تصبح الكتابة موجعة عندما نريد أن نكتب عن حدث مفجع، أو قصة حزينة انتهت ظلما على أعواد مشنقة، فلا وجه أقبح ولا أقسى من الظلم حين يقاس بكل بشاعات الحياة، وأي حدث بات يشغل ذاكرة تاريخ في زماننا هذا، بقدر ما بات يشغله الظلم المنصب على رؤوس الخلائق، بالرغم من الكذبة القائلة إننا أكثر العصور تحضرا.
قصة ريحانة جباري من تلك القصص التي أوجعت وأبكت ضمير الإنسانية مؤخرا، وما أكثر القصص التي تبكيه كل يوم، وهو يقف عاجزا «متفرجا»، لم تسعفه منظمات حقوق الإنسان، ولا حتى منظمات الأمم المتحدة، التي لم تعد تشكل في الحقيقة سوى اجتماعات فخمة، وخطب رنانة، ودعاية لحضارة عرجاء، ليس فيها ذلك الفارس الذي يجهز جيشه، ويمتطي فرسه استجابة لاستغاثة امرأة ضعيفة، بينما تستمر الإنسانية في انكسارها، أمام كل ما يحدث في عالمنا، وفي منطقة الشرق بالذات، لذلك لا تعجبوا إن ذهبت هذه المنظمات يوما، بل وهذه الحضارة العرجاء إلى مزبلة التاريخ، لأن شؤم الظلم يمنع حتى الأرض الخصبة أن تنبت شجرها.
من نحيب أم ريحانة عندما استلمت جثت ابنتها لا أعرف هل ابتدأت أم انتهت عذابات هذه الأم التي عاشت هذه السنوات السبع العجاف تناضل من أجل إنقاذ ابنتها، فلذة روحها من حبل المشنقة ظلما، منذ ذلك اليوم الذي دافعت فيه ريحانة عن شرفها، حين كانت في التاسعة عشرة من عمرها في بطولة نادرة، تظهر عمق هذا المبدأ، وهذه القيمة، قيمة الشرف الذي تشربته من أمها، حتى ألقي بها في سجن لم يرحم صباها، وقد أظهرت تحقيقات قامت بها منظمة العفو الدولية أن الفتاة تعرضت للتعذيب، والحبس الانفرادي، وحوكمت في ظروف أهملت فيها الكثير من الحقائق والأدلة التي تفيد في قضيتها، وتم منع محاميها محمد علي جداري من لقاء موكلته، أو الاطلاع على قضيتها، وتعيين محام آخر غير ذي خبرة لمتابعة قضيتها بالرغم من المناشدات العالمية، التي كانت تطالب بمحاكمة عادلة لها.
وكأن كل هذا للتأخير في تنفيذ الحكم، وهي تقبع بين جدران سجن موحش، تتسرب من شباكه الضيق سنوات عمرها ليس إلا استغفالا، ومجاراة صورية لهذه الأصوات خارج السجن، حتى كان اليوم الذي نفذوا فيه إرادتهم في شنق البراءة، والعفة، والإنسانية،
في رسالة واضحة للعالم أن الحكم فقط للقوة، والسلطة، والمال، وليس لفتاة سنية من عرب الأهواز أن تقف بشرفها أمام سلطتهم، وإلا كان الموت مصيرها على أعواد المشانق في حدث أصبح مألوفا، ومعتادا وكأن هذه المشانق أصبحت مراجيح لهؤلاء الأشقياء في شوارع طهران.
أعدمت ريحانة وقد كتبت لأمها رسالة قبل أن تعدم علق عليها الكثيرون بقولهم (يئن منها القلب) أنهتها بقولها تواسي أمها الموجوعة، وتقرر حقيقة وسنة ماضية أن في الآخرة محكمة عظيمة، لا يظلم فيها أحد، قاضيها الله العدل الواحد الجبار.
وأنا الآن أستسلم لذلك وأحتضن الموت لأنه في محكمة الله سأقوم باتهام المفتشين وسوف أتهم القاضي، وقضاة المحكمة العليا في البلاد الذين ضربوني.. في العالم الآخر أنا و أنت من سيوجه التهم، وغيرنا المتهمون، دعينا نرى ما يريده الله.
مها محمد
إقرأ أيضاً: