وصف الأمين العام لمجلس التعاون الخليجي قمة زعماء الدول الأعضاء بالمجلس التي كانت تهدف إلى عقد مصالحة بعد انتقادات لاذعة على مدى شهور بأنها "قمة الفرحة" ولكن رغم تعهد الدول الأعضاء بالالتزام بالوحدة فإن انعدام الثقة لايزال مستمرا.
وقال الشيخ تميم بن حمد آل ثاني أمير قطر الذي استضاف القمة يوم الثلاثاء "لا يجوز لنا أن ننشغل بخلافات جانبية حول التفاصيل." كانت كلماته دعوة للوحدة لكنها أيضا رسالة ضمنية لمنتقدي الدوحة بسبب دعمها لجماعة الاخوان المسلمين التي تنظر إليها دول خليجية أخرى على أنها عدو خطير.
وقدمت قطر مدفوعة بواقعيتها السياسية والرغبة في حماية مصالحها، تنازلات كبيرة ظاهريا لدول الخليج خلال قمتها في الدوحة عبر الانضمام الى الموقف السياسي الداعم للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي وادانة الميليشيات الاسلامية في ليبيا، وهي التي جعلت من دعم الاخوان المسلمين خيارا اساسيا لها خلال السنوات الاخيرة.
وبحسب المحللين، لن تقطع قطر على الارجح علاقاتها مع الاخوان المسلمين الذين تعتبر انهم ما زالوا يشكلون تيارا عريضا في العالم العربي، الا انها عازمة على الحد من تداعيات هذا الدعم على مصالحها السياسية والاقتصادية وطموحاتها الرياضية الكبيرة.
والقمة التي انعقدت الثلاثاء لساعتين فقط لكن مجرد انعقادها يعد نجاحا بعد تسعة اشهر من التازم كانت الاسوا في تاريخ مجلس التعاون منذ تاسيسه في 1981، انتهت باعلان "مساندة المجلس الكاملة ووقوفه التام مع مصر حكومة وشعبا في كل ما يحقق استقرارها وازدهارها".
كما اكد قادة الخليج، ومن بينهم امير قطر الشاب الشيخ تميم بن حمد ال ثاني، دعم "برنامج الرئيس عبد الفتاح السيسيي المتمثل بخارطة الطريق"، وادانة "تحكم المليشيات وسيطرتها على الساحة الليبية".
وتتهم قطر بمساندة ميليشيات اسلامية مرتبطة بالاخوان المسلمين في ليبيا، فيما يعتقد ان الامارات شنت في اب غارات على مواقع للاسلاميين في ليبيا.
وتملك قطر التي يبلغ عدد مواطنيها ربع مليون نسمة فقط، ثالث اكبر احتياطي من الغاز في العالم.
وقال المحلل السياسي المخضرم المقيم في لندن عبد الوهاب بدرخان لوكالة فرانس برس "هناك تنازلات كبيرة قدمتها قطر في ما يتعلق بمصر وليبيا".
واشار ايضا الى تنازل "حتى بالنسبة للصياغة في موضوع البحرين ووضعه في سياق مكافحة الارهاب، الامر الذي يتعارض مع موقف قطر التي تعتبر الاحتجاجات (التي يقودها الشيعة) احتجاجات شعبية".
وبحسب بدرخان، فان الدافع نحو التراجع الظاهر لقطر الداعمة الابرز للاخوان المسلمين وللرئيس المصري المعزول محمد مرسي، هو "الواقعية السياسية من جهة، وخيار البقاء في مجلس التعاون من جهة اخرى" بعد ان وصل المجلس الى حافة التفكك.
وقد يكون تقديم التنازلات خلال قمة تستضيفها خيارا يحفظ ماء الوجه لقطر ولا يبدو كتنفيذ املاءات.
