بعد مرور ما يقارب من عام ونصف على ثورة 25 يناير خرج المصريون يومي 23، 24 مايو لاختيار رئيسهم الجديد في أول انتخابات رئاسية تحاول أن تعبر عن إرادة المصريين بعد الثورة ومن خلال متابعتنا لها أظهرت النتائج الأولية قبل الطعونات المقدمة من المرشحين وقبل الإعلان النهائي جاء الدكتور محمد مرسى متقدما بنسبة 24.9 %، ثم الفريق أحمد شفيق بنسبة 24.5 % وبالتالي إذا ما استمر الوضع على هذا سيدخل كل منهم إلى جولة الإعادة يومي 16، 17 يونيو وكل المعطيات تقول إننا بصدد مواجهة حامية بين تيارين مختلفين «الإسلاميين– وآخر رئيس وزراء في النظام السابق» ونحن في انتظار ما ستسفر عنه تلك المواجهة.
ومع اختيار رئيس مصر القادم فنجد هناك تطلعات من كافة طبقات الشعب المصري وتحديات أمام الرئيس القادم لأداء اقتصادي يختلف عن المرحلة السابقة بما يحقق طموحات وآمال الشباب بل والشعب المصري كافةرئيس مصر القادم و بالخروج من دائرة الفقر وبما يصنع إرادة سياسية واقتصادية بحيث لا تخضع مصر للتبعية بسبب المعونات فالإصلاحات السياسية ستجعل البيئة الاستثمارية في مصر أكثر جذبا ومما لا شك فيه أن البيئة الديمقراطية ستخلق حالة من التوافق الاجتماعي بما يزيد من إنتاجية العمالة وكذلك اندماج الاقتصاد المصري مع الاقتصاد العالمي كحركة الصادرات والسياحة إلخ.
وبداية نتطرق لحال الاقتصاد المصري في الفترة الماضية حيث تشير البيانات أن ما يقرب من 40 % من سكان مصر تحت حد الفقر أي دخل الفرد نحو دولارين في اليوم، كذلك ارتفع معدل البطالة إلى 15 % بسبب أنظمة التعليم المطبقة والجدير بالذكر أن نسبة السكان الذين يمثلون قوة العمل البشرية بمصر في الفئة من 15 حتى 60 سنة تمثل نحو 60 % وهنا لا بد من وضع الخطط لإدخالهم في منظومة الحركة الاقتصادية والاستفادة من قدراتهم، ومعدل التضخم أقترب من 18 %.
والأجدر بالذكر قضايا الفساد حيث تقدر خسائر مصر بسبب الفساد بنحو خمسة وثلاثين مليار جنيه سنويا وكانت التقارير الاقتصادية المضللة للشعب المصري توهمهم بوجود تحسن اقتصادي وبنظرة تحليلية للاقتصاد المصري وبعيدا عن تلك التقارير الحكومية نجده كان يعاني الكثير من المشكلات لعل تأتي أهمها نسب الموازنة العامة للدولة وما بها من نسب عجز تبلغ 9 % وفوائد وأقساط الدين العام والتي تحمل على الموازنة العامة للدولة حيث بلغت مائة وثلاثة وسبعين مليار جنيه، أما الميزان التجاري فحدث ولا حرج فعادة ما كانت الواردات ضعف الصادرات فحسب البيانات بلغت الصادرات عام 2009- 2010 نحو 24 مليار دولار بينما الواردات بلغت 49 مليار دولار، كذلك الملاحظ عدم العدالة في السياسة الضريبية فنجد أنه بالرغم من المزايا الضريبية للقطاع الخاص فإن مساهمته في الضرائب قليلة فضرائب شركات الأموال تقدر بنحو 62 مليار دولار نجد قطاع البترول وقناة السويس نصيبهم منهم ما يقرب من 40 مليار دولار والمتبقي موزع بين شركات الأموال للقطاع العام والخاص، بينما الموظفون يدفعون 9.5 مليار دولار وهذا يؤكد أن الاقتصاد المصري كان من أهم العوامل المؤثرة لقيام ثورة 25 يناير.
