إميل أمين
على بعد خطوات من العام الجديد 2020 يبقى أحد الأسئلة الرئيسة التي تشاغب أي باحث سياسي متابع لشؤون وشجون المنطقة: "إلى أين تمضي إيران، لا سيما بعد أن عاشت عاما عسيرا جدا، مضت فيه كعادتها وراء كبريائها الأجوف وغطرستها الواهية؟
يرحل 2019 وإيران تعاني على أكثر من صعيد، فمن جهة يبقى وقع العقوبات الاقتصادية كارثيا على دروبها في العام المقبل، فيما الأشد هولا هو تفكك نسيجها الاجتماعي، وغضبة الإيرانيين على ملاليهم، وتوقهم للخلاص منهم في القريب العاجل .
قبل بضعة أيام من انصراف عام المتاعب الإيراني أظهر استطلاع للرأي أجرته وكالة استطلاع الطلبة الإيرانية الحكومية "إسبا"، أن 15 بالمئة فقط من سكان العاصمة الإيرانية طهران راضون عن الأداء الحكومي.
المزعج للملالي في هذا الاستطلاع أنه يبين التدهور الخطير في شعبية القائمين على الأمر في البلاد، ذلك أنه في استطلاع سابق مماثل جرى قبل عامين كانت نسبة رضى الإيرانيين تصل إلى 50 % ما يطرح علامة استفهام استشرافية: "كيف سيكون الحال في 2020؟
وبمزيد من الأرقام يتضح لنا أن خامنئي وروحاني وقاسمي وسلامي وجعفري وكافة القيادات الإيرانية في مأزق حقيقي لا سيما بعد أن أشار الاستطلاع نفسه إلى أن 54 % من المشاركين يعتقدون أن حالة البلاد تزداد سوءا، مقابل 15% فقط يرون أن الأمور تتحسن.
ولعله من المؤكد أن أكبر فعل هز ثقة المؤسسة الإيرانية الحاكمة هذا العام في ذاتها كان التظاهرات الجماهيرية التي خرجت احتجاجا على رفع أسعار الوقود، وإن كانت قضية الوقود هذه ليست سوى القشة التي قصمت ظهر البعير كما يقال.
فالإشكاليات المتراكمة عبر أربعة عقود تتحدث عن نفسها، الأمر الذي لن تشفع ولن تنفع معه الهراوات الغليظة ووحشية النظام لقمع الجماهير الإيرانية الثائرة الهادرة.
هل سنرى في العام الجديد استمرارا للرفض الجماهيري الإيراني للنخبة الحاكمة عبر شوارع ودروب المدن الإيرانية المختلفة من شمالها إلى جنوبها ومن شرقها إلى غربها؟
يذهب المشاركون في استطلاع الرأي وبنسبة 54% إلى أن المسيرات الاحتجاجية سوف تستمر يوما تلو الآخر، لا سيما أن أحوال إيران الاقتصادية ليس فقط لن تتحسن، بل إنها ستغرق أكثر في فخ الأزمة القادمة ولا شك أعمق وأوسع... ماذا عن ذلك؟
يكتب "باتريك كلاوسون" الزميل الأقدم ومدير الأبحاث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، في تقرير أخير له عن أوضاع إيران المالية ويشير إلى أنه في الثامن من ديسمبر كانون الأول الجاري، ووفقا للإجراءات المعمول بها، زار الرئيس الإيراني حسن روحاني "مجلس الشورى الإسلامي" البرلمان"، لتقديم ميزانيته للسنة الإيرانية 2020/2021، والتي تبدأ في آذار/مارس. وعلى الرغم من الخطاب الوردي للحكومة، تظهر اقتراحات النفقات التي قدمها الأوقات العصيبة التي تواجهها الجمهورية الإسلامية.
