضى قبل فترة قصيرة عدة أيام بين مدينتي عنتاب وأنقرة التركيتين التقى خلالها قادة أتراك ووضعهم في صورة خططه الميدانية المستقبلية على مستويين: الأول لجهة قدرة قواته في "جبهة ثوار سوريا" على السيطرة على معاقل جبهة النصرة في كامل ريف إدلب وإخلاء هذا الريف فقط لصالح جبهة ثوار سوريا بحيث يشكل هذا الريف نواة "الفصائل المعتدلة". أما المستوى الثاني الذي تحدث في جمال معروف في تركيا فهو حول قدرته على مباغتة قوات الجيش السوري في مدينة إدلب واقتحام المدينة.

 

الضربة الاستباقية

تفيد معلومات "الشبيبة" أيضاً أنه لم يكد "جمال معروف" يعود من رحلته التركية إلى إدلب حتى كان أمير "جبهة النصرة" أبو محمد الجولاني يعطي أوامره لمقاتليه بالهجوم على مدينة إدلب، "النصرة" سبقت جمال معروف في اختبار حظوظها الميدانية حيال مدينة إدلب التي تسيطر عليها الحكومة السورية عبر مهاجمتها من إحدى خواصرها الشرقية بهدف اختراق المدينة والسيطرة على أجزاء منها لكن المحاولة فشلت وخسرت "النصرة" العشرات من مقاتليها. في الوقت نفسه استدارت "النصرة" نحو جمال معروف وجبهته لتنقض عليه قبل أن تلقى أفكاره صدى في أسماع أنقرة وواشنطن وخلال خمسة أيام جرّدت "جبهة النصرة" جمال معروف من معظم معاقله ومناطق نفوذ "جبهة ثوار سوريا".

سيطرت "جبهة النصرة" على قرى جبل الزاوية بريف إدلب (شمال غرب سوريا) بعد انسحاب مقاتلي جبهة ثوار سوريا منها، حيث نشرت "جبهة النصرة" مقاتليها في بلدات إحسم والمغارة وقرية دير سنبل وهي مسقط رأس جمال معروف وذلك بعد خمسة أيام من الاشتباكات بين جبهة النصرة من طرف، و"جبهة ثوار سوريا" من طرف آخر. وفيما توعد جمال معروف باستعادة السيطرة على جبل الزاوية ردت "جبهة النصرة" على وعيده ببيان خاطبته فيه بالقول: "يا جمال كنت ثوريا مقاتلا، لكنك انحرفت عن هذا الطريق ودخلت في متاهات السياسة واستُدرجت بالمال والسلاح، واليوم تُكفرنا وتتهمنا بالعمالة والخارجية. إن من يقاتلك من مجاهدي "جبهة النصرة" هم من سكان جبل الزاوية ويقاتلون في صف الفصائل والأهالي هناك وليست "النصرة" وحدها هي من تقاتلك".

 

مبادرات ذهبت أدراج الرياح

يرى مراقبون أن الاقتتال بين "جبهة النصرة" و"جبهة ثوار سوريا" يأتي في ظرف ميداني لا يصب لصالح فصائل المعارضة المسلحة بجميع أشكالها وانتماءاتها بعد الضربات المؤلمة التي تلقتها على يد الجيش السوري في أرياف دمشق وحلب وحماه وحمص وإدلب، الأمر الذي دفع أوساطاً عديدة لمحاولة التهدئة بين الجبهتين المتقاتلتين كان أهمّها مبادرة تحت اسم "ولا تنازعوا"، تطالب المبادرة بوقف إطلاق النار من الطرفين، وإطلاق سراح المحتجزين لديهما إضافة إلى تسليم جثث القتلى، كما طالبت الطرفين بالانسحاب من المقرات التي تم الاستيلاء عليها قسراً وبشكل فوري، والسماح لبقية الفصائل المقاتلة بنشر قواتها لمنع تجدّد الاشتباكات.

وتقترح المبادرة تشكيل "لجنة شرعية عليا"، مكوّنة من المدعو أبو بصير الطرطوسي، وأبو ماريا القحطاني، وحذيفة عبدالله عزام، وشخصين يرسلهما "المجلس الإسلامي السوري"، لتحقّق في كلّ القضايا العالقة بين "النصرة" و"جبهة ثوار سوريا". وحدّدت مهلة مدتها 24 ساعة، ليستجيب الطرفان لها.لكن المبادرة ذهبت أدراج الرياح واستمرت آلة "النصرة" بسحق معاقل "جبهة ثوار سوريا".

