بيت الاستثمار العالمي "جلوبل"- الاقتصاد السوداني والتوقعات الإستراتيجية المستقبلية– تعد السودان أكبر وأكثر الدول الأفريقية من حيث التنوع الإقليمي، حيث تتباين تضاريسها فيما بين صحراء، جبال، أرض خصبة، وغابات مطيرة. تشرف السودان على البحر الأحمر وتقع حدودها فيما بين مصر وأرتيريا. تتمتع السودان بتنوع الموارد الطبيعية، ويعتبر النفط المورد الأساسي للبلاد. إضافة إلى ذلك، تتواجد العديد من المعادن الأخرى مثل الحديد الخام، النحاس، خام معدن الكروم، الخارصين، التنجستن، حجر البلق، الفضة، والذهب. يبلغ تعداد السكان في السودان حوالي 41 مليون نسمة وفقا لتقديرات يونيو من العام 2006 مع معدل نمو يقارب 2 في المائة.
واجهت السودان العديد من المشاكل الاقتصادية والتي تجاوزتها بفضل السياسات الاقتصادية السليمة والاستثمارات في البنية التحتية إلا أنها ما زالت تعاني مشاكل اقتصادية ضخمة بدأ من انخفاض مستوى الإنتاج لكل نسمة. فمنذ العام 1997 وحتى اليوم التزم السودان بتنفيذ برنامج إصلاح الاقتصاد الكلي الخاص بصندوق النقد العالمي. بدأت السودان بتصدير النفط الخام في العام 1999، وفي الربع الأخير من نفس العام حققت أول فائض تجاري والذي كان له دور إلى جانب السياسة النقدية في تعزيز سعر صرف العملة. ولقد ساعدت كل من الزيادة في إنتاج النفط ، انتعاش الصناعات الخفيفة وتوسيع مناطق توزيع الصادرات في تحسين الناتج المحلي الإجمالي ونموه بنسبة 22.2 بالمائة في العام 2004 (17 في المائة في العام 2003). شهد الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي نموا بلغت نسبته 5.2 في المائة في العام 2004 (5.6 في المائة في العام 2003). إلا أنه رغما عن ذلك يبقى القطاع الزراعي في السودان أكثر القطاعات أهمية، بتوظيفه حوالي 65 في المائة من القوى العاملة في السودان ومساهمة تصل نسبتها إلى 38.6 بالمائة من الناتج الإجمالي المحلي، إضافة إلى دوره الهام في نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إلا أن حوالي نصف المزارع في السودان تعاني من شح الأمطار ومعرضة للجفاف.
سادت أجواء الحرب في السودان منذ سنوات عدة، حيث نشبت في البلاد اثنتان من الحروب الأهلية خلال القرن العشرين والتي تفاقمت بسبب السيادة الكبرى التي فرضها الإقليم الشمالي وهيمنته على المجال السياسي، الاقتصادي، والاجتماعي ضد غير العرب من قاطني الإقليم الجنوبي انتهت الحرب الأهلية الأولى في العام 1972 إلا أنها نشبت مرة أخرى في العام 1983 . أسفرت الحرب الثانية عن تشرد أكثر من 4 مليون نسمة بالإضافة إلى المشتركين بالثورة، إضافة إلى أكثر من 2 مليون قتيل على مدى عقدين من الزمان.
نصت محادثات السلام التي أجريت في الفترة بين العامين 2002-2004 عدة اتفاقيات منها اتفاقية السلام الشامل والتي أسفرت عن عدة اجتماعات بيت حكومة الجمهورية السودانية، الحركة الشعبية لتحرير السودان، والجيش الشعبي لتحرير السودان بغرض استكمال التفاوض في الفترة ما بين 2 مايو و4 ديسمبر، نتج عنها اتفاق السلام الشامل . وفقا لاتفاق السلام الشامل تم تشكيل حكومة وحدة وطنية تجمع الفرق المتحاربة مع أحزاب سياسية أخرى. ومن المتوقع إجراء انتخابات ديمقراطية خلال أربع سنوات من تأسيسها. وبعد توقيع هذه الاتفاقية اتفق الفريقين على عدة مسائل مهمة منها: اقتسام عائدات النفط مناصفة بينهم ، تطبيق أحكام الشريعة الإسلامية (باستثناء المنطقة الجنوبية) والحكم الذاتي لجنوب السودان (يمتد الحكم الذاتي لمدة ست سنوات، يعقبها استفتاء حول الاستقلال).
وتنفيذا لأحد بنود اتفاق السلام الشامل، تبنت الحكومة سياسة تغيير العملة السودانية للتحول من الدينار السوداني إلى الجنيه السوداني. وقد تم تنفيذ تلك السياسة الجديدة في ديسمبر من العام 2006 عندما أعلنت الحكومة استبدال الدينار بالجنيه بدءا من 9 يناير 2007 بطريقة تدريجية. الأمر الذي سيتيح للسودان فرصة لمواجهة مشكلة تواجد عدد من العملات المتداولة في جنوب السودان غير معترف بها، مع توافر عملة موحدة للبلاد.
