صدرت عن دار يافا العلمية للنشر والتوزيع وبدعم من وزارة الثقافة رواية «واختفت مهيرة، الرحيل إلى الذاكرة الأخرى» للروائي والتشكيلي بكر السباتين.
تأتي هذه الرواية الثانية للسباتين لتبرز التفاعل الواقعي بين الذاكرة الفلسطينية قبل النكبة وإثنائها، والذاكرة الفلسطينية بعد النكبة، والذاكرة اليهودية، وتوضح بصورة جلية هذا التشابك بعيدا عن السياسة والتاريخ، وبنكهة اجتماعية تزخر بكل أشكال القيم والفضاءات المألوفة وغير المألوفة والبناءات الإنسانية لشخوص الرواية الذين وسمتهم آثار النكبة ولم يعترف بهم العالم ولابقضيتهم.
يقول السباتين أن هذه الرواية ترتحل بالمتلقي عبر منافذ التشويق إلى مطارح الدهشة التي يعربد فيها الخيال؛ فيتاح له بأن يطلع من أعلى نقطة يرتقي إليها النص بكل تشظياته الفسيفسائية، على تفاصيل الخيبة المليئة بالإخفاقات والهزائم المتعاقبة التي تورط العقل العربي بنتائجها الوخيمة، والتي حاول الساسة بدفع معالمها التاريخية باتجاه التأويلات المُرضية لطموحاتهم فداسوا لأجلها على الحقائق، وشيدوا لأنفسهم إنجازات وهمية أدت إلى قلب تلك الحقائق وتزوير نتائجها القاسية، ومن ثم تأكيد الوهم, واستنساخه كهدف قابل للتحقيق؛ خلافاً للمنطق التاريخي؛ وإرضاءً للمنظومات الإقليمية التي تتنفس من خلالها إسرائيل المحتلة. من هنا تغافل هذه الرواية وعينا الجمعي قبل أن يستلبنا النوم إلى أحلام الساسة النفعية الليبرالية.
وأضاف السباتين أن بطل الرواية المثقف عجاج حمل نواقيس اليقظة وقناديلها من أجل تحرير الأسئلة من معاقلها لكي تحرض العقل العربي على استعادة ذاكرته التي تتسيدها القضية الفلسطينية بكل أبعادها.. فتنتعش الكرامة الحقيقية في قلبه الواجف.. والذي سيضخ في شرايينه دماً أصيلاً يأنف الرياء. في الوقت الذي ما زال فيه اللاجئ الفلسطيني مقهوراً في المنافي.. تتفاقم من حوله الأزمات.. حتى أصبحت قضيته العادلة كاللعنة التي يجب أن يتحرر من سطوتها الجميع.. لا يريدون من الذاكرة أن تفتضح عوراتهم في غمرة ضياع فلسطين.. والحالة هذه شبيهة بمن يعتز بفحولته؛ فيلجأ إلى إتلاف ملفه الطبي الذي يؤكد على عجزه الجنسي.. كي يدّعي الفحولة في عالم يصدق الأكاذيب بسهولة.
وعن واقع القضية الفلسطينية التي تسعى الرواية لاستحضار ذاكرتها يقول السباتين: واقع القضية الفلسطينية محبط للغاية في ظل الربيع العربي الذي أجج الشعوب في وجه الأنظمة الدكتاتورية.. وهذا ليس سيئاً؛ لكنه أعاد القضية الفلسطينية إلى خزائن الإهمال.. من هنا سيكون لاستعادة تفاصيل النكبة الفلسطينية دوراً عاصفاً سينفض غبار النسيان عن ملف القضية الفلسطينية. نتذكر دائماً محاولات العودة الشبابية إلى فلسطين عبر الحدود المتاخمة لها وكيف أحبطت بقسوة.. ألا يؤشر ذلك إلى أن اللاجئ الفلسطيني لا يعتبر وطنه السليب حقيبة سفر.. كما يرى درويش!
الرواية جاءت لتعيد إحياء الذاكرة الفلسطينية بأدق تفاصيلها.. فنأت بنفسها عن التنظير السياسي.. من خلال ممارسة الشخوص لحياتهم المشبعة بالهم الإنساني، وهي مليئةٌ بالحياة ( صراعات تجلت في طياتها مشاعر الحب، قيم النضال، الغدر ، الفداء، الهموم الكبيرة والصغيرة)، القصص فيها متولدة من بعضها.. الأمكنة تتبادل الأدوار ما بين يافا، أوكرانيا والمخيم.. الشخوص النامية اجتمعت لترسم خاتمة الرواية في إطار زمنٍ أخذ يتراكم في كل ذاكرة على حداها.. بينما يتأزم متشظياً في رأس عجاج.
