المحتوى المكرر "كوبي بيست" بين سوء الفهم والتضليل.. وقواعد غوغل

تاريخ النشر: 30 كانون الثّاني / يناير 2023 - 01:19
غوغل لا يعاقب على المحتوى المكرر "كوبي بيست"

"غوغل لا يعاقب المواقع بسبب المحتوى المكرر"، هذه الخلاصة التي اكدها محرك البحث العملاق كانت كفيلة بوضع حد لجدل استمر طويلا وتسبب بالقلق - ان لم يكن الرعب - لادارات المواقع وخبرائها حول العالم.

 

سوء الفهم، وايضا التضليل المتعمد، كانا ولا يزالان يرافقان تحديثات غوغل المتتالية بشأن المحتوى، وخصوصا منذ صدور التحديث الاشهر "باندا" عام 2011.

كانت غوغل قد سعت من خلال هذا التحديث الى انصاف المواقع ذات المحتوى عالي الجودة، والتي تراجع ترتيبها بحدة لصالح مواقع هزيلة استطاعت التقدم عليها عن طريق التلاعب والتحايل على محرك البحث.

وأحد ابرز محاور تحديث باندا كان يهدف الى تشجيع المواقع على تقديم محتوى متفرد وذي قيمة مضافة، وبالتالي تقليص حجم المحتوى المكرر الذي وصلت نسبته الى 60 بالمئة مما هو  معروض على الانترنت.

لكن ما حدث هو ان بعض المواقع فهمت الرسالة خطأ، واتخذت قرارات متسرعة عادت عليها بمزيد من الضرر، فيما واصلت نظيراتها التي ادركت مرامي التحديث عملها كالمعتاد مع ادخال تعديلات بسيطة ضمنت بقاءها متقدمة بأشواط. 

سوء فهم وتضليل متعمد !

كان الانطباع الذي تولد لدى الكثيرين مع انطلاق تحديث باندا في نسخته الاولى وما تلاه من تحديثات اخرى تقترب وتبتعد عنه في المضمون، هو ان غوغل سيعاقب المواقع التي تنشر المحتوى المكرر، او ما يعرف بـ(نسخ لصق). 

وقد غذت شركات برامج اعادة الصياغة التلقائية هذا الانطباع لترويج منتجاتها، كما فعل محترفو تهيئة المواقع لمحركات البحث (السيو) نفس الامر، بهدف جني ارباح اكثر من المواقع التي راحت تستنجد بهم لتخليصها مما تعتبره ورطة. 

وايضا انضم الى جوقة التضليل فنيو برمجة وتصميم ممن سعوا الى التملص من المسؤولية امام اداراتهم عن تراجع ترتيب المواقع التي يشرفون عليها، وذلك عبر القاء اللوم في هذا التراجع على المحتوى المكرر وليس قلة كفاءتهم.

وتحت وطأة المخاوف وحملة التضليل هذه، توقفت مواقع كثيرة، وخصوصا الاخبارية، عن نشر المحتوى المكرر، وركزت عوضا عن ذلك على اعادة صياغة المواد لتبدو متفردة، كما باتت تلاحق الترند (المواضيع الرائجة) أملا في تحسين ترتيبها.

 

والنتيجة هي اننا بدأنا نشهد تراجعا هائلا في حجم المحتوى المنشور في المواقع الاخبارية، والتي اصبح صحفيوها يمضون وقتهم في عملية اعادة صياغة طويلة للمقالات، وبحيث ان من كان ينجز منهم عشر مواد يوميا، بات بالكاد ينشر خمسا فقط.

ولا يخفى ان حجم الانتاج يعد عاملا مهما يضعه غوغل في الحسبان عند قيامه بتصفية وتحديد ترتيب المواقع، وكذلك تصنيفها من حيث الوزن والسلطة الاعتبارية.

