ازدياد الطلب الهندي ينعش أسواق الذهب الخليجية

تاريخ النشر: 27 أبريل 2017 - 06:48 GMT
يبلغ الطلب الهندي هذا العام ما بين 650 - 750 طنا من الذهب، وبحلول عام 2020 سيراوح الطلب الهندي على المعدن الأصفر بين 850 - 950 طنا"
يبلغ الطلب الهندي هذا العام ما بين 650 - 750 طنا من الذهب، وبحلول عام 2020 سيراوح الطلب الهندي على المعدن الأصفر بين 850 - 950 طنا"

لا يخفى على أحد التنافس الدائم بين الصين والهند على تبوُّء المركز الأول في سوق الذهب العالمية، واحتلال موقع أكبر مستهلك للمعدن الأصفر، إلا أن الهند شهدت في الآونة الأخيرة وابلا من المبادرات السياسية - الاقتصادية التي هدفت إلى تطهير الاقتصاد الهندي من الفساد، والسعي إلى غرس درجة أعلى من الشفافية الاقتصادية. 

وأحدثت تلك المبادرات - بصرف النظر - عن مدى نجاحها أو إخفاقها، هزة حقيقية في الاقتصاد الهندي، وأثرت بشكل واضح وملموس في سوق الذهب في البلاد، ولم ينكر الجميع أن بعض تلك المبادرات كانت شديدة التطرف، وأحاطت الشكوك بمدى جدواها، والنفع الاقتصادي منها، وحجم الخسائر الناجمة عنها مقارنة بالفوائد الاقتصادية المحققة.

ومن بين القرارات التي اتخذتها الحكومة الهندية، إلغاء الروبية فئة 500 و1000، وطرح مكانهما عملة جديدة من فئة الـ 500 روبية، واستبدال عملة الـ 1000 بعملة أخرى بـ 2000 روبية، وتسبب هذا القرار الذي اتهمه عديد من الاقتصاديين بالتسرع، في إخراج ما قيمته 220 مليار دولار أي 15 تريليون روبية من التداول، وهو ما يعادل 86 في المائة من النقد المتداول في السوق المحلية، كما تم فرض مزيد من الرسوم الجمركية، وانعكست تلك الإجراءات على سوق الذهب، ويعتقد البعض حاليا أن فرض ضريبة السلع والخدمات، يمكن أن يغير بشكل ملحوظ صناعة الذهب في الهند، وحجم الطلب بشكل سلبي في الأجل القصير على الأقل. 

وأدت تلك القرارات الحكومية إلى معاناة سوق الذهب في الهند بشكل ملحوظ العام الماضي، بحيث وصل الطلب إلى أدنى مستوى له منذ عام 2009.

من جهته، قال لـ "الاقتصادية" هرفي تشابمان؛ من اتحاد السبائك في المملكة المتحدة، "أي هزة ولو طفيفة في الطلب على الذهب في الهند، تنعكس بشكل ملموس على السوق العالمية، وواحدة من أبرز المشكلات التي تواجه الاقتصاد الهندي حاليا، هي مشكلة السيولة النقدية، وتأثر سوق الذهب في الهند بتلك المشكلة بشكل حاد".

وأضاف، أن "سعي الحكومة إلى القضاء على السوق السوداء التي تلعب أموالها دورا بارزا في تجارة الذهب شراء وبيعا، أدى إلى تقلص الطلب، وترافق ذلك مع تراجع الرغبة في شراء الذهب لدى الطبقة المتوسطة في المدن الكبرى تحديدا، نظرا إللى ارتفاع الأسعار".
ومع هذا يرى بعض المختصين في مجال الذهب، أن الاضطراب الراهن في سوق المعدن النفيس في الهند اضطراب مؤقت، وأن السوق تحمل بين طياتها عوامل الانتعاش مرة أخرى.

