دمشق: نبيل الملحم
مركز انطلاق مركبات دمشق- بيروت، مازال يعمل،وحركة السفر من دمشق الى مناطق مختلفة من لبنان، ارتفعت معدلاته بعد الحرب، أما سائق (الدودج) نضال السبع، فلم يسمع عن حدود اغلقت : " لأن الحدود اللبنانية السورية لم تغلق، والموضوع تمت تسويته".
سائق (الدودج)، ربما يكون أكثر خبرة في العلاقات السورية – اللبنانية، والى أين ستتجه، فالسيارة الأمريكية المصنعة سنة 1969، مازالت بكامل جاهزيتها، ومازالت تتسع لخمسة ركاب، غالبا ما ينتظرون لساعت في مركز نقليات البرامكة في دمشق، ليحين موعد انطلاق سيارتهم، بعد مرور بطاقاتهم الشخصية على مركز الشرطة، ومن وصول الدور إليهم، ومن ثم شراء علبة مناديل ورقية للتخفيف من التعرق الموجع الذي يصيبهم تحت شمس دمشق، التي تتجاوز في أحيان كثيرة نشرات أخبار الطقس، وهي نشرات طالما حسنت من المناخ، ربما لأسباب تتصل بالترويج السياحي، أو لتفاؤل يحكم هذه النشرة منذ أن أخذت مكانها فوق الشاشة السورية، منتصف الستينيات.
نضال السبع، السائق المحترف، كما غيره من سائقي خط بيروت – دمشق، ليس مرغما على متابعة نشرات الأخبار، فهو واحد من الذين يعيشون قلب الحدث.
حدث أو أحداث قصف المصنع
حدث أو أحداث الاضطرابات في العلاقات اللبنانية – السورية أعقاب مقتل الرئيس الحريري
وحدث أو أحداث الاضطرابات التي وقعت للعمال السوريين في لبنان بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان.
كل الأحداث ستنتقل في المسافة البالغة 3 ساعات سفر.. تنتقل عبر شهود كانوا في هذا الجانب أو ذاك، وقد مرت سنتين مليئتين بالأحداث، جعلت العلاقات السورية اللبنانية تنتقل من :
- الأخوة، و : شعب واحد في بلدين، الى مرحلة تشبه الى حدود بعيدة إعلان فتح الجبهات، على الأقل عبر القرار 1701، وهو قرار أخذت أطراف لبنانية ودولية عديدة بدفعه نحو تمركز قوات دولية على كامل الحدود اللبنانية مع سوريا، مايعني بطريقة أو بأخرى، وضع البلدين فيما يشبه إعلان حرب، وكانت فرنسا هي السباقة نحو هذا المقترح،الذي ينبئ بالكثير من الاحتمالات.. احتمالات قادت دمشق الى ردود فعل بدأت بالتلويح بإغلاق الحدود، وكان يمكن أن تتصاعد الى احتمالات أكثر قسوة على بلدين، مثل الأول (ونعني لبنان) وعبر تاريخه، المجال الثقافي لسوريا، فيما مثلت سوريا وعبر تاريخها أيضا، المدى الجغرافي للبنان، وأي إشعال لجبهة سورية لبنانية، يعني خسائر كارثية للبلدين، خسائر تمتد من تصدير خضار بعلبك والجنوب عبر الأراضي السورية، وتصل الى مزيد من التفكيك، في خارطة عربية تتفكك تدريجيا بما يسمح للكثيرين بالاعتقاد، أن (الوحدة اللي مايغلبها غلاب)، باتت نكتة لاتحتاج الى محترفي كوميديا لإلقائها في وجه الشعوب العربية الممتدة من الصراع على الصحراء الغربية، وصولا الى الصراع على بوابة المصنع السوري، مابين دولتي : وحدة المسار والمصير.
