جمع صدام بين الدهاء والميل للعنف في رحلة صعوده من بداياته المتواضعة الى سدة الحكم حيث مارس سلطة مطلقة في العراق على مدى ثلاثة عقود.
ولكن طموحه المفرط الذي دفعه لغزو ايران والكويت وتحدى حلفائه الامريكيين السابقين الذين اتهموه بتطوير أسلحة كيماوية ونووية أدى الى تدمير اقتصاد العراق الغني بالنفط وسقوطه في نهاية الامر.
ونشأ صدام (69 عاما) فقيرا يتيم الاب في تكريت ومن هذه النشأة المتواضعة صعد ليستولي على السلطة مع حزب البعث الذي ينتمي اليه في انقلاب عام 1968.
وانتقل من ممارسة السلطة من وراء ستار الى تولي الرئاسة بنفسه في عام 1979 وفي العام التالي غزا ايران وشن حربا دامت ثمانية أعوام وراح ضحيتها مئات الالاف وتركت آثارها على جيل كامل.
وانهار حكمه حين اجتاحت الدبابات الاميركية بغداد في ابريل نيسان 2003.
والقي القبض على صدام في كانون الاول/ ديسمبر من ذلك العام حين عثر عليه جنود أمريكيون في حفرة قرب تكريت مسقط رأسه.
وكان صدام قد تعهد بأن يموت وهو يقاتل كما فعل ابناه قبل أشهر ولكنه استسلم دون أن يطلق رصاصة واحدة. وذكر الجنود الاميركيون أنه كان مشوشا حين وجدوه في حفرة مغطاة بسجادة قديمة قرب كوخ بسيط في بستان للبرتقال.
وقال للجنود الذين عثروا عليه "أنا رئيس العراق وأريد التفاوض."
ويتألف الكوخ الذي كان يعيش فيه قرب الحفرة من غرفة واحدة بها سريران وبراد به علبة من عصير الليمون وعبوة مقانق وصندوق مفتوح من الشيكولاتة البلجيكية بينما تناثرت على ارض الغرفة أزواج من الاحذية الجديدة في صناديقها.
وقال جنرال اميركي انه وقع في أيدي اسريه "كالفأر" وصدم كثير من العرب الذي أعجبوا بتحديه للولايات المتحدة لاستسلامه بلا مقاومة.
وراي العراقيون الذين عاشوا لسنوات ينظرون لتماثيله وصوره التي تنم عن كبرياء صورا مهينة لصدام في محبسه من بينها صورة له وطبيب يفحص فمه وقد وخط الشيب لحيته الطويلة التي لم تهذب طوال الاشهر التي قضاها مطاردا.
وحكم على صدام في تشرين الثاني /نوفمبر بالاعدام شنقا لارتكابه جرائم ضد الانسانية مثل القتل والتعذيب وغيرها ضد 148 شيعيا عقب محاولة لاغتياله في عام 1982.
وايدت محكمة التمييز الحكم يوم الثلاثاء واعدم شنقا في بغداد يوم السبت.
وفي رسالة كتبت بعد الحكم عليه في نوفمبر تشرين الثاني قال الرئيس المخلوع "ها أنا أقدم نفسي فداء فاذا أراد الرحمن هذا صعد بها الى حيث يأمر سبحانه مع الصديقين والشهداء. وان أجل قراره على وفق ما يرى فهو الرحمن الرحيم وهو الذي أنشأنا ونحن إليه راجعون."
ورحب الرئيس الاميركي جورج بوش بحكم الاعدام واصفا اياه بانه علامة على الطريق نحو الديمقراطية وقدم المسؤولون الاميركيون المحاكمة على أنها شفاء للنفوس في العراق لكن العراق واقع في إسار صراع طائفي وعرقي راح ضحيته الالاف.
وتولي صدام الرئاسة في عام 1979 بعد ان استغل مهاراته في قتال الشوارع وحياكة المؤامرات للوصول بحزب البعث الى السلطة. واحاط نفسه باقاربه من تكريت مسقط رأسه واحتفظ بقبضته الحديدية في حكم العراق رغم الحروب والانتفاضات ومؤامرات الانقلاب ومحاولات الاغتيال.
