عانت الأسواق العالمية خلال شهر سبتمبر انتكاسات خطيرة حيث وُضعت أعصاب المستثمرين على المحك في مناسبات عديدة. والآمال معقودة الآن على الربع الرابع والذي يميل تاريخيًا إلى توفير الدعم للأسعار، لكن الشكوك مستمرة حول أزمة الديون في منطقة اليورو، كما أن التباطؤ الاقتصادي الذي يؤثر على الاقتصاد العالمي لن يرحل عنا في وقت قريب.
وقد شهدت منطقة السلع انخفاضًا في الرهانات على الأسعار المرتفعة، التي أتت للأسف من جانب واحد فقط، مما يجعل أوضاع السلع المنفردة أفضل بكثير للرد على الأخبار الواردة بشأن دعم الأسعار. وقد انخفضت في الوقت الراهن مؤشرات السلع الرئيسية الثلاث بنسبة تتراوح بين سبعة إلى عشرة بالمائة من بداية العام لغاية تاريخه، بعد أن تكبدت الأسواق الفردية خسائر فادحة في جميع المجالات طوال الشهر الماضي.
وقد كان قطاع المعادن الأساسية هو أكثر القطاعات تضررًا، فقد تراجع مؤشر بورصة المعادن في لندن )XEML( بنسبة 21% منذ بداية العام لغاية تاريخه، وكان النحاس والنيكل هما أكثر المعادن معاناة في هذه الفترة، حيث تكبد كلاهما خسائر كبيرة. وقد تأثر القطاع تأثراً سلبيًا أيضًا بسبب الارتفاع الذي شهدته قيمة الدولار بنسبة ستة بالمائة، وذلك عند الأخذ في الاعتبار العلاقة العكسية التي تحكم الدولار في مواجهة السلع.
استردادات صناديق التحوط
واجهت العديد من صناديق التحوط صعوبات في الأداء خلال العام. وانخفض أداء مؤشر مؤسسة صناديق التحوط «XRFH» العالمي بنسبة 7,5 بالمائة منذ بداية العام لغاية تاريخه، مما ضاعف من خطر سحب المستثمرين لأموالهم المستثمرة في تلك الصناديق. ومن الأمثلة البارزة على ذلك ما قامت به «مان جروب»، وهي أكبر مدير لصناديق التحوط على مستوى العالم مدرج في سوق التداول، حيث انخفضت قيمة حصتها بنسبة 25% هذا الأسبوع، حيث سحب عملاء المجموعة 2,6 مليار دولار خلال الربع الثالث من العام.
إن وقوع استردادات أخرى مماثلة من مستثمرين آخرين قد يلقي بآثار مناوئة للسلع، حيث سيتطلب ذلك تقليص المراكز لتتمكن من عكس الانخفاض في مستويات الأصول الخاضعة للإدارة.
استقرار المعادن
يتجه الذهب حاليًا نحو أفضل أداء فصلي له على مدى أربعة عقود، على الرغم من التجربة التي مر بها خلال شهر أغسطس الذي شهد أضعف أداء له منذ أكتوبر 2008. وبشكل عام، فقد كان أداء المعادن قياسيًا خلال الأسبوع الماضي. وقد انخفضت الفضة بنسبة 34 بالمائة في غضون أيام، مسجلة أكبر انخفاض لها منذ 30 عامًا. وفي الوقت نفسه شهدت أسعار الذهب تصحيحًا للذروة التي تمكن من تحقيقها بنسبة 20 بالمائة، ولم يحدث ذلك سوى مرتين خلال العقد الماضي. دخل النحاس في سوق هابطة بعد تصحيح بمقدار الثلث عن أعلى مستوياته التي تمكن من تحقيقها في فبراير عندما عكست صناديق التحوط مراكزها من مراكز طويلة إلى قصيرة الأجل للمرة الأولى منذ أكثر من عامين.
وأسفر ذلك عن أكبر خسارة فصلية منذ نتائج الربع الرابع لعام 2008، وذلك مع تزايد المخاوف بشأن معدلات الطلب الواردة من الصين، وهي أكبر مستهلك في العالم للمعادن الصناعية، والتي دفعت المستثمرين إلى تغيير تصوراتهم حول المعادن الصناعية.
انخفاض عمليات البيع
تتعدد الأسباب الكامنة وراء عمليات البيع على انخفاض، وتتراوح ما بين ضعف الإقبال على المخاطر والتدافع نحو تحقيق مبالغ نقدية كافية لتغطية المراكز المتسببة في الخسائر في مواطن أخرى، والتباطؤ الاقتصادي الذي أضعف معدلات الطلب على المعادن الصناعية، واستردادات أموال المستثمرين في صناديق التحوط، وأخيرًا قيام مجموعة EMC، وهي أكبر متداول في العقود الآجلة على المستوى العالمي، برفع هامش التداول الخاص بها. وإضافة إلى ذلك، وردت أنباء من السوق بشأن عمليات بيع مكثفة من جانب المستثمرين الصينيين، وقد كان تركيزهم موجها بشكل أكبر نحو قوة اقتصاداتهم المحلية، إلا أنهم وقعوا مؤخرًا في دائرة التباطؤ الاقتصادي الذي شهدته جوانب الاستثمار الأخرى. لقد كانت تقلبات الذهب منذ أوائل أغسطس مرتفعة بدرجة كبيرة، مما أشار إلى تزايد الشكوك وعدم اليقين بشأن توجه المعدن في المستقبل.
