من هو عبدالرحمن زيتون؟ للكاتب الامريكي دايف إيجرز

تاريخ النشر: 04 أكتوبر 2012 - 05:23 GMT
الغلاف
الغلاف

ربما لدى البعض طرف من حكاية السوري المهاجر إلى أميركا عبدالرحمن زيتون، وفصل من دراما قصته مع إعصار كاترينا في عام ،2005 إذ رفض الرجل ترك نيو أورلينز، واختار البقاء في المدينة، يمد يد العون لعجزة محاصرين، إلا أنه لاقى جزاء ليس وفاقاً، فقد تعرض بعد ذلك لمأساة: اعتقل واتهم بالانتماء إلى تنظيم «القاعدة»، لكن ما لبث أن أفرج عنه، إلا أن حكايته شغلت المجتمع الأميركي، لاسيما بعد أن هدأت الأحوال، وتم التعافي من تداعيات «كاترينا».

اجتذبت مأساة عبدالرحمن كثيرين، كتاباً وإعلاميين، ومن بينهم المؤلف الأميركي دايف إيجرز، صاحب رواية «زيتون»، المبنية على الحكاية الرئيسة لعبدالرحمن وعائلته الصغيرة في أميركا، والكبيرة المنتشرة في سورية وبلدان أخرى، التي تحتشد بتفاصيل شائقة، وبسيرة مترعة بالمشاعر الإنسانية والسفر والبحار والأعاصير والدراما، وبيوميات عبدالرحمن وحياته التي طافت بموانئ كثيرة، قبل أن تحط في النهاية بأميركا، ولا تغفل الرواية التي ظهرت حديثاً نسختها العربية عن دار الشروق المصرية، من ترجمة الدكتور محمد عناني، عن وصف مسهب للأمكنة الأولى ومشاهدها المحفورة داخل عبدالرحمن زيتون، سورية وجزيرة أرواد وجبلة واللاذقية.

زوجة

لم تغب المرأة عن عالم رواية «زيتون» التي تقع في 455 صفحة، وكان الصوت الأبرز لها عبر كاثي (زوجة عبدالرحمن)، التي تقاسمت معه هموم الحياة، والتذكر في الرواية كذلك. وكما أبرزت الحكاية حياة عبدالرحمن، سلطت الضوء على حياة زوجته، إذ لم تظهر كاثي كشخصية بلا تاريخ، بل تتبع المؤلف مسيرتها، منذ الطفولة والنشأة، ووقف طويلاً مع قصتها مع الإسلام، وتمسكها بتعاليمه، رغم تعرضها للكثير من المضايقات، لاسيما بعد أحداث 11 سبتمبر: «في الأسابيع التي تلت الهجمات على البرجين السامقين في نيويورك لم تشاهد كاثي إلا عدداً بالغ القلة من المسلمات في الحياة العامة. وكانت واثقة بأنهن مختبئات ولا يخرجن من المنزل إلا إن دعت الضرورة».

 

ديف إيجرز

حققت النسخة الإنجليزية من رواية «زيتون» نجاحاً كبيراً، وتصدرت قائمة الكتب الأكثر مبيعاً، واعتبرت من أفضل العناوين التي رأت النور في عام ،2009 وكما كشفت عن تفاصيل حكاية عبدالرحمن زيتون، كشفت أيضاً عن مؤلف بسمات خاصة، وهو الأميركي ديف إيجرز الذي انقطع سنوات لإنجاز هذا العمل، واشتغل عليه طويلاً، وبدا جهده الأدبي والتوثيقي كذلك فيه، إذ لم يكتف بما جاد به بطل القصة عبدالرحمن، بل استعان بأطراف أخرى، التقى أفراد العائلة في أنحاء مختلفة، واستعان بفريق عمل لأجل توثيق الأحداث والتواريخ، والرجوع إلى مصادر كثيرة، ليخرج العمل مملوءاً بالتفاصيل الثرية التي تصلح تأريخا لذلك الحدث المهم في تاريخ أميركا. يشار إلى أن ديف إيجرز ولد ونشأ في شيكاغو، وتخرج في جامعة ألينوي، وحصل منها على إجازة في الصحافة. وله خمسة مؤلفات سابقة لرواية «زيتون»، وهو مؤسس دار نشر ماكسويني المستقلة في سان فرانسيسكو التي تصدر مجلة ربع سنوية.

