بسام العنتري
ان كان قرار عرض مسلسل معاوية من قبل مجموعة "ام بي سي" العملاقة ياتي في سياق اعادة قراءة موضوعية ومنصفة لهذه الشخصية المفصلية في التاريخ الاسلامي، فنعما هو، والا، فالرجوع عنه اولى.
لاول وهلة، بدا القرار وكأنه نتاج عقلية تسويقية ترى فرصة لتحقيق "ترند" جارف عبر العزف على وتر الجدلية التي رافقت الاسم لمئات السنين، ولا تزال على اشدها في نفوس ملايين المسلمين.
لكن هذا الاحتمال ضعيف.
والارجح ان قرارا بهذا الحجم لا يُترك لفرد ولا قسم في "ام بي سي" المملوكة لمستثمرين سعوديين، ولا حتى ادارة الشبكة نفسها، بل هو اكبر بكثير، من حيث انه يتداخل فيه الديني مع السياسي، ما يستدعي بالضرورة مستويات اعلى تشارك فيها حكومات، وربما تحالفات دولية.
طبعا، ليس من الحكمة القفر الى افتراض سوء النية لدى الحكومات، مع ان ذلك مبرر بحكم تجارب الشعوب مع التوظيف السياسي الرسمي للشخصيات والوقائع التاريخية.
فلعل في الامر جديدا ينطوي على محاكمة علمية وعادلة للرواية التاريخية لشخصية معاوية، وبما يتساوق مع خطاب الحكومات المعلن حول قبول الاخر وتعظيم المشتركات ونبذ اسباب الشقاق والخصومة.
لكن التفاؤل برؤية مثل هذا الطرح على الشاشة خلال رمضان المقبل، يبدو ضعيفا وفقا للمعطيات القائمة حتى الان على الاقل، وفي مقدمتها واقع المصادر التاريخية التي تتعارض وتتناقض، ولا يمكن الجزم بدقة بعضها اكثر من غيرها.
وبالتالي، لا يجدر التعامي عن المخاوف من ان ترتد المعالجة الدرامية لشخصية معاوية ابن ابي سفيان في المسلسل بنتائج لا تسر الخاطر، وتؤدي الى اذكاء نار الجدل المستعر حوله بين المسلمين.
من حق كل من تعرض للضخ الاعلامي المكثف الذي تناول هذه الشخصية في الفضائيات ومنصات التواصل في الاعوام الاخيرة خصوصا، وسره او ساءه ما سمع ورأى، ان يقف على رواية تحترم ذكاءه وتنتشله من دائرة الغلو في حب او بُغض معاوية.
هي اذن معادلة شبه مستحيلة مطلوب من المسلسل تحقيقها على قاعدة "لا منتصر ولا مغلوب". وان لم يكن بمقدور القائمين عليه تحقيق ذلك، فإلغاء عرضه أولى، لان جدليته ستتمحور حينئذ حول محاكمة عبثية للرجل من اجل اما انصافه او انصاف التاريخ منه!.
ومؤكد ان مثل تلك المعالجة لن ترضي لا كارها ولا محبا له، وستزيد من شحن النفوس.
اما ان كان دافع العرض هو جذب المشاهدين عبر مسائل مستفزة تثير الجدل على غرار ما نراه في برنامج "كلام الناس" الذي تقدمه مُنظّرة الحرملك ياسمين عز (وهو احتمال ضعيف كما اشير سالفا)، فان "ام بي سي" تكون حينها قد اثبتت ان قرارها بات مختطفا من قبل حفنة لاهثين وراء الترند، وبأي ثمن.