 

جمال معروف.. المتهم

ظهرت "جبهة ثوار سوريا" في الأشهر الأخيرة من عمر الحرب السورية كفصيل مسلح جديد رأى فيه مراقبون أنه بمثابة بداية إعادة الهيكلة لـ "الجيش الحر"، لاسيما مع انضمام عددٍ كبيرٍ من مقاتلي ألوية "أحفاد الرسول"، أحد أكبر مجموعات "الجيش الحر" إلى "جبهة ثوار سوريا" التي أوكلت قيادتها إلى جمال معروف. وبدأت الجبهة تحظى بدعم مالي وإعلامي وسياسي كبير لتقديمها كجبهة مسلحة غير متشدّدة يمكن الاعتماد عليها في مواجهة القوات العسكرية الحكومية. أما جمال معروف فيلقى انتقادات كثيرة من عدد كبير من النشطاء ويتهمونه بالانتهازية والتخفي وراء ستار "الثورة" وأنه كان يعمل على استقطاب المفسدين وقطاع الطرق والمهربين وتجار المخدرات والسلاح.

 

"النصرة" سبقت الرايات البيضاء

المرصد السوري لحقوق الانسان نقل عن مصادر وصفها بالموثوقة أن عشرات العناصر من جبهة ثوار سوريا انشقوا عنها، وانضموا إلى جبهة النصرة، وأن عددا من مقاتلي تنظيم "داعش" وصلوا بشكل فردي إلى قرية البارة وبلدة كنصفرة والريف الشرقي لمعرة النعمان، لمؤازرة "جبهة النصرة" (تنظيم القاعدة في بلاد الشام) في الاشتباكات ضد جبهة ثوار سوريا، في حين كان نحو 15 فصيلاً إسلامياً وفصيلاً مقاتلاً قد اتفقوا على إرسال قوات للفصل بين الكتائب المتنازعة في جبل الزاوية وخارجه باسم "قوات الصلح"، حيث طلبت من جميع الفصائل المتنازعة تسهيل عمل هذه القوة وعدم التعرض لها تحت أي ظرف كان، وأن هذه القوات ستحمل راية بيضاء لا كتابة عليها لكن "جبهة النصرة" سبقت الرايات البيضاء وحسمت الموقف.

 

"الدواعش" يقتتلون أيضاً

في الرقة دارت معارك شرسة بين "جهاديين" أوزبكستانيين وآخرين شيشانيين وهؤلاء منضوون في تنظيم "داعش"، المقاتلون الأوزبكيون سيطروا على أحد المباني الرئيسية التي كان الشيشانيون يتخذونها مقراً لهم. مصادر أهلية من مدينة الرقة تقول لـ "الشبيبة" إن الخلافات على مناطق النفوذ والسيطرة الأمنية والشرعية بين أحياء الرقة هو السبب الأساسي للاشتباكات التي اندلعت بين عناصر "داعشية" أوزبكية وأخرى شيشانية وان التفوق العددي للأوزبكيين هو الذي أتاح لهم التفوق وأن العشرات من الطرفين سقطوا في الاشتباكات أكثرهم من الشيشان وأنه تردد عن مبعوث شرعي أرسله "البغدادي" للتحكيم وإعادة الأمور إلى نصابها لكن أجواء ثأرية مازالت تسيطر على الموقف هناك وتنذر بجولات اشتباكية أخرى.

 

القوات الحكومية تشجع وتصفق

الجيش السوري يبدو منتشياً لهذه المواجهات الطاحنة بين "النصرة" و"ثوار سوريا" يصفق لنتائجها حيث يكاد يُزاح من أمامه دون أي جهد منه كيان مسلح كبير هو "جبهة ثوار سوريا" من جهة ، وكذلك ستضطر جبهة النصرة لتوزيع مقاتليها على مساحات جغرافية جديدة إضافية ما يعني تمكن الجيش السوري من إحداث ثغرات واختراقات عسكرية لمواقعها في المستقبل من جهة أخرى. وتتقدم قواته متطلعة إلى بلدة خان شيخون بريف إدلب وعينها على مزيد من التوسع الميداني لفك الحصار عن معسكر وادي الضيف الاستراتيجي الذي يشكل قلعة متقدمة في عنق مناطق سيطرة "جبهة النصرة". الجيش السوري كان خلال الأسابيع الأخيرة قد سيطر على عدد كبير من قرى ريف حماه الشمالي والغربي أهمها بلدات أرزة وخطاب والقرى المحيطة بهما وكذلك بلدة حلفايا ثم بلدة مورك الاستراتيجية التي تشكل قاعدة متقدمة ورئيسية لـ"جبهة النصرة" والتي سقطت بعد معارك عنيفة.

 اقرأ أيضاً:

الجيش النظامي السوري يبرع في حرب العصابات

أكثر من نصف الشعب السوري مهدد بالمجاعة