أمانة
محمد داود حموده (23 عاماً)، شاب هادئ وادع، محب للخير، مع استمرار العدوان واشتداد القصف الإسرائيلي على كل شبر في القطاع، واستهدافه للمدنين، شعر بحالة من الرعب والقلق، ليس خوفاً من الموت ولكن من دين طوق رقبته ولم يرده، القصف متواصل ولا يستطيع الآن السداد، فهو لا يملك ما يقدمه. قطع قصاصه ورق وخط عليها أدين لفلان وفلان بمبلغ كذا وكذا ودسّ الورقة في جيبه تحسباً، ورغم الفقر المدقع الذي كان سمة غزة بفعل الحصار، كان مجموع دينه نحو ستة دولارات، هذا ما وجده المسعفون حين انتشال جثمانه صبيحة الأربعاء 23 تموز في محيط مسجد البركة في بيت لاهيا، حيث تعود الصلاة.
من عمر السلام
رائد سالم الرضيع (21عاماً) كان رضيعاً مع بداية تطبيق اتفاقية السلام، كان والده بعمره تقريباً حينها، يجلس وسط من قدم للسلام على شقيقه الأكبر الراحل المناضل والسفير يوسف رجب الرضيع، كان رائد نديم والده في تلك الامسيات، يضحك، يبكي، يلعب.
رائد ابن الأمل بالاستقرار والاستقلال والدولة التي كانت على مرمى رؤية وخطوة ورغبة. كانت يجب أن تقام قبل نحو 15 عاماً، بشهادة الدول العظمى التي ما تزال تشهد بغياب الرؤية، وتعثر الخطوة، وانعدام الرغبة، لأنها بالأساس لم تكن موجودة لدى الطرف الاسرائيلي الذي لا يريد أن يفهم سوى لغة المدفع. يغادر رائد حيث السلام، الى جوار ربه ومعه من أحب، شقيقته الصغرى "سلمى" ابنة العامين وابن عمه "اياد" (19 عاماً)، ارتقى ثلاثتهم صبيحة يوم الأربعاء 23 تموز بصاروخ من طائرة استطلاع. ولد رائد مع بداية الأمل ويقضي مع سلمى، والأمل يتلاشى بفعل الإرهاب الإسرائيلي الذي اختطف ما تبقى من عمر رائد، ومستقبل سلمى، فهل يموت السلام؟.
عندما يبكى الرجال
الإعلامي اللبناني عرفات حجازي، بكى بيروت عندما قصفت الطائرات الإسرائيلية المدينة عام 1982، فدمرتها وقتلت مئآت الضحايا من المدنيين، وفي العام نفسه كانت اسرائيل الفاعل الرئيس في مجزرة صبرا وشاتيلا، فبكى الرجال قهراً.
بعد نحو ثلاث عقود، لم يتمالك ثلاث رجال انفسهم فانهمرت دموعهم عقب المجزرة الشنيعة التي ارتكبتها مجدداً قوات الاحتلال الإسرائيلية، فجر يوم الأحد 20 تموز2014 في حي الشجاعية شرق غزة، الأول الاعلامي الفلسطيني وائل الدحدوح، لم يستطع أن يستعيد على الشاشة ما شاهدته عيناه على الارض، فترك الشاشة العربية امام ضميرها.
الثاني اسامة القواسمي، الناطق الاعلامي باسم حركة فتح، انفجر في وجه الاحتلال وعلى شاشته عندما انكر المحتل على لسان "غوبلزه" استهداف المدنيين، فصرخ في وجهه "هل بلغت وقاحتكم أحتكار الضحية وإنكار الآف الضحايا ومئات المنازل المدمرة"، ومع ذلك بقي القاتل جامداً. أما الثالث فهو مندوب فلسطين في الأمم المتحدة رياض منصور الذي بكى الامم المتحدة ومجلس الأمن لغياب إراتهما في وقف المجزرة وانصاف الضحية ولو ببيان اعمى. لك الله ياشعب فلسطين.