وقد تم تسجيل مستوى قياسي جديد في 6 سبتمبر وصل إلى 1,921 دولار، إلا أن المستثمرين المحترفين قاموا قبل ذلك التاريخ وبعده بخفض مستويات انكشافهم على المخاطر بالرغم من توجه أسواق الأسهم العالمية نحو الاتجاه المعاكس. وقد أضافت العديد من التصحيحات على الأسعار بقيمة 100 دولار خلال الشهر الماضي لحالة عدم الارتياح في أوساط المستثمرين الذين كانوا ينظرون إلى الذهب باعتباره ملاذًا آمنًا في نهاية المطاف.
المستقبل والمخاطر
استغرق الأمر 18 شهرًا للوصول مجددًا إلى مستوى مرتفع خلال التصحيحين السابقين في 2006 و 2008، وقد كانت استردادات المستثمرين للأموال المتداولة في البورصة )FTE( لغاية الآن محدودةً جدًا، ولهذا فهي تنطوي على خطر اللجوء إلى المزيد من عمليات البيع في حال قرر هذا النوع من المستثمرين تقليص استثماراتهم أيضًا.
أخيرًا، يتمثل الأمر الأكثر أهمية لغاية اللحظة في حاجتنا إلى أن نشهد انخفاضًا في مستويات التقلب، حيث تشكل التقلبات الزائدة أكبر خطر تواجهه جاذبية الذهب باعتباره الملاذ الآمن.
مناورات الذهب
ومن الناحية الفنية، فقد شهد الذهب مناورات قوية ما بين الاحتفاظ بمستواه الذي حققه خلال أدائه على مدى الـ 200 يوم السابقة ومن ثم الارتداد بقوة عنه، وهو يقف حاليًا عند مستوى 1,532 دولار مما أعاد بعض الثقة التي فقدها المستثمرون خلال مساره في الفترة السابقة. مع ذلك، وفي حال استمر السعر دون 1700 دولار للأوقية، سيبقى خطر اختبار الدعم مرة أخرى قائمًا.
كما أن الجدل القائم بشأن الاحتفاظ بمعدن الذهب قد تعزز خلال شهر أغسطس، وما أن تزول حالة التوتر هذه، فإن الذهب سيتألق مجددًا. وقد ارتفعت معدلات الطلب الفعلية من جانب عدد من البنوك المركزية خلال فترة البيع على انخفاض، وسوف يساعد ذلك في تقديم دعم مساند حال وقوع أية انتكاسات أخرى.
انخفاض سعر النفط
وشهدت أسعار النفط أكبر انخفاض فصلي لها منذ الأزمة المالية لعام 2008، وتحول التركيز من القضايا المتعلقة بضعف العرض إلى التباطؤ في مستويات الطلب. وكان معدل النمو في مختلف الدول الرئيسية المستهلكة للنفط قد شهد تباطؤًا، ولم تتمكن العديد من الدول، ومنها الصين تحديدًا، من تجنب التباطؤ الاقتصادي. ونتيجة لذلك اضطرت معظم كبريات مؤسسات التداول في النفط إلى خفض توقعاتها حول أسعار 2012 بشكل حاد للغاية. توقفت لغاية الآن مستويات دعم خام برنت عند 100 دولار، إلا أن علامات ضعف النشاط الاقتصادي من شأنها وضع هذا المستوى تحت بعض الضغوط مع اقتراب نهاية الفترة وخاصة إذا استمر الدولار في الارتفاع كما هو حاصل في الآونة الأخيرة.
وفي الوقت الراهن، سوف يواصل القطاع نمط التداول الحالي الذي يعاني حالة من التوتر الشديد، حيث إنه يميل نحو الاستجابة لجميع الأنباء الواردة والمطروحة على الساحة، في الوقت الذي يبحث فيه التجار عن أدلة حول الاتجاه المستقبلي.
مخزون الحبوب
شهد مخزون الحبوب التي لم تتمكن من تجنب الصعوبات التي أودت بها على مدى الشهر الماضي مزيدًا من الانخفاض بعد صدور تقرير مخزون الحبوب الصادر عن الوزارة الأمريكية يوم الجمعة الماضي، حيث أظهر التقرير بوضوح الأثر الناتج عن ضعف الطلب بسبب ارتفاع مخزون القمح ومخزون الذرة على وجه التحديد عن المستويات التي تم توقعها، بينما توافق مخزون فول الصويا تمامًا مع التوقعات. ومع كسر عقود تسليم الذرة لشهر ديسمبر إلى ما دون متوسط أسعار البيع على مدى 200 يوم، ودون التوجه الصاعد الذي حققه في يوليو 2010، مما يشير إلى خطر حدوث تصفية طويلة الأمد على المدى القريب.
كبير مستشاري العملاء بساسكو بنك