وحول التقنيات الفنية التي استخدمها السباتين في سرد روايته، وعن الرواية كجنس أدبي أصبح حاضرا بقوة في المشهد الثقافي الإنساني قال السباتين: الرواية جنس أدبي مستقل.. لكنه يحتفي بالحياة بكل تنوعاتها مما يلزم على الروائي توظيف الأدوات اللازمة للنص كي يقيم معماره الروائي على أرض يدركها القارئ وتحترم عقله.. وقياساً على ذلك؛ فيمكن إدراج هذه الرواية في إطار الواقعية السحرية بذريعة أنها تبحث عن جذور الحق الفلسطيني الضائع بأسلوب سردي تتقاطع فيه الذاكرة أحياناً.. ويفضي إلى حوارات داخلية مليئة بالبوح( المنولوج) وتأخذ الحبكة المتماسكة الأحداث نحو الذروة بانسيابية النهر الجاري، المرفود بحكايات زاخرة بالهم الإنساني، وبالأشباح التي خرجت من المذكرات حتى تتفاعل في رأس عجاج.. وفي محيطه المكاني. الحدث النامي سيتحلل بعد تجمع العقد في الذروة مع الشلال الذي سيحرر الحقيقة من صمتها المخيف.
ويقوم على السرد ثلاثة رواة.. فالمختار يروي تفاصيل النكبة.. و(ليانا) تروي عبر مذكراتها دور اليهود في الثورة البلشفية وبروز فكرة الهجرة إلى فلسطين التي أدت إلى النكبة.. ثم الراوي العالم الذي يحفر للنهر طريقه باتجاه الشلال.
الرواية يعربد فيها الخيال.. وفيها استحضار لشخصية ( بعل).. ذلك العربيد التافه الذي ابتدعه الشاعر الألماني برخت في مسرح اللامعقول كي تعبث في رأس عجاج كلما استحوذت على عقله فكرة أنه مثقف منبوذ.
وعن العلاقة بين التشكيلي والروائي يقول السباتين: ثمة قواسم مشتركة تجمع الروائي بالفنان التشكيلي، وهذا ما كنت أتلمس تدفقه من منطقة اللاوعي أثناء كتابة الرواية أو مراجعة نصوصها، مثل:- الرؤية الفكرية، عنصر الدافع المحرض على الإبداع.. الخيال..الوصف المكاني في ظل التشرذم الزماني خلال الرواية وما يقابلهما من تكوينات مساحية ولونية في اللوحة.. الذاكرة المتشظية وتقاطعاتها الفسيفسائية في الرواية وما يقابلها من تكوينات متقاطعة أو حلزونية مستقرة في اللوحة التشكيلية.. كل هذه القواسم ستشير إلى أن المعمار الروائي يُعتبر الوجه الفني الآخر للوحة التشكيلية.
عن تجربته الإبداعية قال السباتين: إن التنوع الثقافي رافد مهم للإبداع الروائي الذي ينفتح على الحياة بكل تفاصيلها الصغيرة والكبيرة.. ففي مجال الإدارة صدر لي كتاب عن دار المناهج عام 2003 بعنوان علم المخازن.. يتضمن نموذجاً رياضياً قمت بتصميمه واشتقاق معادلاته.. ثم نشرت في موقعي الرسمي على الشبكة العنكبوتية كتاب ( الطريق إلى أين- بورصة الأنساب. ويتصدى الكتاب لظاهرة تزوير الأنساب من أجل التواصل العرقي مع النسب الهاشمي لغايات نفعية.. أيضاً كتاب «الفنان عبد الحي زرارة رائد الفطرية والترقين.. وكتاب» الفلسطينيون والتنمية عبر العالم»؛ الذي يتناول بالتحليل العلمي والإحصائي، الشخصية الفلسطينية التنموية خلافاً للرؤية التي كانت سائدة في أن اللاجئ الفلسطيني هو مشروع إرهابي جاهز للتخريب.. وبدعم من وزارة الثقافة صدرت لي رواية ثلوج منتصف الليل عام 2009 وتعالج هذه الرواية مظاهر الفساد السياسي والاجتماعي بعد سقوط بغداد وإسكات الانتفاضة الفلسطينية.. وكتب أخرى منشورة أو قيد النشر.
كذلك هناك مجموعات كبيرة من لوحاتي التشكيلية ذات الطابع( السريالي) المنشورة في حسابي على موقع التواصل الاجتماعي حيث أضفت إليها بعداً تعبيرياً أضفت إلى الشكل السريالي رؤية قادرة على النفاذ إلى وعي القارئ والتأثير فيه...