وبعد نجاح ثورة 25 يناير وعلى الرغم من الخسائر في الوقت اللاحق للثورة وهي نتيجة طبيعية لأي ثورة حيث انخفض معدل النمو الاقتصادي وحدوث خسائر للبورصة وقطاع السياحة حقق خسائر بنسبة تزيد عن 50 % وقطاع الاستثمارات خسائر بمبالغ مقدرة ومما لا شك فيه أن لذلك تأثيرا على المدى القريب في قدرة الحكومة الحالية للالتزام بتوفير الاحتياجات الأساسية للمواطن كذلك ما زالت هناك بعض المظاهرات والاحتجاجات الفئوية للمطالبة بزيادة الأجور وغيرها من المطالبات ولكن يجب أن نكون واقعيين فلا يمكن أن نجني ثمار الثورة بين يوم وليلة ولكن سنرى نتائج الإصلاحات على المدى المتوسط والبعيد. أما عن متطلبات المرحلة القادمة فلابد من تكاتف كل الجهود بإعداد منظومة متكاملة للإصلاح سواء الاقتصادية أو التعليمية ومن قبلها القضاء على أصحاب النفوذ ورؤوس الفساد والعمل على إعادة الأموال المنهوبة لأصحابها وهم الشعب المصري بالقضاء على الفساد ومع العمل على سيادة القانون والعدالة في التطبيق، ففي عهد مبارك كانت هناك العديد من الأحكام القضائية والتي لا يستطيع أصحابها تنفيذها للحصول على حقوقهم وكانت الحكومات سابقا هي الداعم لعدم تنفيذها وانتشار الفساد فقط السائد هو علاقات رجال الأعمال مع السلطة وكانت قمة هرم الفساد، ومع الشفافية وتطبيق الديمقراطية هنا تكون نقطة البداية للانطلاق للتنمية وجذب الاستثمارات وتساعد على رفع معدلات النمو ومع توسيع وزيادة الإنتاج تزداد فرص العمل وتقل البطالة بين الشباب.
كذلك أهمية النظر مرة أخرى لتفعيل دور الجهاز المصرفي بتمويل مشروعات إنتاجية أما البورصة فيجب دراسة الخطوات الكفيلة بأن تكون داعمة للاستثمار وليس فقط للمضاربة بزيادة الشركات الجديدة بإصدار اسهم وذلك بالاهتمام بسوق الإصدار «شركات جديدة» خاصة في قطاعي الصناعة والزارعة وليس فقط سوق التداول فيجب ألا نغفل قطاعي الصناعة والزارعة وتركيز الاستثمار على هذين القطاعين وإعداد منظومة متكاملة لتصليح التعليم بما يهدف تطور الإنتاج والاهتمام بقطاع الصحة والضمان الاجتماعي وفي هذا الصدد يجب الاستفادة من جمعيات المجتمع المدني بتوجيه عمل هذه الجمعيات للعمل التنموي بناء على خطط محددة ومكافحة الفقر والبطالة وتنمية روح العمل التطوعي خاصة بين الشباب انطلاقا من روح الثورة. كذلك أهمية إزالة كافة معوقات الاستثمار وإزالة غموض النصوص التشريعية لتفادي تعدد التفسيرات وحل ثغرات القوانين والتشريعات المنظمة للأنشطة الاقتصادية والتجارية والاستثمارية والعمل على ثباتها حتى لا يحدث تذبذب عند المستثمرين والعمل على وضع خريطة استثمارية واضحة للمشروعات وبما يضيف للاقتصاد القومي ومن أهم المشروعات التي تم طرحها خلال الفترة الماضية وخلال برامج مرشحي الرئاسة مشروع تنمية قناة السويس وتحويلها من مجرد ممر ملاحي دولي إلى مركز عالمي للتجارة والصناعة وتقديم الخدمات اللوجستية للسفن وصيانتها وصناعتها بدلا من مجرد تحصيل الرسوم على عبور السفن، أيضا مشروع تنمية الساحل الشمالي الغربي الممتد من البحر المتوسط شمالا وحتى منخفض القطارة جنوبا ومن وادي النيل شرقا وحتى الحدود الليبية غربا بحيث يركز على أنشطة الزراعة والصناعات الغذائية والسياحية والخدمات اللوجستية وما يرتبط بذلك من تكوين مجتمعات عمرانية تخدم الأنشطة التي ستقام فيها، أيضا مشروع التنمية الشاملة لسيناء حتى تتكامل مع تنمية محور قناة السويس.
والأهم في تلك الفترة هي دوران عجلة الإنتاج وإيقاف أي تأخر في نمو الاقتصاد القومي وأهمية إدارة أصول الدولة بكفأة وحرفية والاسترشاد في ذلك بالدول التي مرت بتجارب ناجحة مثل ماليزيا وتركيا وسنغافورة وذلك حتى يصب في خلق اقتصاد قوي يستطيع المنافسة عالميا وهذا لن يأتي إلا بعد توافر الاستقرار الأمني فتلك هي أهم التحديات أمام رئيس مصر القادم والتي تمثل متطلبات استراتيجية للمصريين خلال الفترة المقبلة.
خالد إسماعيل علي