قالت وكالة الطاقة الدولية أمس الجمعة إن العالم قد يشهد تراجعاً تدريجياً لأسعار النفط خلال السنوات الخمس المقبلة بسبب تباطؤ النمو الاقتصادي وزيادة كفاءة استهلاك الطاقة مع ارتفاع الإنتاج بشدة في العراق وأميركا الشمالية. وخفضت وكالة الطاقة الدولية التي تقدم المشورة للدول الصناعية بشأن سياسات الطاقة أمس الجمعة توقعاتها لارتفاع الطلب على النفط حتى 2016، حيث لم تعد أرقام متوسط الزيادة تتخطى 1.2 % سنوياً بدلاً من 1.3 % في السابق، بسبب تدهور الاقتصاد العالمي.
وجاء في التقرير المتوسط الأجل حول السوق النفطية الذي أصدرته وكالة الطاقة التابعة لمنظمة التعاون والتنمية الاقتصادية أن الطلب على النفط سيرتفع من 89.79 مليون برميل يومياً هذه السنة إلى 94.54 مليون في 2016، أي أقل بحوالي نصف مليون برميل يومياً مما كانت تتوقعه حتى الآن. وأضافت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها أن «إعادة النظر في المعطيات السابقة ونموًا اقتصادياً أدنى مما كان متوقعاً، قادا إلى تخفيض يناهز نصف مليون برميل يومياً في 2012» وإلى تخفيض مماثل للفترة من 2011 إلى 2016. وأوضحت الوكالة أن «توقعات النمو الاقتصادي طوال الفترة قد تراجعت على خلفية المخاوف المستمرة المتصلة بالديون في منظمة التعاون والتنمية الاقتصادية وخصوصاً في منطقة اليورو»، مشيرة إلى أنه «حتى الصين، المحرك الأساسي لارتفاع الطلب خلال العقد المنصرم، تعطي مؤشرات تباطؤ».
وفي التفاصيل، فإن التوقعات الجديدة لوكالة الطاقة الدولية أقل بـ 480 ألف برميل يومياً في 2012 و930 ألف برميل يومياً في 2013، بالمقارنة مع توقعاتها السابقة المنشورة في ديسمبر الماضي. والتوقعات للسنوات اللاحقة تسير في الاتجاه نفسه فتشير إلى تخفيض قدره 880 ألف برميل يومياً في 2014 و680 ألفاً في 2015 و540 ألفاً في 2016. وفي 2017 أخيراً، تتوقع الوكالة طلباً يبلغ 95.68 مليون برميل يومياً، مشيرة إلى أن هذه التوقعات أولية. ونتيجة لذلك سيقل الضغط على أوبك لإنتاج مزيد من النفط ولن تضطر المنظمة لضخ أكثر من 31 مليون برميل يومياً حتى عام 2017 لتلبية الطلب العالمي. وأنتجت أوبك ما بين 31 و32 مليون برميل يومياً هذا العام. وقالت وكالة الطاقة في تقرير التوقعات متوسطة الأجل لسوق النفط «تم خفض توقعات النمو الاقتصادي في الفترة التي يشملها التقرير مع استمرار المخاوف بشأن الديون في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لاسيما في منطقة اليورو. وحتى الصين التي كانت المحرك الرئيس لنمو الطلب في العقد الماضي تظهر عليها علامات التباطؤ». وأضافت: «القراءات تشير إلى تراجع تدريجي للأسعار خلال تلك الفترة». وتراجع سعر خام القياس الأوروبي مزيج برنت بعد التقرير ليجري تداوله منخفضاً 1.27 دولار للبرميل عند 114.44 دولار في الساعة 0910 بتوقيت غرينتش. وفي تقريرها السابق في ديسمبر 2011 توقعت وكالة الطاقة نمو الطلب العالمي على النفط بنحو ثمانية في المائة بين 2010 و2016 لكنها قالت إنها تتوقع تحسن الإمدادات في الأسواق مقارنة بالأعوام السابقة. وبعد عشرة أشهر ترسم الوكالة صورة لمعروض أكثر وفرة، وتقول إن الطلب على النفط سينمو بأقل من سبعة في المائة حتى 2017، حيث سيبلغ 95.7 مليون برميل يومياً. وفي سياق آخر تتفاوت الأسعار في سوق النفط الخام بين أوروبا وأميركا، حيث زاد الفارق أمس بين أكثر أنواع النفط تداولاً على مستوى العالم، خام برنت الذي يستخرج من بحر الشمال، والنفط الأميركي إلى أكثر من 22 دولاراً. وكان هذا الفارق أكبر من ذلك قبل نحو عام. وبرر مراقبون هذا التطور بعوامل خاصة بأميركا وأخرى خارجها. فلا تزال نسبة الفائض من المعروض في الولايات المتحدة كبيرة وهو ما يضغط أسعار النفط الخام هناك، في حين أن المخاوف في أوروبا من المخاطر السياسية التي تحدق بمنطقة الخليج أدت لارتفاع أسعار النفط بها. يضاف إلى ذلك أن سوق النفط يستفيد بشكل عام من السياسة المالية المتراخية جداً للبنوك المركزية. ويبلغ سعر برميل النفط (159 لتراً) من نوع برنت بحر الشمال نحو 114 دولاراً. ورغم أن هذا السعر يقل بكثير عن سعر النفط إبان الأزمة المالية عام 2008 والذي وصل إلى 140 دولاراً إلا أن سعر نفط برنت ارتفع هذا الصيف بنسبة بلغت نحو 25 %. ويبلغ سعر برميل نفط غرب تكساس الأميركي الخام نحو 92 دولاراً أي أقل بكثير من سعر نفط بحر الشمال. وكان فارق السعر أكبر من ذلك قبل عام عندما زاد سعر برميل نفط برنت بنحو 25 دولاراً عن نفط غرب تكساس وذلك بعد أن تساوى سعر نوعي النفط تقريبا مطلع عام 2011. وأرجع خبير المواد الخام، أويجن فاينبرغ من مصرف «كوميرتس بنك» أسباب هذا التطور إلى ظروف تتعلق بأميركا وأوروبا ومنطقة الخليج. وبرر انخفاض أسعار النفط الخام الأميركي بالجهة العارضة للنفط، وقال إن الولايات المتحدة لم تنتج مثل هذه الكميات من النفط منذ 16 عاماً. يُضاف إلى ذلك قلة إمكانيات النقل خاصة عبر أهم أنابيب النفط وهذا هو السبب وراء صعوبة نقل النفط الخام المستخرج إلى خليج المكسيك لتكريره هناك وهذا هو السبب أيضاً وراء انخفاض مخزون المنتجات النفطية مثل البنزين أو المازوت. ولكن الوضع في أوروبا يختلف تماماً، حيث أدت أعمال الصيانة المستمرة منذ أسابيع في العديد من المنشآت النفطية في بحر الشمال إلى قلة المعروض من النفط. والأهم من ذلك حسب تقدير الخبراء هو المخاطر السياسية في منطقة الخليج التي تحصل منها أوروبا على جزء كبير من نفطها الخام سواء بسبب النزاع بشأن البرنامج النووي الإيراني أو الحرب الأهلية في سوريا أو الوضع المتوتر في ليبيا «فهناك خوف سائد في أوروبا من أن ينخفض المعروض من النفط والذي من شأنه أن يرفع سعره» حسبما أوضح فاينبرغ.