وكان الموقف من مصر في اساس الخلاف الخليجي الذي انفجر بسحب السعودية والامارات والبحرين في اذار سفراءها من الدوحة في خطوة غير مسبوقة. وقد توصلت دول الخليج الشهر الماضي الى اتفاق مصالحة سمح بعودة السفراء.
ولكن التنفيذ الحقيقي للانعطافة القطرية في الشكل يبقى موضع تساؤل، سيما ان خيار دعم الاخوان المسلمين او ما يعرف بتيار الاسلام السياسي، بدا متجذرا في السياسة القطرية منذ سنوات، بما في ذلك عبر ذراعها الاعلامية قناة الجزيرة التي تم تغير خطها التحريري.
وقال مصدر خليجي لوكالة "فرانس برس" "قد تكون قطر قررت تقديم تنازلات شكلية لانقاذ الاجندة، اي انعقاد القمة، والانضمام الى بيانات قد لا تغير كثيرا في سياستها".
واضاف "ان الاشهر المقبلة ستظهر ما اذا كانت قطر غيرت فعلا سياساتها ام انها غير راغبة او غير قادرة على ذلك".
اما عبد الوهاب بدرخان، فاعتبر ان التنازلات في قمة الدوحة "لا تعني ان قطر ستقطع علاقاتها مع الاسلام السياسي لان العلاقة فيها مصالح والتيار لا يزال كبيرا في العالم العربي".
الا ان قطر "لا تريد ان تفسد صبغتها بتيار الاسلام السياسي علاقاتها الخليجية والدولية، هي التي لديها طموحات سياسية ورياضية كبيرة واجهت بدورها انتكاسات"، في اشارة الى تعثرات استضافتها لكاس العالم لكرة القدم في 2022.
واعتبر ان قطر "تتعاطف مع التيار الاسلامي بما يخدم مصالحها اي انها تفيده وتستفيد منه، ولكن تريد في النهاية تحقيق مصلحتها".
وسبق ان طلبت قطر من عدد من قياديي الاخوان المسلمين مغادرة الدوحة، الا ان مصادر مختلفة تؤكد ان شخصيات اسلامية اخرى لا تزال تحظى بملجأ قطري، لاسيما الداعية الاسلامي البارز يوسف القرضاوي، وان خف ظهوره الاعلامي.
كما اوقفت قطر عمليات التجنيس التي شملت بحرينيين سنة وكانت من بين ابرز الخلافات مع الدوحة، وتوقفت بحسب مصادر خليجية عن احتضان معارضين خليجيين لاسيما سعوديين.
وبعد ان بدا النفوذ القطري الدبلوماسي متضخما مع انطلاقة الربيع العربي ومع ضمور القوى العربية التقليدية، وبعد انتكاسات دعمها للاسلاميين كقوة عابرة للدول العربية يمكن ان تستفيد من صعودها الى السلطة، تعود السياسة القطرية الى شيء من التوازن.
وقال المحلل السياسي الكويتي عايد المناع ان "قطر كانت امام خيار الخروج من مجلس التعاون، الا انها قررت البقاء ضمن البيت الخليجي لان مصالحها فيه".
لكنه قال انه "لا يجب الاستعجال في قطف ثمار هذا القرار" فيما "بات يتعين على مصر ايضا ان تقوم بخطوات تجاه قطر".
وفي مارس آذار استدعت المملكة العربية السعودية والامارات العربية المتحدة والبحرين سفراءها من قطر بسبب مساندتها للإسلاميين وأعادتهم فقط الشهر الماضي بعد أن بذلت الكويت جهودا مكثفة للوساطة حتى يتسنى عقد القمة.
وقبل عقد القمة كان مسؤولون خليجيون يتوقون للإعلان المتوقع عن إنشاء مركز قيادة عسكري مشترك جديد مقره الرياض على أن توفر كل دولة وحدات يستطيع استدعاءها في حالة وقوع أزمة.
