بعد انقضاء 9 أشهر من عام 2017 التي شهدت الكثير من المخاوف المتصلة بحدوث تباطؤ عالمي، يبدو الوضع أكثر استقرارا، وتثبت الأسواق مع الدخول إلى الربع الأخير أنها تتحلى بمرونة مذهلة رغم تصاعد التوترات الجيوسياسية.
وبحسب تقرير لـ«ساكسو بنك»، فإن «المستقبل يبدو - خصوصا بالنسبة للصين - مشرقا بشكل غير متوقع».
ويقول سايمون فاسدال، رئيس قسم تداول الدخل الثابت في «ساكسو بنك»، في تقرير صدر أمس: «تعتبر نهاية الربع الثالث من العام بمثابة الوقت المناسب لتقييم التطورات الأخيرة في أسواق الدخل الثابت، وأيضا لمقارنة طريقة تطور الأمور مع ما كان متوقعاً.
ومن الإنصاف القول بأن تطورات السوق كانت إيجابية في المرحلة الأخيرة من الربع. وحظيت الأصول ذات المخاطر العالية والأسهم والسندات ذات العوائد المرتفعة بدفعة أخرى نحو الأمام رغم تصاعد حدة التوترات الجيوسياسية خلال الفترة الأخيرة. وتكاد تكون مرونة السوق ملحمية بحق».
ويرى فاسدال أن العالم دخل إلى الربع الثالث على خلفية إيجابية، وبدت أوروبا في وضع أفضل، حيث لعبت الكثير من عوامل السياسية والجيوسياسية دورا أقل أهمية مع نهاية الربع الثالث، وأصبحت صفقات التداول ذات شهية المخاطر المرتفعة أكثر أهمية. متابعا: «لم تتحقق مخاوفنا بأن يصبح الدافع الائتماني المنخفض بمثابة عامل تحفيز من المحتمل أن يؤدي لتباطؤ الاقتصاد العالمي، فضلا عن الخوف من أن تكون الصين هي الأكثر عرضة لانخفاض الدافع الائتماني، لتصبح بالتالي بمثابة المحرك الرئيسي لهبوط مؤشرات النمو.
وفي أسواق السندات، شهدنا امتدادا للبيئة الخصبة التي شهدناها خلال معظم فترات عام 2017، وأدى الانخفاض المستمر للعائدات جنبا إلى جنب مع بيانات الاقتصاد الكلي العالمي الإيجابية وانخفاض مستويات التضخم والتقلبات، إلى نشوء أساس لعائدات كبيرة في العديد من الفئات الفرعية لسوق السندات.
ومثلت الأسواق الناشئة أكبر المفاجآت مع تسجيلها عوائد قياسية منذ بداية العام لغاية الآن، حتى لو كان هنالك إجماع على أنها ستكون ضعيفة خلال عام 2017 بسبب سياسات ترمب وهبوط السلع».
ويشير تقرير «ساكسو بنك» إلى أنه مع دخول الربع الرابع من العام، نشهد خلفية إيجابية عند النظر إلى المعنويات الاقتصادية العالمية الإجمالية، حيث تجدر بنا ملاحظة الارتفاع الأخير في مؤشرات النمو المفاجئ. وفي حين كانت الصورة الإجمالية لمؤشرات النمو خلال عام 2017 مخيبة للآمال، مثّل الربع الأخير مفاجأة إيجابية، لنشهد تطورات الأصول ذات المخاطر العالية والأسهم والسندات ذات العوائد المرتفعة.
وقال فاسدال إنه «بشكل عام، مثلت هذه الأمور خلفية إيجابية لدخول الربع الرابع، ولكن هل يعني هذا أنه لا يوجد أي شيء يدعو للقلق؟ حسناً، يمكننا أن نرى تطورا إيجابيا معتدلا ومستمرا بالنسبة للأصول ذات المخاطر العالية، وهذا سيكون السيناريو الرئيسي بالنسبة لنا.
ولا يزال هناك مجال لحدوث ارتفاع، حيث يتحرك الاقتصاد العالمي بشكل أكبر نحو الحالة الإيجابية. ولكن التطورات الإيجابية أثارت مرة أخرى مشاعر الخوف من احتمال حدوث ضغوط تضخمية... وبالنسبة للفترة الحالية، فإن السلع الأكثر استقرارا والتضخم الصيني هي فقط من يتجه للارتفاع، ولكن يمكن أن يتغير هذا الأمر مع مرور الوقت، رغم إيماننا في الوصول إلى عالم خال من العوائق ومدفوع بالقدرة على التوسع والتحول الرقمي والعولمة».
كما يوضح رئيس قسم تداول الدخل الثابت في «ساكسو بنك»، أنه «تمت ملاحظة هذه التطورات الإيجابية، كما أدى الارتفاع الأخير في العائدات الأوروبية والأميركية الأساسية والموقف الأقل اعتدالا الذي اتخذه مجلس الاحتياطي الفيدرالي، إلى تجدد الإيمان بزيادة العائدات في المستقبل. وسيعود الفضل في جميع هذه الأمور إلى مسألة ما إذا كنا سنشهد تطورا إيجابيا مستمرا على الصعيد العالمي، وما إذا ظهرت أي معوقات. وفي هذه الحالة، يمكننا أن نتوقع اتخاذ مزيد من الإجراءات من قبل مجلس الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي. والأهم من ذلك، سنشهد إجراءات تتجاوز الحد المتوقع في بيئة السوق الحالية».
