يحاول كتاب (الدرس النحوي في الأندلس/ من القرن السادس حتى نهاية القرن الثامن الهجريين)، لمؤلفه الدكتور أيمن هشام ياسين، جمع ما تناثر من النحو الأندلسي في بطون الكتب والمؤلفات المشرقيّة والمغربيّة، لذلك يعد أول بحث من نوعه، يحدد ملامح وأسس الدرس النحوي في الأندلس، ضمن رقعة زمنيّة، تعبّر عن مرحلة ناضجة من التفكير النحوي الأندلسي.
ويحيط بكل جوانبه، ويسبر أغواره، ويستخرج كنوزه، ويذكر أكبر علمائه ونحاته، ثم يغوص في مسائلهم وتحليلاتهم النحوية، لينفذ إلى طريقة تفكيرهم، في ارتقاء كل مسلك يؤدي إلى تيسير النحو العربي وتبسيطه، وجعله واضحاً سائغاً للعلماء والباحثين.
في تقديمه للكتاب، يرى الدكتور نبيل أبو عمشة أن مؤلفه كان موفقاً في اختيار عنوان كتابه (الدرس) وليس (مدرسة) لأن النحو الأندلسي ما هو إلا درس نحوي كغيره في أنماط الدرس عند العرب، نما وترعرع في بلاد الأندلس، والإقليم لا يُنتج بالضرورة مدرسة جديدة. ولعل السمة البارزة في الدرس النحوي الأندلسي هو الجنوح إلى ما يمكن أن نسميه تيسيراً للنحو، والتخفيف من أعباء المنطق وأساليب المتكلمين التي أثقلت نحو المشارقة.
نشأ الدرس النحوي في الأندلس (بحسب الكتاب) على أيدي كبار علمائه ومفكريه، ووصل إلى مرحلة ناضجة ومتطورة مع مطلع القرن السادس الهجري.
وعلم النحو بشكل عام، قانون تتطلبه الحوادث، وتقتضيه الحاجات، لاسيّما بعد انتشار الإسلام بين الفرس والروم والنبط وغيرهم، حيث برزت وتأكدت الحاجة إليه، الأمر الذي دفع علماء العربيّة لوضعه، وتأسيس قواعده، صوناً للغة القرآن الكريم من أن يشوبها اللحن والخطأ، وذوداً عن أصالة هذه اللغة، وتمكينها في نفس كل عربي أصيل.
تناول الكتاب طريقة فهم نحاة الأندلس لنصوص نحو المشرق وسبل معالجتهم ومناقشتهم لها، وبالتالي التأثير العكسي. أي تأثير نحاة الأندلس في نحاة المشرق ضمن ثلاث نقاط: الأولى حركة التأليف عند الأندلسيين. الثانية توسعهم بالاستشهاد بالحديث الشريف. و
الثالثة آراؤهم التي تأرجحت بين التبعيّة والتفرد. ثم انتقل للبحث في أثر المذهب الظاهري في التفكير النحوي عند نحاة الأندلس، والثورة التي قاموا بها على النحو في المشرق، واهتمامهم وعنايتهم بالنصوص القرآنيّة وقراءتها، مازجين بين النحو والتفسير.
كما توقف الكتاب عند الأثر الذي تركه هؤلاء الأندلسيون المفسرون في المؤلفات المشرقيّة، من خلال طريقة معالجتهم للنصوص القرآنيّة، وتوجيهاتهم النحويّة لها، الأمر الذي دفع بالنحويين في المشرق لاستلهام الكثير من آراء الأندلسيين، والاستفادة منها، فصنع الأندلسيون بذلك حركة ثقافيّة كبيرة ونافعة في كتب النحو المشرقيّ.
من جانب آخر، بحث الكتاب في الأصول النحويّة، ومواقف نحاة الأندلس منها، وأثرهم فيها والتعليل النحوي عندهم. وانتهى إلى مجموعة من النتائج الهامة التي تحدد بوضوح ملامح الدرس النحوي في الأندلس، وتبيّن جهود علمائه وأثرهم في تطوير النحو العربي ودفعه نحو الوضوح والسهولة والتيسير، بعيداً عن التكلف والتأويل السقيم.