عمان- يقول الكاتب الفلسطيني المقيم في الولايات المتحدة الأميركية خالد شموط إن سبب الكتابة عن القاص والروائي الفلسطيني غسان كنفاني وأدبه لأنَّه جعَلَ من فلسطين قضية في كلِ كتاباته فأضحى هو قضية بحد ذاته، وفق تعبيره.
ويضيفُ شموط في كتابه الصادر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بعنوان "من الذاكرة حتى الأمل- دراسة في قصص غسان كنفاني القصيرة"، إنَّهُ "برغم مرور أربعين عاما على اغتيال كنفاني وجفاف قلمه إلا أنَّ أقلام الباحثين ما تزالُ تقطر بالكتابات والتمحيص في أعماله، وهذا بحد ذاته شهادة على نبوغ كتاباته وشخصيته التي ما تزالُ محط اهتمام القراء الكبار والصغار".
ولد كنفاني في عكا 9 نيسان (أبريل) العام 1936، واستشهد في بيروت 8 تموز (يوليو) العام 1972، وهو روائي وقاص وصحفي، تمَّ اغتياله على يد جهاز المخابرات الإسرائيلية "الموساد"، عندما كان عمره 36 عاما بتفجير سيارته في منطقة الحازمية قرب بيروت.
يتناول الكتاب قصص كنفاني من خلال تحليل الحبكة والشخصيات والمواضيع والفكر السياسي والاجتماعي، من أجل الكشف عن خفايا كثيرة في قصصه القصيرة التي تكشف بدورها الكثير عن شخصية غسان كنفاني ذاته، حتى الذهاب إلى أنه كان مصلحاً اجتماعياً.
ويرى المؤلف أنَّ الأدب الفلسطيني احتلَّ على مدى العقود الأربعة أو الخمسة السابقة مكانةً مميَّزة في الأدب العربي، كما قوبلَ بحماسة واهتمام كبيرين في الوطن العربي، حتى على المستوى العالمي، لافتا إلى أنَّ الأدب الفلسطيني عامة لم يكن ينظر إليه على أنه أدب فلسطين فحسب، بل كان يُعدُّ رمزا للأدب المقاوم بشكل عام، وكنفاني أحد أهم أعمدة هذا الأدب.
وينوه شموط إلى أنَّ ما يميز أدب كنفاني عن الأدباء الفلسطينيين الآخرين هو أنه لم يكن أديبا فحسب، بل باحثا ورساما ومحررا وسياسيا وناطقا باسم الجبهة الشعبية، وبالرغم من تعدُّدِ أشغاله، إلا أنه كان غزير العطاء، منغمسا في العمل السياسي، والأهم من هذا أنه كان يفعل ما يكتبه أو- إنْ صحَّ التعبير- يكتب ما كان يفعله.
ويصف المؤلف كنفاني أنه كان "كاتبا ملتزما دائم العمل على تغيير واقع شعبه الفلسطيني، من خلال العمل السياسي أو الكتابة، فالأمران بالنسبة له لم يكونا نقيضين بل كانا وسليتين للهدف نفسه".
ويؤكد شموط أنَّ كنفاني الذي عايش النكبة، لم يكن يرضى بأن يأخذ دورَ المتفرِّج على مصائب ومآسي شعبه بدون أنْ يحرِّكَ ساكناً أو أن يحاول تغيير ما ألمَّ بشعبه، مشيرا إلى أن كنفاني فهم في سنٍّ مبكِّرَة القضية الفلسطينية، فقد شرِّدَ من بلده، وعانى من مشاهدة أهله وهم يقاسون تبعات النكبة في المخيم وفي الغربة.
كرَّس كنفاني حياته، وفق شموط، من أجل قضيته ولتقديمها للعالم على أفضل وجه، مؤكدا أنَّ قصصه ورواياته جاءت واقعيَّة تعكسُ الواقع الفلسطيني بكل أشكاله وألوانه وحيثياته، لافتا إلى أن كنفاني لم يحاول من خلال كتاباته استعطاف القارئ على شعبه، فهو لم يعتبر الشعب الفلسطيني شعب لاجئين بحاجة لعطف الآخرين.
