أزمة السكن وأسعار العقارات في سوريا

تاريخ النشر: 12 يونيو 2012 - 02:00 GMT
هناك أزمة سكن لكنها أزمة تعود لارتفاع أسعار العقارات وليس لقلة المعروض
هناك أزمة سكن لكنها أزمة تعود لارتفاع أسعار العقارات وليس لقلة المعروض

بنظرة سريعة على أسعار العقارات سنجد أنها تتفاوت بين منطقة وأخرى حيث يتراوح سعر المتر المربع على الهيكل في ريف دمشق بين عشرة آلاف ليرة وخمسة وعشرين ألف ليرة سورية.

أما في داخل دمشق فقد فاق سعر المتر المربع كل التصورات حيث يتراوح سعر المتر المربع الواحد من البناء الجاهز بين خمسين ألف ليرة سورية ومئتي ألف ليرة سورية في بعض مناطق دمشق إذ اقتربت أسعار الشقق في الأحياء الراقية في دمشق مثل المالكي والمزه من أسعار نظيراتها في باريس ولندن فسعر الشقة نحو 90 مليون ليرة سورية على اقل تقدير.

وبينما شهدت السنوات الماضية ارتفاعاً في أسعار العقارات فإن العام الحالي يشهد ثباتا عند سقف خيالي وحتى الآن لا يوجد مؤشر على تحركها باتجاه الانخفاض كما كان متوقعاً نتيجة الأحداث الأخيرة.. فهل سيبدأ الركود أم أن التاريخ لا يعيد نفسه...؟ هناك أزمة سكن لكنها أزمة تعود لارتفاع أسعار العقارات وليس لقلة المعروض...

كساد أم لا كساد، هو السؤال المطروح اليوم للنقاش في سوق العقارات، والمؤكد أن هناك ترقباً وانتظاراً في السوق لكن ما الذي سيأتي بعد الهدوء...؟! يرى الخبير العقاري يوسف الخالد أن أسعار العقارات لن تنخفض بل هناك جمود وركود اقتصادي عام ينعكس بدوره على حركة التبادلات التجارية للعقارات..

ويضيف: في ظل وجود عجز في الموازنة الحالية لا أستطيع إلا القول إنه سيؤدي إلى زيادة الأسعار وليس انخفاضها فالعجز الكبير محرض على زيادة الأسعار.

مؤكدا أن أسعار العقارات تتأثر بالطلب الخارجي كما تتأثر بالطلب الداخلي ولا يمكن التنبؤ بأسعار العقارات إلا إذا توقفت التوظيفات الاستثمارية التي نراها في العقارات، مبيناً أن الركود كان متقلبا في الفترة الماضية لكن بداية العام الحالي أصبح حقيقيا ما يجعلنا ننظر إلى أن السوق لا يبعث على التفاؤل ولاسيما للقطاع الاستثماري.. مبيناً أن أغلب الشركات والمستثمرين الأفراد متعثرون في توفير السيولة اللازمة لإتمام أغلب مشروعاتهم.

فقطاع العقارات كان ولا يزال يستقطب أكثر من نصف التوظيفات الاستثمارية في سورية وتالياً يؤثر على مجمل حركة الاقتصاد فيه - والسكن كان ولا يزال أزمة حاضرة في حياة السوريين بلا منازع وكأن قدرهم أن يعيشوا هم وآباؤهم وأبناؤهم وحتى أحفادهم أزمتها العصية على التغيير: قبل دخول العراقيين إلى بلدنا كانت الأزمة موجودة وعلقنا أسبابها بحجم الوافدين ومن ثم جاء قانون التطوير العقاري وبعده دخلت الشركات العقارية الاستثمارية وبدأت بتنفيذ مشروعاتها ولكن الأسعار زادت.

وأعلنت الحكومة عن توجهات لتنفيذ مشروعات جديدة مع إعلان النيات لإكمال المشروعات المباشر بها منذ سنوات.. ولم يتغير الحال.. خطط خمسية.. ومخططات تنظيمية قاصرة وإجراءات جديدة وإضافة توسعات بلحظ مقاسم صالحة لإقامة ضواح جديدة... ولا ننسى وعود السكن الشبابي....

وكل مخالفات البناء العشوائية لم تلحلح وتنشط التبادلات العقارية..! أما نائب رئيس المكتب التنفيذي لمحافظة ريف دمشق سابقاً شاكر تونسي فهو لا يتفق مع الخالد وينفي وجود مؤشرات كساد في قطاعات الاقتصاد السوري ومنها أسواق العقارات، ويصف التونسي حال سوق العقارات بأنها تشهد هدوءاً وقد تعاود النشاط في أي فترة من الفترات المقبلة ولاسيما مع استقطاب استثمارات عقارية خارجية..

ويضيف: إن أسعار العقارات تراجعت عن مستوياتها الخيالية السابقة لكن السوق ستبقى نشطة نتيجة الطلب المرتفع مقابل العرض المتدني، معتبراً أن ارتفاع العقارات هو دليل وذمة تضخمية تأتي سبّاقة لارتفاع الأسعار العام وهي تعبير واضح عن اختلال التوازن بين الكتلة النقدية والكتلة السلعية، وهذا يعني أن أموالا كثيرة دخلت إلى البلد لكنها لم توظف في الإنتاج السلعي المادي بل ذهبت إلى أماكن ومسارب أخرى أهمها شراء الأراضي ومن ثم العقارات وتالياً فان الارتفاع في أسعار العقارات حصل بسبب توجه هذه الكتلة النقدية الكبيرة في هذين الاتجاهين وتالياً إذا كان البعض يتنبأ بانخفاض أسعار العقارات التي كانت مرتفعة بشكل غير حقيقي ومزيف أصلا فهم مخطئون.

مشيراً إلى أن العوامل التي أدت إلى ازدهار قطاع العقار السوري خلال الأعوام الثلاثة الماضية بدأت بالانحسار والتباطؤ مقارنة بنسب النمو المرتفعة التي حققتها في الماضي فبعد سنوات الانتعاش التي عاشتها العقارات والأسعار المرتفعة جدا التي وصلت إليها تمر الآن العقارات السورية بفترة ركود شديد، فالمعروض يفوق الطلب بكثير وأصبح المشتري والمستأجر سيد الموقف مبيناً أن 80% من مساكن تنظيم المزه فارغة ولا تجد من يشتريها لكن أسعارها لم تنخفض والسبب أن السوريين يضعون مدخراتهم في سوق العقارات ويستعملونها كمطمورة وعندما يتوقف البيع ينامون عليها بانتظار «الهبة» القادمة، بل إن السكن المخالف والمخالف لأدنى شروط الصحة والسلامة وصل سعر متره المربع على الهيكل في مناطق بائسة في ريف دمشق إلى أكثر من خمسة عشر ألف ليرة..

وما زال الناس على حلمهم القديم بأن تنخفض أسعار السكن وصولاً إلى الأسعار الحقيقية ولاسيما أن الجميع يدرك أن الأسعار الحالية هي أسعار مبالغ فيها ولا تتناسب مع التكاليف الحقيقية في السوق السورية.

فهل يتحقق الحلم؟؟ أم ندخل في كساد طويل الأمد كما هو حاصل الآن...؟ حيث ينتظر البائع الذي وضع مدخراته في العقار أن يبيع بالسعر الذي باع به جاره مرة وينتظر الشاري أن تنخفض أسعار العقارات كما كانت مرة... ويبقى الطرفان على انتظار أم إنها «فوضى عقارات وقد اعتدنا جنونها واعتادت شكوانا».

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن