وسط تدهور قيمة العملة الإيرانية الريال، وغرق الاقتصاد في حالة من الفوضى، يتحمل المواطنون الإيرانيون في جميع أنحاء البلاد العبء الأكبر وهم يحاولون تأمين قوتهم اليومي. أرخت أزمة العملة الايرانية الريال المتراجعة بظلالها على المواطنين عموما، بحيث اصبح عدم اليقين والقلق، والخوف من المستقبل جزءا من الحياة اليومية للإيرانيين من الطبقتين المتوسطة والمتدنية من المجتمع. «الحياة أصبحت صعبة جدا»، يقول أحد الشبان الجامعيين بحسرة، راثيا حاله وحال الايرانيين الآخرين الذين يكافحون من أجل توفير احتياجاتهم اليومية في ظروف صعبة جدا. ويضيف: «نحن لا نعرف ما الذي يخبئه المستقبل لنا، في الواقع نحن لا نعرف حتى كيف ستكون الامور في الساعات القليلة المقبلة..أصبح المال الذي بحوزتنا لا قيمة له، والأمر يؤثر في جميع جوانب الحياة بالطبع».
«أورينت برس» اعدت التقرير التالي: يشعر الإيرانيون بسخونة تدهور قيمة الريال الايراني كلما ذهبوا للتسوق ولشراء حاجياتهم اليومية التي لا غنى عنها. لقد تضاعفت أسعار المواد الغذائية الأساسية وغيرها من السلع، بما في ذلك الأدوية المستوردة، إلى ثلاث مرات أو أكثر، في بعض الحالات. كما ارتفعت أسعار الأجهزة المنزلية والإلكترونية، والأسعار إلى زيادة كل يوم، حسبما يشكو الجميع. تقول مواطنة إيرانية: «اسمحوا لي بأن أقدم لكم مثالا صغيرا، لقد اشتريت صلصة المعكرونة بنحو 11 ألف ريال قبل يوم، وفي اليوم التالي اشتريت الصلصة نفسها بسعر بلغ 18 ألف ريال وعندما قلت لصاحب المحل انني كنت قد اشتريتها في الليلة السابقة بسعر 11 ألفا فقط، أجاب: بارك الله الليلة الماضية. هل لديك أي فكرة كم ارتفع سعر صرف الدولار منذ ذلك الحين؟». وقالت شابة ايرانية أخرى ان «سعر معجون الاسنان الذي استخدمه وهو من ماركة اجنبية زاد ثلاثة اضعاف في غضون بضعة اشهر. وعلى الفور قررت انني سأشتري منتجا ايرانيا بدلا منه لكن سعره تضاعف هو الاخر تقريبا»، مضيفة: «لا نعرف ما سوف يحصل في الايام المقبلة وما ستقوم به الحكومة لمنع تدهور الاوضاع بشكل اكبر». شراء اقل قبل نحو سنة، كان سعر صرف الدولار الواحد يبلغ نحو 10 آلاف ريال ايراني، لكن في الآونة الاخيرة ضرب الريال مستويات منخفضة قياسية، بحيث بات سعر صرف الدولار 36 ألف ريال ايراني. ويلقى باللوم في انهيار الريال الايراني على سوء الإدارة الحكومية للاقتصاد، وطبعا جراء العقوبات الاقتصادية المفروضة على ايران بسبب انشطتها النووية الحساسة.
يقول العديد من المواطنين الايرانيين اليوم انهم يحاولون التعامل مع الأزمة عن طريق شراء أقل كميات ممكنة من الحاجيات والمواد الغذائية، وعبر حرمان أنفسهم من بعض الأطعمة، مثل الفواكه، والمواد غير الأساسية. يضيف أحد الشبان: «أنا اكل اللحوم مرة واحدة فقط كل أسبوعين.. لا أستطيع تحمل شراء اللحم اسبوعيا. إذا رأيت شخصا ما يحمل عدة كيلوغرامات من اللحم، اعتقد على الفور انه لابد ان يكون ثريا».