ويشير التقرير إلى أن النقطة الحاسمة تتمثل في حقيقة أن سوق السندات الناشئة كانت قد شهدت انتعاشا كبيرا، وتعتبر الآن مسرحا لصفقات تداول وفق مستويات الهامش المتعاقد عليها خلال عام 2014. ويتابع أنه «يمكن أن يكون هذا الأمر مبرراً، وعلى هذا النحو، يمكن للمرء أن يجادل في مسألة أن الارتباط الإيجابي المتوقع بسندات الخزينة الأميركية هو أضعف مما كان متوقعاً، ويعود ذلك ببساطة إلى حقيقة أن الأسواق الناشئة قد أصبحت الآن بمثابة اقتصادات أكثر استقراراً ونضجاً. ولكن من المهم أن نأخذ بعين الاعتبار التعليق الذي أطلقه الرئيس السابق لمجلس الاحتياطي الفيدرالي بن بيرنانكي عام 2013، وما يترتب على ذلك من تأثير على العوائد الرئيسية وفئات السندات الأخرى، وبشكل خاص الأسواق الناشئة». ويقول فاسدال: «إذا ما شهدنا ارتفاعا مفاجئا في عائدات الخزينة الأميركية، سيراودني إحساس سيئ حيال الاعتماد على الاتجاه الواحد الذي تسلكه الأسواق الناشئة مع هبوط مفاجئ في المعنويات».
وبحسب التقرير، فإنه مع دخول الربع الرابع: «ما زلنا نشعر بإيجابية حذرة حيال فئات السندات ذات المخاطر العالية، ولكن مع تزايد مخاطر الانتكاسات بسبب ارتفاع العائدات الأساسية. وتتوقف مسألة استمرار الأداء بالنسبة للسندات الأساسية على المفاجآت الاقتصادية السلبية وتصاعد حدة التوترات الجيوسياسية. ونحن نعتقد أن هذه النقاط التحفيزية ستكون أقل قيمة خلال الربع الرابع، وأن مخاطر التركيز على التضخم سترتفع، وبالتالي نحن نقلل من أهمية التعرض في السندات الأساسية، ونواصل التركيز على الأصول وفئات السندات ذات المخاطر العالية».
أما بالنسبة للصين، التي دارت حولها المخاوف خلال الفترة الماضية، فيقول فاسدال: «يقودني هذا الأمر إلى الصين التي احتلت دائرة الضوء لأسباب كثيرة. فهي المحرك الرئيسي للنمو العالمي، وفقاعة الائتمان المحتملة التي ستنهي جميع فقاعات الائتمان، وإجراءات البنك المركزي الأكثر خضوعا للتحكم في العالم. وسابقا في عام 2016 كان الخوف من حدوث انهيار صيني بمثابة أمر مبالغ به، ولكن هذا الخوف كان واحدا من النقاط التي سببت بداية صعبة لعام 2016 حول العالم. وبالنظر إلى تلك الفترة، كانت التطورات إيجابية في الواقع».
ويرى فاسدال أنه من حيث السندات فقد حظيت سوق السندات الصينية المحلية باهتمام ضئيل خارج الصين رغم حقيقة أنها سوق قائمة على اليوان بقيمة 9.4 تريليون دولار، إذ إنها تعتبر ثالث أكبر سوق للسندات في العالم. وتعتبر هذه السوق ومسيرة تطورها أمرا لا يمكن تجاهله من المشاركين في السوق خلال الفترة المقبلة.
ويتابع أنه «خلال الربع السابق، كنا قد أعربنا عن قلقنا حيال الدافع الائتماني، خصوصا بالنسبة للصين، وأنه ينبغي على المستثمرين متابعة التطورات الجارية هناك عن كثب، إذ يمكن لهذا الأمر أن يحمل أثرا كبيرا على الأسواق المالية الأخرى، سواء كان هذا الأثر سلبياً أم إيجابياً.
ولحسن الحظ، استمرت الصين في تطورها الإيجابي مع انعكاسات إيجابية على الأسواق والأصول الأخرى مثل السلع التي شهدت مؤخرا انتعاشا في الأسعار مقابل القاعدة العامة الشاملة. كما يعتبر التضخم الصيني وأثره على التضخم العالمي بمثابة مؤشر إيجابي لا ينبغي علينا تجاهله. وفي الواقع، وخلال الوقت الحالي، أن كل ما يحدث في الصين يحمل آثارا صحية وباعثة على الاستقرار بالنسبة للاقتصاد العالمي.
اقرأ أيضًا:
الاقتصاد العالمي.. الربيع في الأجواء والربيع في الاقتصاد!
صندوق النقد الدولي متفائل بشأن الاقتصاد العالمي هذا العام