هل باستطاعة الأردن الخروج من الأزمة؟

تاريخ النشر: 26 سبتمبر 2012 - 12:14 GMT
هل هناك ضوء في نهاية النفق وهل هناك مخرج حقيقي من الأزمة؟
هل هناك ضوء في نهاية النفق وهل هناك مخرج حقيقي من الأزمة؟

الحديث عن الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة التي تمر بها البلاد، يعلو حينا و يخفت أحيانا أخرى في الدوائر الرسمية والأهلية على حد سواء. وأحيانا تصدر عبارات مطمئنة هنا، وأحيانا عكس ذلك. ولكن التغيير الحقيقي على أرض الواقع لا يزال ضئيلا للغاية. هذا في حين أن معاناة المواطن من الفقر و البطالة و غلاء المعيشة و سوء أحوال المحافظات تتصاعد يوما بعد يوم. فلا زال النهج هو نهج الاقتراض والمساعدات والمنح والمعونات، وهذا لا يوصل إلى بر الأمان. ولا زالت الدولة تتوسع في الاقتراض الداخلي والخارجي وبمئات الملايين من الدولارات كان من أحدثها سندات خزينة بمقدار(1.5) مليار دولار. وقد تعدى الدين العام حاجز إل (20) مليار دولار، وبخدمة دين تصل المليار سنويا.

المشكلة الكبرى أن الحالة مستمرة منذ سنوات. بمعنى أننا لم نأخذ من القرارات ومن البرامج و الخطط، ولم ندخل من التغييرات، ما يمكن أن يعكس الاتجاه ولو بعد حين، فيتراجع عجز الموازنة الكبير، والذي يتجدد كل عام، وتتم تغطيته بالاقتراض في كثير من الأحيان. وبالتالي لم نصل إلى نهاية هذا النفق والذي راح يعاني منه الاقتصاد الوطني ويعاني منه المجتمع بكامله. تماما كما تعاني منه دول كثيرة في أوروبا مثل اسبانيا واليونان والبلاد العربية في مصر والمغرب وغيرها.

والسؤال هل هناك ضوء في نهاية النفق وهل هناك مخرج حقيقي من الأزمة؟  أول سيارة ليس بالضرورة بين عشية وضحاها، وإنما على مدى عدة سنوات ،تصل بعدها الدولة إلى موازنة ضئيلة العجز ،ولكن بوضع متماسك بعيد عن حالة الأزمة المتكررة. الاجابة نعم .هناك ضوء، وهناك حتى الآن امكانية للخروج من الأزمة ،إذا ما استطاعت الحكومة أن تأخذ مجموعة من القرارات الهامة، و تباشر بتنفيذ مجموعة البرامج الممكن تحقيقها، ولكن دون تأجيل وتسويف. واذا ما كان لديها الشجاعة والصبر على المشقة. واذا ما استطاعت أن تكسب القوى السياسية والاعلام والبرلمان إلى جانبها بما فيه مصلحة الوطن أولاً وأخيراً.

أولا: أن تنهي قضية الإصلاح السياسي بالشكل الذي يتطلع إليه الناس. أي مجلس نواب يتألف من كتل على المستوى الوطني والمحافظات وليس أفرادا.

ثانيا: أن تبدأ الدولة مشروعاً وطنياً للنهوض بالاقتصاد الوطني على أساس التصنيع والانتاج ،وليس مجرد الإدارة اليومية للحالة. وعلى الحكومة أن تدرك انه من العبث أن تحل الأزمة المالية والاجتماعية الراهنة بكل تعقيداتها الخطيرة في إطار اقتصاد تجاري ضعيف الإنتاج

ثالثاً: اصدار قانون بالضريبة التصاعدية على جميع ذوي الدخول، بشكل يبدأ بأرقام متواضعة مع الدخول المتوسطة ،وينتهي بما يقرب من 55% مع الدخول الضخمة للمؤسسات والشركات، و كما هو موجود في معظم دول أوروبا وأمريكا. ومثل هذا القانون يحظى بتأييد الغالبية من الأردنيين.

رابعاً: تعديل رسوم التعدين للبوتاس والفوسفات وغيرها، بحيث يرتبط الرسم بالسعر العالمي للمادة المعدنة والتي هي ثروة طبيعية وطنية، وبنسبة تقترب من 30% من سعر السوق وفق معادلة خاصة. بدلا من أن يكون رسماً ثابتاً وضئيلاً.

خامساً: اصدار قانون يضع رسوماً على التعامل في البورصة اسوة بما هو معمول به في معظم البورصات العالمية وبنسبة تقترب من (0.2%) على البائع والمشتري و للمعاملات التي تقل عن (8) أشهر .

سادساً: اصدار قانون بوضع ضريبة مقدارها (10%) من قيمة المكالمات والعمليات الهاتفية الأخرى في الهواتف الخلوية. سابعاً: وضع رسوم “خدمات متأخرة” على مبيع وشراء الأراضي لغير الأردنيين لا تقل عن (10%) من قيمة العقار سواء كان بيعاً أو شراءً.

ثامناً: تشديد العقوبات على التهرب الضريبي واحكام التعامل مع هذه المسألة دون تعسف من جهة، ودون فساد من جهة أخرى. وتقدر عائدات هذا الاجراء بـ (600) مليون دينار سنوياً.

تاسعاً: زيادة الرسوم والضرائب على قائمة من المستوردات غير المبررة لوجود انتاج محلي جيد بما في ذلك الكماليات والمواد الضارة بالصحة.

عاشراً: تخفيض الانفاق الحكومي ودون استثناء بمقداره (10%).وهذا من شأنه أن يعود على الخزينة بما يقرب من (650) مليون دينار سنوياً . إن مجمل العائدات المتوقعة من مثل هذه القرارات يتعدى (2) مليار دينار سنويا. الأمر الذي يخرج عجز الموازنة عن حالته المزمنة. ويفتح المجال للتوسع في الاستثمارات الرأسمالية ذات الطبيعة الانتاجية على طريق تصنيع الاقتصاد الوطني و بناء الاقتصاد الاجتماعي، وتنمية المحافظات. لقد أجبر الاتحاد الأوروبي اليونان على اتباع وصفة تقشف وضرائب مشددة، حتى يمكن تقديم المساعدة له، والمحافظة على الاقتصاد اليوناني من الانهيار. وبالنسبة لنا فنحن لا نريد أن نواظب على الطريق اليوناني من حيث الاستمرار في الاقتراض، والإنفاق بأكثر من الإمكانات، وضآلة الإنتاج، والتوسع في الاستيراد ،وعدم تطوير بدائل للطاقة، وبطء الإصلاح الاقتصادي ومكافحة الفساد، و غياب الشفافية. وإذا لم نصنع القرارات الصحيحة بأنفسنا، فبالتأكيد سوف يفرضها علينا صندوق النقد الدولي أو غيره، يوما ما ،دون رغبة منا. ان الفرصة متاحة للإصلاح، ولكن التأخير والتسويف والترحيل من شأنه أن يضع غيوما داكنة على المستقبل. وهذا ما لا يريده الأردنيون أبداً، ولا ينتظره أبناؤنا و بناتنا في السنوات القادمة.