تأثير في الاعمال لا شك ان ازمة العملة الايرانية هذه تضر أيضا بالأعمال، ليس فقط محال الاغذية، بل جميع القطاعات الاقتصادية، بما في ذلك متاجر الكمبيوتر، وبذلك يقول احد أصحاب هذه المتاجر: «ان طابعة الكترونية تقليدية كانت تكلف 1,4 مليون ريال بات سعرها الآن اكثر من 3 ملايين ريال. بالكاد يمكننا بيع أي شيء بعد الآن. من قبل، كنا نبيع فئران الكمبيوتر كلما كسرها اصحابها كونهم يشترون واحدة جديدة، أما اليوم فهم يريدون منا إصلاحها لأنهم لا يقدرون على شراء واحدة جديدة فبعد ان كان سعرها 50 ألف ريال بات سعرها اليوم 190 ألف ريال». وقد استفحل هذا الوضع عقب إغلاق بعض المحال التجارية ولاسيما محال الذهب والمجوهرات في سوق المدينة، وبعد الإضراب في بازار طهران الرئيسي والاشتباكات بين شرطة مكافحة الشغب والمحتجين الذين كانوا غاضبين من تدهور الريال وعدم فعالية الحكومة في التعامل مع الأزمة. لكن يعتقد الكثيرون ان الاضطرابات الكبيرة لم تأت بعد وان الوضع لا يمكن ان يستمر على ما هو عليه طويلا لان الناس لم يعد باستطاعتها ان تتحمل. حتى اصحاب المداخيل الجيدة بدأوا بالتذمر اذ لم يعد بإمكانهم الخروج مع الاصدقاء كما كانوا يفعلون من قبل او شراء الملابس الجديدة كل شهر او شراء بعض الاجهزة المنزلية، في حال تعطلت. فقبل عيد النوروز في 21 مارس من هذا العام، مثلا كان سعر الثلاجة 20 مليون ريال اما اليوم فسعرها يبلغ 50 مليونا. ويبدو ان كل الشباب يعلمون أنهم وذويهم قد يضطرون إلى ربط الأحزمة على البطون في الأيام والأشهر القادمة. في المقابل هناك عدد من المواطنين الذين مازالوا يدعمون المعسكر المحافظ المسيطر على النظام والذين يعتبرون انه «علينا ان ندعم جهود الحكومة والا نخرج في تظاهرات حتى لا نزيد الضغط الدولي عليها». اشتباكات مع الشرطة بالعودة الى احتجاجات المواطنين، فقد تم إغلاق البازار الكبير في طهران. ونشب العديد من الاشتباكات بين شرطة مكافحة الشغب والعشرات من المتظاهرين في شارع فردوسي في وسط طهران الذين كانوا ينفسون عن غضبهم من انهيار الريال الإيراني. لكن السلطات ادعت انها اتخذت إجراءات صارمة ضد تجار العملة في السوق السوداء في العاصمة الإيرانية ووصفتهم بالمافيا غير المرئية. علما ان شارع فردوسي يغص بالمتاجر الصغيرة لصرافة المال، وفيه مكاتب صرف مرخص لها وشركات قانونية.
وقد اتهمت الحكومة التجار الذين ألقت القبض عليهم بسحب الدولار الامريكي من السوق في محاولة للطعن في الإجراءات الحكومية للتخفيف من حدة أزمة العملة. من جهتهم، قال سكان طهران على مواقع الشبكات الاجتماعية كالفيسبوك وتويتر ان الشرطة دخلت السوق في محاولة لتفريق المتظاهرين ومنعهم من الوصول الى ساحة هافتيتير، موقع المظاهرات السابقة المناهضة للحكومة. وقال تجار في السوق إن الغموض الذي يكتنف مسألة ما إذا كانت السلطات تستطيع تحقيق استقرار العملة تجعل من الصعب وضع خطط للاستثمار. وقال صاحب متجر في سوق طهران ان «الانشغال بالغد هو الشيء الذي يسيطر على عقل كل تاجر». وطلب عدم نشر اسمه بسبب الحساسية السياسية للتحدث الى وسائل إعلام خارجية. ومشاركة بازار طهران في الاحتجاجات مسألة لها مغزى سياسي لأن التجار من المنطقة كانوا مؤيدين رئيسيين للثورة الإسلامية التي شهدتها ايران في 1979، وقال بعض التجار إنهم أغلقوا متاجرهم الأسبوع الماضي في إطار الاحتجاجات بينما قال آخرون إنهم أغلقوها حرصا على سلامتهم. وبعد الاحتجاجات توقفت معظم تداولات الريال في السوق الحرة بطهران وكذلك في مدينة دبي وهي مركز رئيسي للأعمال التجارية مع ايران مع خوف التجار من أن تستهدفهم الشرطة في طهران لإعلانهم أسعارا لا ترضى عنها الحكومة وبسبب المخاطر المالية الكبيرة للتداول في ظل مثل هذه التقلبات الشديدة للعملة.
تعتيم اعلامي
وقد حاولت السلطات الايرانية التعتيم على ما يجري في الداخل من خلال احكام السيطرة على وسائل الاعلام المحلية ومنعها من بث أي صور او تقارير حول الاشتباكات، فضلا عن التشويش على محطات الاخبار الفضائية الدولية. وقد تأكد ان حملة التشويش مرتبطة بأحداث 3 تشرين الاول/اكتوبر وبحملة المظاهرات والاعتقالات الجماعية. وقد جرى التشويش على إشارات من راديو فاردا وصوت امريكا، كما اثرت على العديد من البرامج الدولية التي تحملها اقمار يوتلسات، بما في ذلك البث الجورجي والأرميني ومن منطقة البلقان. وكانت قد وجهت الاتهامات الى طهران مرارا من قبل هيئة الاذاعة البريطانية «بي بي سي»، وقناة الجزيرة بالتشويش على بثهما الموجه نحو ايران.