لكن البيان الختامي اكتفى بالتعبير عن الرضا عن الجهود المبذولة لتحقيق هذا الهدف الذي أعلن للمرة الأولى في عام 2012 وتمت الموافقة على إخضاعه لمزيد من الدراسة. وتشكلت وحدة شرطية مشتركة مقرها في أبوظبي وتركز على المسائل الأمنية.
وقال محلل سياسي خليجي إن الدول الخليجية أرادت أن تنجح هذه القمة ومن ثم قررت ألا تتحدث عن الأمور التي ما زالت محل خلاف.
وقال أستاذ العلوم السياسية الاماراتي عبد الخالق عبد الله إن المجلس كان يعمل "بالحد الأدنى" من التعاون مشيرا إلى أن مجرد عقد القمة يمثل انجازا.
وأضاف أن عقد القمة في الدوحة أمر إيجابي إذ أنه قبل أسابيع فقط لم يكن من المتوقع أن تعقد.
ويمثل دعم قطر لجماعة الاخوان المسلمين التي تنظر اليها بقية دول الخليج بكثير من التشكك أكبر نقطة خلاف منذ اندلاع انتفاضات الربيع العربي.
وكان قرار قطر بأن يغادر بعض أعضاء جماعة الاخوان المسلمين البلاد وتعهداتها للدول الأخرى في مجلس التعاون لدول الخليج العربية بألا تمنح الجماعة منبرا في الخليج كافيا لمصالحة رسمية إلا أنها لم تحل الخلافات المستمرة بشأن السياسة الخارجية.
وهناك خلافات أيضا على صعيد السياسة تجاه إيران التي تعتبرها كل من السعودية والبحرين عدوا وبشأن الشكل النهائي للمجلس. وتخشى بعض الدول الأعضاء أن يؤدي المزيد من الاندماج إلى هيمنة السعودية عليها.
* إيران ومصر وليبيا
منذ أن تأسس مجلس التعاون لدول الخليج العربية عام 1981 لتوحيد الصفوف بعد قيام الثورة الإيرانية نجح في تقوية العلاقات لكنه لم يبذل جهدا يذكر لاحراز تقدم نحو هدف تحقيق مزيد من الوحدة.
وكثيرا ما تدعو القمم السنوية للمجلس إلى علاقات أوثق ولكن الجهود المبذولة منذ فترة طويلة لإنشاء اتحاد جمركي ودرع صاروخية وأهداف أخرى لم تحقق تقدما يذكر.
وامتدت المحاولات لإظهار حسن النوايا الى قرار المجلس الإشادة بعمان للدور الذي لعبته حين استضافت محادثات سرية بين الولايات المتحدة وإيران مهدت للتوصل للاتفاق المبدئي الذي أبرم العام الماضي لعقد مفاوضات رسمية بشأن طموحات طهران النووية.
وقال دبلوماسيون في الخليج آنذاك إن دول مجلس التعاون تساند المحادثات بشرط أن تضمن عدم اكتساب إيران قدرة عسكرية نووية لكن مسؤولين سعوديين عبروا في أحاديث خاصة عن غضبهم إزاء الدور الذي لعبته مسقط من أجل التوصل للاتفاق.
ورغم أن المجلس عبر عن دعمه لمصر التي توترت العلاقات بين حكومتها وقطر بسبب دعم الدوحة لجماعة الاخوان فإنه لم يعلن عن أي مبادرة جديدة لاصلاح العلاقات بين الدولتين.
وفي حين اتفق المجلس على إدانة دور الفصائل المختلفة في ليبيا فإنه لم يحدد أيا منها هي التي تتحمل القدر الأكبر من اللوم في الصراع الذي تدعم فيه قطر والامارات فصائل مسلحة متناحرة.
وفي آخر لحظة اختصرت القمة من يومين الى يوم واحد.
وقال مسؤول خليجي لرويترز "نحن متفقون في كل القضايا ومن ثم لسنا بحاجة لمزيد من الوقت. نرى أن هذا مؤشر إيجابي وصحي جدا."