مركز نقل (الشام بيروت)، مازال يعمل، وحركة الركاب المتواضعة بالقياس مع أيام هذا المركز السابقة، تطرح الكثير من التساؤلات، ففيما تعالت أصوات لبنانية ما بعد مقتل الحريري، نالت من السوريين .. مطلق سوريين، مساوية مابين عامل بناء، وجنرال في الحرب، جاءت الحرب، لتقول لغة أخرى،لغة ربما كانت تعبيراتها أكثر وضوحا في مراكز استضافة النازحين اللبنانيين، وفي الكثير من البيوت السورية، التي منحت بالإضافة لعواطفها، غرف نومها لضيف جاء من تحت قصف، اعتبره السوريون وكأنه قصف على الجميع، ومابين أيام تظاهرات (البرتقالي) اللبناني، التي أطلقت الكثير من الملامح العنصرية، ( وقد يكون لها تبريراتها) ، وبين أيام الحرب البالغة 33 يوما، كانت المسافة تختصر لا بساعات السفر من الجنوب أو البقاع الى الشام،بل كانت تختصر باللغة، اللغة التي قالت، بأن ثمة علاقات بين الشعبين، تتجاوز في حقيقتها الشعارات القومية بدءا من أنطوان سعادة وصولا الى شعارات البعث، كما تتجاوز (وكثيرا) الشعارات الانعزالية، بدءا من الشاعر يوسف الخال وصولا الى وليد جنبلاط،، وفي كل حالاتها، علاقات محكومة، بما لا تستطيع السياسات أن تحكمه، ونعني الجغرافية، بوصفها الثابتة فوق السياسي السائل، وهو ما ستعيد الأيام القليلة طرحه، بدءا من بداية اعمار ما دمرته الحرب على لبنان،وهو ما يقوله (للبوابة) واحد من ركاب مركز انطلاق دمشق – بيروت.. العامل السوري، المؤهل للتمديدات الصحية، والذي يتباهى بقدرته الكبيرة على تركيب صنبور مياه لا يسرب، كما على أجور لا تنافس، وهو يتساءل:
- هل سيجلب السيد سمير جعجع أمريكان للعمل في التمديدات الصحية والبناء، وأعمال الزراعة في لبنان؟
العامل إياه، وهو أسير البحث عن مورد لا عالة عائلته لاعن استحقاقات الايدولوجيا وحركة الأفكار، سيصيغ الكثير من ملامح علاقة لبنانية سورية، وهو الذي ربما يقرأ بعين مختلفة عن أعين النخب السياسية وعلى طرفي الحدود مابين البلدين، فهو يتساءل:
- إذا كانت أطراف لبنانية تريد حماية حدودها من تسلل أسلحة لحزب الله عبر الحدود السورية، فما بال الجيش اللبناني؟ وهل سيكون هذا الجيش عاجزا عن مراقبة حدوده حتى يستنجد اللبنانيون بالقوة الدولية؟ وهو الذي يتساءل:
- وإذا كان اللبنانيون يطلبون قوة الدولة، لتحل مكان قوة المقاومة، فأية دولة يطلبون إذا كان جيش الدولة عاجزا عن مراقبة حدوده؟
- وإذا ما جاءت القوة الدولية وحطت عساكرها على الحدود، ألا يعني ذلك إعلان الحرب على سوريا؟
- وإذا كانت القوة الدولية تعني ذلك، فالطبيعي أن يكون رد الفعل غير محسوب، ومن بين ردود الفعل إغلاق الحدود،وعندها ياوبل الناس هنا وهناك.
العامل السوري، الذي يطرح كل هذه الأسئلة، يضيف:
معظم العمال الزراعيين في لبنان وفي منطقة بعلبك على وجه التحديد كانوا من العمال السوريين، ومعظم العمال في قطاع البناء في لبنان كانوا من السوريين، واللبنانيون الذين اشتغلوا أرباب عمل ولسنوات طوال ، هل سيعيدون اعمار بلدهم بأيديهم وبمفردهم؟ أم سيجلبون عمال تايوانيين وعبر شركات فرنسية أو أمريكية أو انكليزية؟
مركز انطلاق سيارات (الشام – بيروت) مازال يعمل، ويظهر أنه لن يتعطل عن العمل، فثمة (وعلى الجانبين) من يدرك مخاطر إشعال الحرب بين البلدين.