يعتمد الاقتصاد السوداني بشكل رئيسي على ثلاث قطاعات هي أولا: القطاع الزراعي، والذي يمثل 38.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2005. وينقسم هذا القطاع إلى قطاعين فرعيين هما قطاعي الزراعة والماشية. ثانيا: قطاع الخدمات، ويمثل 33.6 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. ويندرج ضمن هذا القطاع ثلاث قطاعات فرعية هي الخدمات المالية، التجارة والضيافة. وأخيرا، قطاع الصناعة، ويشكل 27.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، ويتضمن قطاعات النفط، التصنيع، والكهرباء والماء، إضافة إلى البناء والتشييد. ونظرا لاعتماد الاقتصاد السوداني بقوة على القطاع الزراعي، والذي يمثل ثلث الناتج المحلي الإجمالي للدولة، وما تتسم به الزراعة من اعتمادها الكامل على الظروف الطبيعية مثل موسم الأمطار أو الجفاف، ما يضفي سمة التذبذب وعدم الاستقرار على الاقتصاد السوداني ونموه المستقبلي. كذلك الحال مع النفط، والذي يمثل جزءا هاما من الناتج المحلي الإجمالي للسودان، فانه يتسم بالتذبذب وتعتمد أسعاره على عدة عوامل مثل العرض والطلب، والذي بدوره يتأثر بالظروف العامة للاقتصاد العالمي. إضافة إلى ذلك، يتوقع انضمام السودان إلى منظمة الأوبك في القريب العاجل، مما قد يؤثر على استثمارات القطاع النفطي. هذا وقد شهدت صادرات البضائع نموا سريعا بارتفاع مشاركتها في الناتج المحلي الإجمالي من 12.7 في المائة في العام 2001 وصولا إلى 17.4 في المائة في العام 2005.
هذا ويعد الدين الخارجي أحد أكبر المشاكل التي تواجها السودان في الوقت الحاضر. حيث بلغ إجمالي الدين الخارجي للسودان في ديسمبر من العام 2005 ما قيمته 27.7 مليار دولار أمريكي (100 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي)، والذي كان مرتفعا في قيمته مقارنة بالعام 2004 والذي بلغ 26.8 مليار دولار أمريكي. ويعزى هذا الارتفاع إلى الفوائد المتراكمة نتيجة عدم السداد، واستحداث قروض جديدة من بعض الدول ومؤسسات متعددة، ما نتج عنه ارتفاع الديون التراكمية متأخرة السداد لتشكل ما نسبته 88.1 في المائة من إجمالي الديون. إلا أن حدة الدين السودان من المقدر لها أن تتراجع في السنوات المقبلة مع ارتفاع إيرادات الحكومة. ووفقا لدراسة أجرتها شركة PFC Energy، فإنه بمقدور الحكومة السودانية أن تجمع ما يفوق 30 مليار دولار أمريكي في صورة إيرادات نفطية بحلول العام 2012.
شرعت السودان في تبني سياسة الخصخصة منذ العام 1992 بهدف الحد من تراجع الأداء الاقتصادي، وتحسين الكفاءة في إطار سياسية التحرير. ونوضح فيما يلي الأهداف الرئيسية للخصخصة:
• تقليص عجز الموازنة، امتصاص فائق السيولة والحد من التضخم.
• تشجيع القطاع الخاص على زيادة الإنفاق والاستثمار، إضافة إلى دفع الشركات إلى زيادة رأسمالها للمساعدة على تحريك الاقتصاد.
• الاستفادة من السيولة الفائضة المتوفرة لدى القطاع الخاص وفقا للأولويات الموضوعة.
هذا وقد أمتد البرنامج الأول ليشمل الفترة ما بين الأعوام 1992 و1995، حيث تم خصخصة 57 وحدة والتي نتج عنها توفير 554 مليون دينار سوداني للخزينة. كما ارتفع العائد المتوفر جراء عمليات التخصيص في العام 2002 ليصل إلى 11.1 مليار دينار سوداني. إلا أن هذا العائد تقلص في العام 2005 ليصل إلى 0.3 مليار دينار سوداني فقط في العام 2005. ما يشير إلى ضرورة معاودة الحكومة لشحذ جهودها تجاه عمليات التخصيص مرة أخرى.
إلا أنه على الرغم من ذلك، شهدت السودان نموا هائلا في العام 2005، مع ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي بما نسبته 28.2 في المائة. فشهدت الصادرات نموا بلغت نسبته 27.7 في المائة، وصولا إلى 4,825 مليون دولار أمريكي، كما ارتفعت نسبة الواردات 65.8 في المائة لتصل إلى 5,946 مليون دولار أمريكي في العام 2005. ومن ناحية أخرى بلغ العجز التجاري للاقتصاد السوداني ما قيمته 1,121 مليون دولار أمريكي. ما يعزى إلى النمو الهائل الذي أحدثه ارتفاع الطلب في أعقاب النمو السريع الذي شهده الاقتصاد منذ العام 2001. لذا نجد أن النمو السريع الذي شهده الاقتصاد، إضافة إلى الإصلاحات الاقتصادية التي تبنتها الحكومة السودانية، نتج عنه قوة الدينار السوداني بما نسبته 5.7 في المائة في العام 2005، مقارنة بالعام 2004 (باستخدام الدولار الأمريكي كأساس للمقارنة).
ومستقبلا، يتوقع للاقتصاد السودان أن يحرز تقدما لما شهدناه من ارتفاع متوسط أسعار النفط في العام 2006، وزيادة معدل الإنتاج اليومي للنقط السوداني مقارنة بالعام السابق.
© 2007 تقرير مينا(www.menareport.com)