تبدو السياسة النقدية للرئيس الإيراني خطيرة بدورها، فخطابه بشأن الميزانية لم يأت على ذكر إنقاذ للنظام المصرفي المفلس بالفعل بل على العكس من ذلك، تعتمد الميزانية الجديدة على "نقل الأصول المالية"، لتأمين ربع تمويلها، وهذا يعني على ما يبدو أن حكومته تعول على اقتراض مبالغ طائلة محليا، أما عن طريق تخفيض الأموال التي يمكن إيداعها في المصارف، أو الاقتراض المباشر من هذه المصارف، وكلاهما من شأنه أن يجهد النظام المصرفي الذي يقترب من الانهيار بشكل خطير.
لعل السؤال الأكثر حساسية بالنسبة لإيران في العام الجديد: "هل سترغمها العقوبات الأميركية المالية على نسيان مشروعها النووي وقف برامجها النووية الساعية في طريقها لا تلوي عنها أبدا؟
هناك في واقع الحال توجهان داخل الولايات المتحدة الأميركية، الأول يتزعمه الرئيس ترمب، ويرى أن حملة الضغط الأقصى سوف تؤدي بإيران ولو في المدى الزمني المتوسط إلى الاستسلام للمطالب الأميركية والأوربية نوويا وصاروخيا بنوع خاص .
أما الرأي الثاني فيرى أنه من غير المرجح أن تجبر العقوبات إيران على الانصياع للمطالب الأميركية بشأن تخليها عن طموحاتها النووية، ووقف تدخلها في مناطق كالعراق وسوريا واليمن.
ولعله من المتابعة اللصيقة للمشهد الإيراني يمكن القطع بأن الغرور الإمبراطوري الإيراني لن يقبل أبدا بفكرة الاستسلام، بل سيمضي في سياق التصدي والتحدي، وقد تكون المواجهة العسكرية المسلحة هي الطريق الأنسب بالنسبة له انطلاقا من فكرة الخيار شمشمون، وهو الخيار المرجح حال وجد الثورة تضيع بين الأقدام، لا سيما في ظل حالة الرفض للنفوذ الإيراني في المنطقة كما الوضع في العراق، ولبنان، وسوريا بنوع خاص.
هل جاءت تصريحات أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني قبل أيام لتعزز ما ننحو إليه؟
يمكن أن يكون ذلك كذلك بالفعل، لاسيما أن الرجل أشار بصراحة تامة إلى أن بلاده ستقدم على تنفيذ المرحلة الخامسة من تقليص تعهداتها النووية المنصوص عليها بالاتفاق "إذا استمرت أوروبا في عدم تنفيذ التزاماتها"، متهماً الاتحاد الأوربي بأنه من خلال عدم الوفاء بتعهداته يلعب دور المكمل للإجراءات الأميركية تجاه هذا الاتفاق ...ما الذي يعنيه هذا الكلام؟
باختصار غير مخل يعني أن الإيرانيين لم يعودوا يثقون في الأوربيين، وهذا صحيح فقد استفاق الأوربيون بدرجة أو بأخرى مؤخرا على الخطورة الحقيقية التي تمثلها إيران، فقد باتت صواريخ إيران الباليستية مهددا رئيسا لدول القارة العجوز، فكيف يكون الحال إذا حملت رؤوسا نووية.
الأمر الأخر الذي يمكن قراءته ما بين سطور شمخاني يفيد بأن النية ماضية قدما تجاه إكمال البرنامج النووي والوصول إلى القنبلة النووية باعتبارها العاصم الأكيد لإيران من أي هجومات خارجية، وهو الأمر الذي لن تسمح به القوى الإقليمية في المنطقة وإسرائيل تحديدا، أو المجتمع الدولي بزعامة الولايات المتحدة وأوروبا، وبموافقة ومباركة روسية وصينية حتى وإن كانت مقنعة فليس من صالح موسكو أو بكين نشوء وارتقاء إيران نووية .
2020 سنة متاعب إيرانية داخليا وخارجيا.. لكن الملالي لهم آذان ولا يسمعون، وعيون ولا يبصرون.