ولم يتوقف الامر عند تراجع حجم المحتوى المنتج، بل شمل جودته، حيث ان اعادة الصياغة تنتج غالبا محتوى اضعف من الاصلي، كما ان تبديل الكلمات من اجل التعمية يتسبب بتشويه المواد التي عادة ما يكون مصدرها وكالات انباء محترفة.

ما هو المحتوى المكرر؟

متأخرا، بدات المواقع تدرك حقيقة ان اعادة الصياغة التي استنزفت وقتها وطاقتها جاءت بنتائج عكسية، وان المحتوى المعاد صياغته يظل في كل الاحوال مكررا من حيث المضمون، وهو ما تستطيع عناكب غوغل رصده بسهولة.

ويؤكد خبير عمليات البحث باري شوارتز هذه الحقيقة في اجابته على سؤال حول كيفية تعريف غوغل للمحتوى المكرر وما اذا كان هو المتطابق من حيث المحتوى (نسخ لصق) ام لغة الترميز (HTML)، ام شبه المتطابق ام المشابه في الموضوع؟.

 

في الاجابة، يقول شوارتز، وهو ايضا مسؤول نشرة نيش سيرفر "لا اتصور ان الامر يتعلق بالمحتوى المتطابق (نسخ لصق)، بل هو المحتوى المعاد صياغته في ذات الموضوع".

كما انه يعزو الكم الهائل للمحتوى المكرر على الانترنت الى برامج إعادة الصياغة والكتابة بالذكاء الاصطناعي التي تزدهر حاليا وتلجأ اليها بعض المواقع بهدف التحايل على محركات البحث وكذلك التعمية على عمليات سرقة المحتوى (الانتحال).

ومن المعروف ان مثل هذه البرامج تتكفل بمهمة اساسية تتمثل في جعل المحتوى المعاد صياغته يبدو اصيلا ومتفردا بنسبة قد تصل الى مئة بالمئة احيانا عند اخضاعه لبرامج اختبار كشف الانتحال (plagiarism check).

""جون مولر منسق جهود بحث غوغل
جون مولر منسق جهود بحث غوغل

 

وطبعا التفرد هنا هو من الناحية التقنية، حيث ان المحتوى المعاد صياغته يكون عبارة عن حشو واعادة ترتيب وتغيير للكلمات، ولا يقدم معلومات نافعة او ذات قيمة، وكثيرا ما يبدو مشتتا وعصيا على الفهم.

على ان الانتحال ليس قضية محورية بالنسبة لغوغل، حيث يرى انها تتعلق بقوانين حقوق الملكية الفكرية، فيما لا يتخطى دوره هو التعامل مع شكاوى تصله بهذا الشان ويتخذ بناء عليها اجراءات قد يكون من بينها ازالة المحتوى المنتحل.

ولكن هل يعاقب غوغل على المحتوى المكرر؟

قبل الخوض في الاجابة، قد يكون من الجدير ايراد رأي مهم ادلت به خبيرة تسويق المحتوى وتهيئة المواقع لمحركات البحث ماري كيت ماك في خضم الجدل المحتدم حول المحتوى المكرر.

ففيما تراه ماري كيت ان "المحتوى المكرر هو اي شئ ليس اصليا"، لكنها تعتبر انه ليس بالضرورة ان يكون كل محتوى اصليا، حيث ان "بعض المحتوى المكرر يؤدي في الواقع وظيفة مفيدة".

والان الى "بحث غوغل"، والذي ينفي تماما ضمن مستند رسمي منشور في مجموعة خدماته، المعلومات حول فرضه عقوبات على المواقع بسبب نشرها المحتوى المكرر.

يقول المستند بعبارات واضحة "لا يمثّل المحتوى المكرّر على أحد المواقع الإلكترونية سببًا لاتخاذ إجراءات بشأن هذا الموقع الإلكتروني"، ما لم يتبين ان الغاية من استخدامه هو "الخداع والتلاعب بنتائج محرّك البحث".