ويقول اعداؤه إن مئات الالاف قتلوا خلال حكمه القاسي لكنه نجح إلى حد بعيد في احتواء التوتر بين العرب والاكراد وبين الاغلبية الشيعية والسنة الذين كانوا يهيمنون على السلطة.
وكان صدام حليفا للولايات المتحدة التي ساعدته في الحرب ضد إيران ولكن الغرب انقلب عليه عقب غزو الكويت في عام 1990.
ودخل وصفه لحرب الخليج الاولى بانها "ام المعارك" المعاجم.
ولعدة سنوات قامت السياسة الاميركية على احتواء صدام ولكن بعد هجمات 11 ايلول /سبتمبر 2001 اختار بوش العراق كي يكون الهدف التالي بعد أفغانستان في "الحرب على الارهاب".
واحتفظ صدام بالسلطة مع إراقة كثير من الدماء عقب هزيمته في حرب الخليج الاولى بعدما اكتفت القوات التي قادتها الولايات المتحدة بطرده من الكويت وأطيح به في نهاية المطاف في حرب سريعة لم تدم اكثر من ثلاثة أسابيع.
ورغم الجهود الاميركية لاعتقاله فقد نجح صدام في الهروب وعجزت القوات الاميركية عن اعتقاله لمدة ثمانية اشهر سجل خلالها عدة اشرطة صوتية يسخر فيها من متعقبيه ويدعو العراقيين لمقاومة القوات الاميركية.
ومنذ اعتقاله في كانون الاول/ديسمبر عام 2003 امضي صدام السنوات الثلاث الاخيرة من حياته في قبضة القوات الامريكية وتناقضت حياته البسيطة في زنزانة في سجن عسكري مع القصور الفاخرة التي اشتهرت بغرف استحمام مزودة بصنابير من الذهب.
وحين بدأت محاكمته في قضية الدجيل في تشرين الأول/ اكتوبر 2005 مثل امام المحكمة مرتديا بزة انيقة واتخذ موقفا متحديا منذ البداية مصرا على انه رئيس العراق ورفض الاعتراف بالمحكمة التي تدعمها الولايات المتحدة.
وفي تموز/ يوليو ابلغ صدام المحكمة بأسلوبه الواثق المعتاد مستغلا تصوير المحاكمة تلفزيونيا وحرصا على مكانته في التاريخ انه ينبغي له بصفته ضابطا في الجيش ان يعدم رميا بالرصاص وليس شنقا.
وفي آب/ اغسطس 2006 بدأت محاكمة صدام الثانية بتهمة ارتكاب جرائم حرب من بينها الابادة الجماعية ضد الاكراد العراقيين. ولم تكن تلك المحاكمة قد انتهت عندما اعدم ومن ثم تنقضي الدعوى ضده.
وفي ايامه الاخيرة في السجن الذي تديره الولايات المتحدة دعا صدام العراقيين لوقف الاقتتال فيما بينهم وتركيز جهودهم على قتل الاميركيين مضفيا على نفسه صورة أبوية في بلد صاغه حكام الاستعمار الاوروبي من خليط من الطوائف العرقية والدينية.
وكرئيس للعراق نادى صدام بأمور متباينة مثل القومية العربية والإسلام والوطنية العراقية وكان يظهر في الزي التقليدي لفلاح عراقي أو في الزي العسكري او بذلة غربية.
وفي اثناء محاكمته كان صدام يظهر مرتديا بذلة بسيطة بلا ربطة عنق ممسكا بالمصحف بينما كان المحامون والمتهمون الذي يحاكمون معه ينادونه باحترام "السيد الرئيس".
وقال في محاكمة الدجيل "حتى لو ألقوني في نار الجحيم.. استغفر الله.. لقلت لا بأس من أجل العراق ولن أبكي لأن قلبي يعمره الايمان."