وهنا أوضح لـ "الاقتصادية" أرون روا؛ المختص في بورصة لندن وأحد المضاربين على المعادن النفيسة، أن "قضية السيولة قضية وقتية، والحكومة استطاعت تعويض 70 في المائة من السيولة المفقودة، نتيجة إجراءات الإصلاح الاقتصادي، والقطاع الاقتصادي غير الرسمي".

وأضاف، "على سبيل المثال 85 في المائة من القوى العاملة في القطاع الزراعي، تعتمد على التعاملات المالية النقدية المباشرة"، مبينا أن الشفافية الاقتصادية التي تسعى الحكومة إلى تحقيقها، ستؤدي إلى زيادة القاعدة الضريبية حيث يدفع 2 في المائة فقط من الهنود الضرائب، ومن ثم يتوقع تحسن معدل النمو الاقتصادي، وهذا سيؤدي حتما إلى زيادة الطلب المحلي على الذهب في الأجلين المتوسط والطويل.

وجهة النظر المتفائلة هذه بمستقبل الطلب الهندي على الذهب، يدعمها ستيورت ستيفن؛ الاستشاري السابق في مجلس الذهب العالمي، الذي قال لـ "الاقتصادية"، "أعتقد أن مستقبل الطلب على الذهب في الهند مشرق للغاية نتيجة مجموعة من العوامل".

وأوضح، أنه من بين هذه العوامل، قدرة المصارف الهندية على الإقراض في تحسن، بعد التراجع النسبي العام الماضي جراء جهود الحكومة لمكافحة الرشوة المستشرية في المجتمع، وزيادة القدرة المصرفية على الإقراض سترفع من معدلات النمو، ومعه أيضا زيادة الطلب على المعدن الأصفر.

وذلك علاوة على أنه سيشهد العام الحالي زيادة كبيرة في طلب القطاع الريفي على الذهب، نتيجة الموسم الزراعي الجيد، الذي يعد الأفضل خلال السنوات الثلاث الماضية".

وأضاف ستيفن، أنه "على الرغم من أن الهند بدأت منذ الأول من أبريل الجاري بوضع حد أعلى للتحويلات المالية لا يتجاوز 4500 دولار، وهذا القرار سلبي للغاية على عمليات شراء الذهب، إلا أن تجار المعدن الأصفر في الهند تغلبوا على الإجراء من خلال تقسيم عمليات الشراء على أكثر من تحويل مالي، وزاد ذلك من المبيعات في السوق السوداء".

وأشار إلى أن العوامل التي ستساعد على انتعاش سوق الذهب في الهند، زيادة رواتب الموظفين الحكوميين والمعاشات لمواجهة التضخم ستؤدي إلى زيادة الطلب على الذهب.

وتوقع ستيفن، أن يبلغ الطلب الهندي هذا العام ما بين 650 - 750 طنا من الذهب، وبحلول عام 2020 سيراوح الطلب الهندي على المعدن الأصفر بين 850 - 950 طنا".

ويعتقد عدد من المختصين، أن ذلك سينعكس بشدة على تحسن أسواق الذهب في منطقة الخليج العربي خاصة دبي. 
وقال لـ "الاقتصادية" أرون روا؛ المختص في بورصة لندن، "إن جزءا كبيرا من الطب الهندي، ستتم تلبيته من منطقة الخليج نظرا للحرية الاقتصادية في مجال استيراد وتصدير الذهب مقارنة بعديد من الأسواق الأخرى المحيطة بالهند، وسواء تمت الصفقات بطريقة رسمية أو غير رسمية، فان تحسن أسواق الذهب في الهند سيؤدي إلى ارتفاع ملحوظ في أسعار الذهب في منطقة الخليج".

ومع هذا يظل السؤال حول توجهات الطلب العالمي ومستقبل أسعار الذهب سؤالا مشروعا في ظل المتغيرات الاقتصادية والسياسية الدولية الراهنة.