كما كل فن صادق، حوّلت الرواية عبدالرحمن من مجرد خبر عن رجل أدى دوراً بطولياً، على الأقل في البداية، إلى شخصية ثرية، تطلع القارئ على مشاعرها، وتبوح له بما في الأعماق، بما لم تسجله عدسات الكاميرات، ولا المقابلات الصحافية السريعة. يروي عبدالرحمن زيتون تفاصيل من هنا وهناك، من ماضيه وحاضره، يتحدث عن ذكرياته في سورية، وأطياف أسرته وأخوته، وترحاله بين موانئ كثيرة، والحال التي انتهى إليها خلال المحنة، إذ اقتيد للسجن بتهمة الإرهاب «العظمى»، ويتطرق إلى حنينه لصغاره، وأرقه عليهم: كيف ستكون حال البنات لو صار يوماً كما المعتقلين في غوانتانامو، لمجرد أنه عربي مسلم؟

عائلة بحرية

ولد عبدالرحمن زيتون في جزيرة أوراد السورية، في عام ،1957 كان الأب يعمل على أحد المراكب، وصادف صعاباً جعلته يترك الجزيرة، ويحاول الاستقرار في فضاء بري بعيد عن البحر، لكن ينتهي به المطاف في منزل بمنطقة ساحلية (جبلة). ورغم محاولات الأب إقصاء أبنائه عن البحر، إلا أنهم تعلقوا به، فأحمد الذي يكبر عبدالرحمن بسنوات، سافر إلى تركيا بنية دراسة الطب، لكنه غير مساره، ودرس البحرية، وصار قبطانا يجول محيطات العالم. أما محمد الأكبر فكان «من سباحي المسافات الطويلة، من أفضل من عرفهم العالم.. كانوا يسمونه الطوربيد البشري، وتمساح النيل، والمعجزة». وقبل أن يتم محمد العشرين من العمر فاز بسباق سباحة يبدأ في صيدا وينتهي في بيروت (26 ميلاً)، كما فاز بسباق عالمي بين كابري ونابولي بإيطاليا، و«أصبح آنذاك أشهر سباح محيطات في العالم... وعندما كان في الـ24 رحل عن الدنيا: قتل في حادثة سيارة في مصر، قبيل الاشتراك في سباق سباحة في قناة السويس».

أما عبدالرحمن فامتهن لفترة الصيد، ولحقه أخوه أحمد في ما بعد بإحدى السفن ليقوم عليها بما تيسر له من أعمال مساعدة، وظل كذلك لـ10 سنوات، حتى استقر في أميركا، وبحث عن عروس، ووجد كاثي الأميركية المسلمة التي شاركته الحياة، وأيام محنة إعصار كاترينا، والسجن أيضاً، وظلت بجواره حتى نال حريته، ودفعت ثمن تلك الأزمة اضطراباً في الذاكرة.

«الملتزم»

ربما في اتجاه واحد تسير رواية «زيتون»، تحديداً في تصويرها لشخصية عبدالرحمن «الملتزم» دينياً وعملياً وأسرياً، فالرجل منذ بداياته يبدو حريصاً على العبادة، متمسكاً بتعاليم دينه، حتى في أحلك الأوقات، خلال فترة اعتقاله، ورغم أن ذلك قد يصب في تثبيت التهم الموجهة إليه، إلا أنه لم يتخل عن الشعائر، واستعصم بالصلاة والدعاء، غير ملتفت لأعين الحراس والرقباء حواليه.

