يرى عدد غير قليل من المتابعين للشأن العراقي ان الصعوبات العسكرية المتعلقة بعملية تحرير الموصل من قبضة تنظيم "داعش"، اسهل بكثير من المصاعب الناجمة عن الخلافات المحلية والإقليمية والدولية حول ادارة المعركة وشروطها، الى جانب مشاكل ادارتها التي تلوح في افق المدينة بعد عملية التحرير. ولعل المعركة الكلامية الاخيرة بين رئيس مجلس الوزراء العراقي حيدر العبادي والرئيس التركي رجب طيب اردوغان كشفت عن ملامح بعض تلك الصعوبات حول معركة الموصل.
وحسب تقرير لصحيفة النهار اللبنانية فانه كان الرئيس التركي انتقد قبل ثلاثة ايام رئيس الوزراء حيدر العبادي، قائلا: "أنت لست ندًّا لي ولست بمستواي، وصراخك في العراق ليس مهما بالنسبة لنا على الإطلاق، فنحن سنفعل ما نشاء" فرد عليه العبادي بالقول: "لسنا نداً لك وسنحرر ارضنا بعزم الرجال وليس بـ"السكايب".
صحيح ان معركة الزعمين تمحورت حول تواجد قوة عسكرية تركية في ناحية بعشيقة التي تبعد نحو 25 كيلومترا عن مركز الموصل، لكن معرفة تفاصيل اكثر عن التواجد العسكري التركي في العراق تبين ان القصة ابعد من مجرد قوة عسكرية تركية صغيرة في بعشيقة، فالمعلومات المتوفرة، تشير الى وجود قواعد عسكرية تركية داخل الاراضي العراقية منذ عام 1995، استنادا الى اتفاقية ابرمها نظام الرئيس الراحل صدام حسين مع الجانب التركي، سمحت للقوات التركية بالتواجد في مناطق شمال العراق (اقليم كردستان) لمطاردة عناصر حزب العمال الكردستاني (PKK).
وتؤكد بعض المصادر الاستخباراتية وجود قواعد عسكرية كبيرة داخل الاراضي العراقية في الوقت الحالي، منها قاعدة بامرني (45 كلم شمال دهوك) التي انشئت منذ عام 1997، اضافة الى ثلاثة قواعد اخرى صغيرة في العمادية(70 كيلومترا شمال مدينة دهوك) وكانيماسي (115 شمال دهوك) وسيرسي (30 كلم شمال زاخو) على الحدود العراقية التركية، وثمة مصادر عسكرية عراقية تتحدث عن وجود 17 موقعا تركيا عسكريا وامنيا في مناطق مختلفة شمال العراق واقليم كردستان.
اذن قصة خلاف العبادي – اردوغان ربما لا تتعلق بالقوة العسكرية التركية في بعشيقة، مع وجود هذا الكم الكبير من المواقع التركية في العراق، انما تتعداها لتصل الى طبيعة التخطيط والمشاركة والادوار التي تتطلع اليها الاطراف المختلفة، قبل وبعد معركة تحرير الموصل، فالرئيس التركي اردوغان اعلن بشكل واضح عدم قبوله بمشاركة قوات الحشد، ويقصد بها الفصائل الشيعية المقاتلة في تحرير الموصل، مشددا على ضرورة بقاء المدينة بعد تحريرها لـ"أهاليها فقط من السنة العرب والسنة التركمان والسنة الأكراد".
ولم يتردد في القول اننا "سنبذل قصارى جهودنا في عملية تحرير الموصل، ويجب أن نكون على طاولة الحل ولا يجب أن نكتفي بالمراقبة". وفي ذلك اشارة واضحة إلى الدور الاساسي والفاعل الذي يبحث عنه الاتراك في مجمل محافظة نينوى بعد طرد تنظيم "داعش" منها. ولعل ذاك هو الاساس الذي استندت عليه معركة العبادي – اردوغان الاخيرة، ذلك ان رئيس الوزراء العراقي يتعرض الى ضغوط كبيرة من مختلف القوى الشيعية، وخاصة بعض فصائلها القريبة من ايران غير الراغبة بالدور التركي في العراق عموما والموصل على وجه الخصوص، وقد صدرت عن بعض تلك الجهات تهديدات كثيرة لتركيا وتصريحات متعددة حول عزمها المشاركة في عملية تحرير الموصل. الى جانب الضغوطات التي يفرضها التواجد المكثف لقوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الاميركية، صحيح ان الحكومة الاميركية تشترط موافقة الحكومة العراقية للمشاركة في اية عملية عسكرية، لكن غموض الموقف الاميركي عموما من التواجد التركي قد يشير الى القبول الضمني بذلك التواجد.
على صعيد آخر، يكشف سكوت حكومة الاقليم عن الدخول التركي، عن رغبة كردية مضمرة في دور تركي محوري في معركة الموصل، فحكومة الرئيس مسعود البارزاني تتمتع بعلاقات جيدة مع الاتراك، قد تسّهل عليها تحقيق طموحها في القيام بدور اساسي في نينوى بعد مرحلة "داعش". خلافا للدور الذي قد تحصل عليه في حال مشاركة قوى الحشد الشيعية الجدية في معركة التحرير.

قصة خلاف العبادي – اردوغان ربما لا تتعلق بالقوة العسكرية التركية في بعشيقة