مارغريت تاتشر: شجعت أميركا في حرب الخليج وساهمت في الحظر على العراق

تاريخ النشر: 09 أبريل 2013 - 03:00 GMT
رئيسة الوزراء البريطانية الراحلة مارغريت تاتشر.
رئيسة الوزراء البريطانية الراحلة مارغريت تاتشر.

ماتت «المرأة الحديدية»... مارغريت تاتشر، «ابنة البقال» التي غيّرت وجه بريطانيا في السياسة والاقتصاد. غلبها الخرف في السنوات السبع الماضية، ووضعت حداً لـ88 عاماً من حياتها جلطة في المخ أصابتها أمس. تاتشر، وإن غابت في السنوات السبع الماضية عن الحياة العامة نزولاً عند رغبة الأطباء، إلا أن مدرستها «التاتشرية»، التي أرستها كأول رئيسة للحكومة في تاريخ بريطانيا، بقيت حاضرة يتناقلها خلفاؤها من بعدها، ويتأثر بها العالم بمختلف أنحائه.

يحفظ البريطانيون والعالم لتاتشر جملتها الشهيرة: «أنا مع الإجماع. الإجماع حول ما أريده». كما يحفظون ما قالته: «إن كنت تطلب خطابات اسأل الرجال، اما إن أردت أفعالاً فاسأل النساء». هكذا لم تكن المرأة التي أسماها فرانسوا ميتران «الرجل الوحيد في الحكومة البريطانية» أقل من لقبها. أثبتت كيف تفوق المرأة الرجل حنكة في السياسة ودهاء في الحكم... وقسوة إلى حدّ الظلم المفرط.

اتهمها كثيرون بانها خلفت تشوهات جذرية في المنظومة الاقتصادية واقتصاد السوق. صحيح أن تاتشر تمكنت من إنعاش اقتصاد «الرجل المريض في أوروبا»، متأثرة بمدرسة ميلتون فريدمان، لكن ذلك لم يشفع لها أمام مواقفها المتشددة في السياسات الاقتصادية النيوليبرالية، التي تشجع على اقتصاد السوق الحر والمفتوح، والتي أثرت ليس فقط في الاقتصاد البريطاني، بل في إرساء نظام اقتصادي عالمي جديد، بات يوصف بأنه نظام متوحش، يزيد من غنى الأغنياء ويعمّق من فقر الفقراء.

هكذا تغيب تاتشر اليوم عن بريطانيا من دون أن يغيب إرثها كأطول رئيس حكومة عهداً في بريطانيا (1979 حتى 1990)، وأقواهم تأثيراً منذ ونستون تشرشل. الأدلة كثيرة على ذلك، رئيس الوزراء الحالي ديفيد كاميرون لم يشذّ عن خطة التقشف الصارمة، وكذلك فعل سلفه طوني بلير. أما اللافت فكان أن بريطانيا باتت اليوم أكثر «تاتشرية» مما كانت عليه أيام تاتشر. الأمر ذاته هو ما دفع معارضيها إلى انتقاد موتها بسخرية وصولاً إلى قول بعضهم: «الجحيم سيخصخص الآن».

لم تكن بصمة تاتشر واضحة في الاقتصاد فحسب، فهي قادت حرب جزر الفوكلاند في العام 1982، ودفعت القيادة الأرجنتينية إلى الاستسلام. حينها قالت: «ولى الزمن الذي كنا فيه أمة تكتفي بالدفاع، إننا سعداء لأن بريطانيا أعادت إشعال جذوة تعتمل فيها منذ أجيال وأصبحت اليوم اكثر توهجا». وفي العام 1984، نجت بأعجوبة من محاولة اغتيالها بقنبلة موقوتة كان أحد أفراد الجيش الجمهوري الأيرلندي قد زرعها في مبنى الفندق. كما برزت تاتشر بقيادتها حملة ديبلوماسية نشطة أسست بها عقدا استراتيجيا مع الرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان. هو كان «حبها الثاني»، وقد سطرا معاً نهاية للحرب الباردة، حيث عُدّت تاتشر المدمرة الأولى للاتحاد السوفياتي السابق، والمعجلة بانهيار المعسكر الشرقي.

ساهمت تاتشر بفاعلية في التمهيد لحرب إخراج القوات العراقية من الكويت، من خلال حشد 45 ألف جندي بريطاني للمشاركة تحت لواء قوات التحالف، وهو عدد لم تشارك فيه بريطانيا في أي حرب منذ الحرب العالمية الثانية. وبحسب الرئيس الأميركي الأسبق جورج بوش الاب، فإن تاتشر كانت من شجع أميركا على إرسال الجنود للدفاع عن الكويت، وهي كانت قالت له: «تذكر يا بوش انه لا وقت للتردد... نريد حلفاً دولياً يقي الخليج من الأطماع الصدامية». كما طلبت من بوش الاب فرض حظر اقتصادي على العراق، ساهم في السنوات اللاحقة في دمار حياة العراقيين. وقبل ذلك، كانت تاتشر قد تابعت الاجتياح الإسرائيلي للبنان في العام 1982. ومهما كانت مواقفها الضمنية، بحكم علاقتها «الحميمة» بريغان المعروف بموقفه الداعم لإسرائيل، إلا أنها خرجت لتدين بشكل علني الاجتياح. كما نشرت رسالة موجهة من ريغان إليها يثني فيها على موقفها الداعم للسلام، ويدعوها للتنسيق معه لأجل تسريع انسحاب القوات الإسرائيلية من لبنان.

ورثت تاتشر شخصيتها الصدامية عن أبيها. اعترفت بذلك مراراً. قناعاتها كانت وليدة تربية صارمة لوالد بروتستانتي ميتودي يعمل في مجال البقالة، أما حب الموسيقى والمطالعة فورثته عن أمها. حصلت على شهادتين في الكيمياء والأدب، لكنها أصبحت محامية بعد زواجها في العام1951  وانضمت إلى حزب المحافظين ثم في العام 1959 دخلت مجلس العموم نائبا عن فينشلي (شمال لندن)، ثم تولت في العام 1970 و1974 وزارة التربية.

كان العام 1975 مفصليا في حياة تاتشر باختيارها أول رئيسة للحزب في التاريخ البريطاني، ولم تمض سوى أربع سنوات حتى تولت رئاسة الوزراء. في العام1987، ضمنت تاتشر الفوز في الانتخابات العامة، وأصبحت بذلك أول قائد سياسي بريطاني يكسب ثلاثة انتخابات وطنية متتالية. لكن طبعها العنيد ارتدّ عليها. ودقّ رفض ضريبة محلية «بول تاكس» ناقوس نهايتها السياسية. وإزاء الاحتجاجات عليها حتى من داخل حزبها، قدمت استقالتها بعيون دامعة في العام 1990. وتم انتخاب جون ميجر خلفا لها. ظلت تاتشر في مجلس العموم حتى العام 1992، وقد منحت لقب البارونة.

لم تستطع تخطي وفاة زوجها دنيس تاتشر في العام 2003، ومنذ العام الماضي تدهورت صحتها إلى حدّ كبير. وقد أعاد فيلم «السيدة الحديدية» العام الماضي، الذي قامت ببطولته ميريل ستريب، إشعال الجدل حول إرث تاتشر السياسي.