صورة أخرى من صور التزام عبدالرحمن تتجلى في حبه للعمل، والحرص على مواعيده، قبل أن تطأ قدماه أرض العم سام وبعدها، إذ يروي أنه بينما كان في بداياته في أميركا انطلق صباحاً بدراجته ليلحق بعمله في صيانة أحد المنازل، إلا أن إطار الدراجة انفجر، وكان بينه وبين الوصول مسافة طويلة، فما منه إلا أن حمل الدراجة على كتفه، وركض بها، إذ كان لا يستطيع تركها في المكان الذي تعطلت فيه، وبعدما ركض لمسافة فوجئ بشاحنة تسير ببطء بجواره، ويتعجب صاحبها من حال عبدالرحمن، ويسأله عما يدفعه إلى ذلك، فلم يلتفت «الملتزم»، وقال له وهو يكمل عدوه: حتى ألحق بميعاد العمل، والمفاجأة أن سائق الشاحنة السائل لم يكن إلا المقاول الذي يعمل لديه عبدالرحمن، وتوقف المقاول ووضع الدراجة في الشاحنة، واصطحب عبدالرحمن معه. اجتهد زيتون في عمله كما تظهر الرواية، واستطاع خلال فترة قصيرة أن يستقل بذاته عبر عمل خاص، إذ صار مقاولاً صاحب مكتب وعمال ولافتات تحمل شعاره (فرشاة وقوس قزح)، واشترى العديد من المنازل، ورزق بثلاث فتيات (نديمة صفية عائشة)، وبعد محنة الاعتقال بأحمد.

«الطوفان»

رغم التحذيرات من إعصار كاترينا رفض عبدالرحمن زيتون ترك مدينته، رأى أن إقامته ربما تخفف الأضرار التي ستتعرض لها أملاكه، ولكن بعد «الطوفان» الذي غمر نيو أورلينز وجد الرجل نفسه أمام مهمة أسمى من مجرد حراسة منازل، إذ فوجئ بعجزة محاصرين في الطوابق العليا من منازلهم، وحيوانات أليفة بلا طعام ولا شراب نسيها، أو تركها أصحابها ورحلوا هاربين إلى أمكنة أخرى.

انطلق عبدالرحمن في «أنهار» الشوارع بقارب صغير، يقدم المساعدات ويغيث من يستطيع، إلى أن قبض عليه، واقتيد إلى سجن، ليجد في انتظاره تهماً كبيرة، وتفتشياً يعري الإنسان من كرامته قبل ملابسه، يقوم به متعصبون مهوسون لم ينسوا مشهد البرجين المتهاويين: «في بعض الليالي يكافح زيتون حتى ينام، وفي ليال أخرى تطوف بخياله الوجوه، وجوه الذين قبضوا عليه، والذين سجنوه، والذين كانوا ينقلونه ما بين الأقفاص كالحيـوان، والـذين نقـلوه نقل المتــاع. ويخطر بباله أولئك الذين عجزوا عن اعتباره جاراً لهم، مواطناً من مواطنيهم، وإنسانا مثلهم. وأخيراً يأتيه النوم، ويصحو في الصباح على أصوات أطفاله.. ورائحة الطلاء الحديث تملأ البيت بالإمكانات. إن الأطفال يخافون الماء ولا شك، وعندما انفجرت إحدى الأنابيب في العام الماضي امتلأ البيت بصراخهم وكوابيسهم، ولكنهم يكتسبون القوة تدريجياً وببطء. ومن أجلهم يجب أن يتحلى بالقوة، وعليه أن ينظر إلى المستقبل. عليه أن يوفر لهم الطعام، وأن يحتضنهم، وأن يبين لهم أن لله غاية في ما مروا به من محن. وهو يقول لهم ربما كان الله عندما سمح بدخوله السجن قد أنقذه مما هو أسوأ، وهو يقول لهم: كل حادث له سبب، وعليك أن تقوم بواجبك، وأن تفعل ما هو صواب، والباقي في يد الله».