ويرى المؤلف أنَّ كنفاني حاوَلَ من خلال إبداعه أنْ يقدِّم للفلسطينيين ماضيهم، داعيا فيه إلى الاعتزاز بكلِّ التضحيات التي قدمها أبناء شعبه، ورفع الروح المعنوية لهم، وتشجيعهم على أخذ زمام الأمور بأيديهم، فلعبت كتاباته على رفع القضية الفلسطينية على الصعيد العالمي.
ويقول شموط "كنفاني كان كاتبا ذا مستوى عال، سواء على المستوى الأسلوبي أو التقني، وعالج القضية الفلسطينية من زوايا ومستويات مختلفة، وهو من روَّاد الأدب الفلسطيني الذين قدموا الشخصية اليهودية على كونها إنسانا عاديا".
وأوضح أنَّ الراحل كان أوَّل من اكتشف وكتب عن الأدب الفلسطيني المقاوم تحت الاحتلال، فهو لم يكتف بإبراز معالم الأدب الفلسطيني، بل استغل ذلك ليجعل منه قضية بحد ذاته "فيتناول حالة المواجهة بين الأدب العربي الفلسطيني والادب الصهيوني.
وينوه إلى أن كنفاني كشَفَ محاولات الاحتلال الصهيوني في مسخ صورة العرب وتشويههم، وطمس أدب المقاومة العربي للتأثير عليه وسحقه وتشويهه على الصعيد الداخلي والخارجي.
ويشير إلى أن كنفاني الذي عمل صفحيا كان وراء إظهار الكثير من الأدباء الفلسطيني، وأسهم من خلال موقعه في إبراز العديد منهم، مثل الشهيد ناجي العلي الذي شاهد له كنفاني أثناء زيارته لمخيم عين الحلوة ثلاثة أعمال من رسوماته فنشر له أولى لوحاته وكانت عبارة عن خيمة تعلو قمتها يد تلوّح، ونشرت في مجلة "الحرية" العدد 88 في 25 أيلول (سبتمبر) 1961.
ويوضح شموط أنَّ الهدف من الكتابة عن القصص القصيرة لكنفاني، الكشف عن خفايا كثيرة فيها، والتي لم يتطرق لها الكثير من النقاد، كما أنها تكشف الكثير عن شخصية الراحل. ويقول "بالرغم من الكم الهائل الذي كتب عنه وعن أعماله الروائية، إلا أن قصصه القصيرة لم تعالج بشكل كاف، وتفتقر المكتبات إلى كتاب متخصص في قصص كنفاني".
ويشير إلى أن د. فيحاء عبدالهادي هي الكاتب الوحيد الذي تصدَّى لنقد قصص غسان، حيث خصصت خمسين صفحة لمعالجة قصصه في كتابها "وعد الغد"، مستدركا أنَّها لم تتعمَّق في بحثها أو نقدها للقصص، كما كان الحال كذلك مع النقاد الآخرين الذين تناولوا الموضوع. ويتابع أنَّ ذلك معاكس لحال أعماله الروائية التي حظيت بكمٍّ هائل من الدراسات والكتب، بينما أهملت أعماله القصصية.
ويتناول الكتاب أعمال كنفاني القصصية بالتحليل الدقيق، فمن حيث الموضوع يستعرض موضوعات مختلفة كالحض على الصمود، والانحطاط الخلقي، ونبذ التقاليد، وفي فصل "الوعي السياسي" يدرس تسلسل العمل النضالي وتطوره بدءاً من التعامل مع العقبات القائمة في طريق العودة، فمرحلة التحضير لمواجهة العدو، وصولاً الى مرحلة الكفاح المسلح والنضوج العسكري.
أما فصل "الشخصيات" فيحلل أدوار الذكور والإناث في قصص غسان ومظاهرها، والشخصيات المنتجة وغير المنتجة، والشخصيات اليهودية.
ويتطرق في فصل "الحبكة" الى الأساليب المختلفة التي كتب بها غسان قصصه القصيرة، والى تيار الوعي والحبكة ذات العقدة والحل، وقصص انكشاف الحالة.