الريال الإيراني والنازية الاقتصادية

تاريخ النشر: 13 أغسطس 2012 - 01:07 GMT
لا توجد قوة في العالم يمكنها أن توقف تداعي قيمة الريال الإيراني
لا توجد قوة في العالم يمكنها أن توقف تداعي قيمة الريال الإيراني

لا يوجد مسؤول اقتصادي في العالم (باستثناء المسؤولين الاقتصاديين الذين ما زالوا يعملون مع ما تبقى من نظام سفاح سورية بشار الأسد)، يستطيع كتم تعاطفه مع حاكم المصرف المركزي الإيراني، ليس من جهة انهيار الريال الإيراني (بسرعات أولمبية)، بل من ناحية الأوامر التي تصدر له من رئيس البلاد أحمدي نجاد، ليقوم باتخاذ إجراءات لاحتواء أزمة العملة المتهاوية. وهذا يذكر بأوامر النازي المقيت هتلر لقادته العسكريين في أيامه الأخيرة بتصعيد الهجوم على الاتحاد السوفياتي، بينما كان جنوده لا يموتون من المدافع والطائرات السوفياتية، بل من الجوع والبرد. إنها ''نازية اقتصادية'' تلك التي يمارسها نجاد ومن فوقه علي خامنئي على حاكم المصرف المركزي. والمصيبة أنها ليست النازية في عز قوتها، بل في آخر أيامها، أي في الأيام القليلة التي سبقت انتحار صاحب القرار الأول في ألمانيا.

لا توجد قوة في العالم يمكنها أن توقف تداعي قيمة الريال الإيراني. والحل الوحيد هو أن تهتم إيران بمشكلاتها الداخلية الجمة والمتنوعة، والتوقف عن وهم امتلاك ما لا طاقة لها وللمنطقة به، مع توقف فوري عن تصدير استراتيجية الهلاك وبث سمومها هنا وهناك. من دون ذلك، ستتصاعد العقوبات عليها، وستصل عزلتها الاقتصادية إلى أوجها، وستزيد معاناة شعبها الذي لم يُستَشر في أي جانب من السياسات الحمقاء التي تتبعها. ومن دون ذلك أيضاً، سيقوم النظام الإيراني بحساب نمو عمليات التهريب والاحتيال، بدلاً من تقدير حجم النمو الاقتصادي الحقيقي والعمل على تكريسه. ولأنه لا يوجد في الأفق أي بصيص أمل لسياسة حكيمة وعلاقات متوازنة مع العالم، فإن تراجع الريال الإيراني يتحول شيئاً فشيئاً (وبصورة متسارعة) إلى الانهيار.

ففي مطلع هذا العام تراجعت قيمة العملة أكثر من 30 في المائة في شهر واحد فقط. وفي الأيام القليلة الماضية، وفي يوم واحد فقط، تراجع الريال مقابل الدولار الأمريكي 15 في المائة، ما دفع مكاتب الصرافة في البلاد إلى التوقف عن بيع الدولار، بعد أن قامت بإزالة أسعار الموازية للعملات عن نوافذها. حتى قبل أن يطلب نجاد من حاكم المصرف المركزي اتخاذ إجراءات لحماية ما تبقى من قيمة العملة، قام المصرف بحراك بائس ويائس في آن معاً، عندما رفع سعر الفائدة على الريال. وكانت النتيجة أن هذه العملة ماضية بسرعة وبصورة مخيفة نحو الانهيار. وبدلاً من أن يحتفظ الإيرانيون (بعد هذه الخطوة) بما يملكونه من الريالات، قاموا بالتخلص منها! وماذا حدث أيضاً قام المواطن الإيراني بالتخلي عن عدد كبير من مشترياته الضرورية، وأصبحت بعض المواد العادية صعبة المنال. لنتذكر فقط أزمة الدجاج الأخيرة، التي يعتبرها الإيرانيون بمنزلة إنذار لأزمة لحوم وزيوت ومواد أساسية أخرى.

لقد أدرك (حتى مصدرو الهلاك) أن تقليل حجم الفجوة بين السعر الرسمي للريال الإيراني وسعره الحقيقي في السوق حلم لن يتحقق. وبدلاً من أن يقوم النظام الإيراني بالانتباه إلى ما قاله رئيس مجلس تشخيص مصلحة النظام هاشمي رفسنجاني، بضرورة اتباع سياسة انفراج ومرونة مع الغرب، لاحتواء الأزمة الاقتصادية المتداعية، انتبه واستمع هذا النظام إلى تلك الأصوات المنادية باعتماد ''اقتصاد الحرب''، دون أن يعي أن أدوات هذا الاقتصاد نفسه ليست متوافرة على الساحة الإيرانية. وهي مرة أخرى أشبه بذلك النازي البغيض الذي طلب من جنوده القتلى بالهجوم على العدو! إن أزمة الريال الإيراني المتآكل، هي عنوان واحد من عناوين كارثة اقتصادية وطنية، تتم مواجهتها بالأوهام والتمنيات، وبقرارات لا تصدر إلا عمن يعيش في عالم لا دخل للحقائق فيه.

الاشتراك

اشترك في النشرة الإخبارية للحصول على تحديثات حصرية ومحتوى محسّن