ويقدم بحث غوغل في مستند اخر تعدادا ووصفا لعمليات الخداع والتلاعب التي يتحدث عنها، ومعظمها ان لم يكن كلها يتعلق ببرامج وممارسات تقنية غير مشروعة تلجأ اليها بعض المواقع للدفع بنفسها الى مراتب متقدمة في نتائج البحث.

استخدام المحتوى المكرر لا ينطوي على مجازفة

وايضا، فقد اكد جون مولر، منسق جهود العلاقات في بحث غوغل تكرارا ان محرك البحث لا يعاقب على المحتوى المكرر.

وقال مولر ردا على سؤال من احد مطوري المواقع خلال جلسة حوارية عبر الفيديو حول احتمال تعرضه لعقوبات بسبب بعض النصوص التي تتضمن محتوى مكررا: "اولا وقبل كل شئ، لن تتم معاقبتك بسبب المحتوى المكرر".

واضاف انه "ليس عليك ان تقلق ازاء تخفيض او اسقاط ترتيبك او اي شئ" من هذا القبيل، مشددا على ان غوغل لا يتخذ اي اجراء ضد الموقع الا في حال كان محتواه برمته مكررا، اي ان يقوم بنسخ والاستيلاء على كامل محتوى مواقع اخرى.

وحول ما اذا كانت هناك نسبة يعتمدها غوغل لتحديد ان كان المحتوى المنشور اصيلا ام مكررا، فقد اوضح مولر في تعليق على تغريدة تضمنت سؤالا بهذا الخصوص، انه "لا توجد نسبة"، كما انه لا يمكن قياس ذلك.

""جون مولر يؤكد انه لا توجد هناك نسبة او طريقة يمكن من خلالها رصد المحتوى المكرر
جون مولر يؤكد انه لا توجد هناك نسبة او طريقة يمكن من خلالها رصد المحتوى المكرر

 

وهناك شبه اجماع بين خبراء تهيئة المواقع لمحركات البحث على ان استخدام قدر من المحتوى المكرر (غير اصيل) من قبل المواقع لا ينطوي على اي مجازفة، بحسب ما تؤكده ماري كيت ماك.

وتلفت ماري كيت الى ان هناك مواقع رئيسية تتمتع بثقل واعتبارية على الشبكة تقوم باستمرار باعادة نشر المقالات من مواقع اخرى من خلال نموذج (syndicate)، ومنها مثلا "هافينتغتون بوست" و"باز فيد"، وكلاهما اثبتا نجاحا كبيرا.

حين يتفوق المحتوى المكرر على الاصلي

بالتاكيد علينا ان لا نغفل ان بعض ادارات المواقع تنتهج نشر المحتوى المتفرد (الاصيل) لاعتبارات تتعلق بسياساتها الداخلية وليس خشية من خرافة عقوبات غوغل. 

لكن من المعروف ان مثل ذلك النهج يتطلب موارد ضخمة وعددا هائلا من المحررين، كما انه لا يخلو من مجازفة.

وتبقى الاشارة الى ان تجارب لمواقع مرموقة، اثبتت ان المحتوى المكرر القائم على تنوع المصادر والعناصر، كثيرا ما تفوق على المحتوى الاصلي المعتمد غالبا على مصدر واحد، ويتناول عنصرا او اثنين فقط من عناصر الموضوع.

علما ان مثل تلك المواقع تمارس عملية استخدام المحتوى المكرر في اطار ضوابط واعراف مستقرة في الصحافة، ابرزها مراعاة  نسب الاستخدام العادل للاقتباسات ومعلومات المصادر، وامانة نقلها وعزوها الى اصحابها وعدم تحريفها وتطويعها. 

والاهم من كل ذلك هو انها تستعين بمحررين محترفين يتقنون اعداد مقالات بالاعتماد على مصادر متعددة، ويتمتعون بملكة استنباط العلاقات بين العناصر وفهم تداعياتها والتقاط ما خفي من زواياها التي غالبا تفوت او لا يتطرق اليها الاخرون.


© 2000 - 2023 البوابة (www.albawaba.com)

مواضيع ممكن أن تعجبك