وإذ يبدو المشهد بالنسبة إلى عدد كبير من المختصين إيجابيا بالنسبة إلى الطلب العالمي المستقبلي على الذهب، إلا أن الإيجابية تنبع من مجموعة من العوامل الجيو استراتيجية أكثر منها عوامل تعود إلى أسباب اقتصادية محضة.

وأوضح لـ "الاقتصادية" الدكتور أندروا لين؛ أستاذ الاقتصاد الدولي، أن التوتر السياسي في عدد من مناطق العالم، وتصاعد المد اليميني عالميا، إضافة إلى تراجع صندوق النقد الدولي ومجموعة السبع في دفاعهم عن الحرية التجارية، يجعل الأبواب مشروعة بشكل ملحوظ لمصلحة المعدن الأصفر. 

وأضاف، أن "هناك توترا متصاعدا في شبه الجزيرة الكورية، وعلى الرغم من أن نشوب حرب إقليمية هناك لا يزال أمرا بعيد المنال حاليا على الأقل، فإن تلك التوترات تدفع بعديد من صغار المستثمرين إلى تحويل مدخراتهم واستثماراتهم إلى شراء الذهب، كما أن المشهد الدموي الراهن في الشرق الأوسط يجعل المعدن النفيس ملاذا للمدخرات، وحتى وإن هزم التيار اليميني بقيادة مارين لوبان في فرنسا، فإن ذلك لا ينفي أن حالة من القلق تنتاب قطاعات كبيرة من المجتمع، خاصة بين الأقليات الدينية والعرقية، وغالبا ما يترجم هذا القلق في شراء ذهب، أما إذا حدثت المفاجأة الكبرى وفازت لوبان فان سعر الذهب سيقفز إلى ما يراوح بين 1310و1320 دولارا للأونصة في أقل تقدير".

وأضاف، "كما علينا أن نأخذ في الاعتبار أن قطاعا كبيرا من المستثمرين خاصة في القارة الأوروبية وتحديدا منطقة اليورو، قد يتحولون من الاستثمار في الأسهم والعقارات إلى الذهب، وذلك سيتوقف على نتيجة الانتخابات البريطانية المقبلة، فتعثر عملية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، وإذا تبنى الطرف الأوروبي والطرف البريطاني مواقف متصلبة خلال المفاوضات، وساد اعتقاد بأن ذلك سيؤثر سلبا في معدل النمو، خاصة في منطقة اليورو وفي المملكة المتحدة أيضا، فإن المستثمرين سيتوجهون إلى الذهب بدلا من العقارات والأسهم باعتبار أن الذهب ملاذ أكثر أمانا".

وبين، أنه مع هذا فإن تأثير العوامل الاقتصادية في توجيه أسعار الذهب لا يمكن استبعادها، وبينما يعتقد البعض أن العامل الأكبر في التأثير في الذهب هذا العام سيتمثل في الزيادة المرتقبة في أسعار الفائدة الأمريكية، التي يمكن أن يؤدي قرار المجلس الاحتياطي الفيدرالي إلى رفعها بنسبة كبيرة، إلى تفضيل كثير من المستثمرين التحول من الذهب إلى الدولار، نظرا للفائدة المالية المحققة منه، فإن الباحث الاقتصادي مارتن وينرايت يعتقد أن معدل النمو الصيني سيلعب دورا اكبر من التغيرات المقبلة في سعر الفائدة الأمريكية.

وأشار إلى أن "معدل النمو الذي حققته الصين في الربع الأول من العام الجاري، مثل مفاجأة غير متوقعة بالنسبة إلى كثيرين الذين توقعوا معدل نمو أقل، وإذا واصلت الصين الحفاظ على معدل نمو مرتفع خلال الأشهر الباقية من العام الحالي، فإنه من المؤكد أن الطلب على الذهب سيرتفع بشكل ملحوظ وسترتفع معه الأسعار".

 

اقرأ أيضًا: 

مستثمرو الذهب السعوديون يحركون سوق الذهب الإماراتية.. كيف؟

تجار سعوديون يعتزمون استيراد الذهب مباشرة من الدول المصدرة بدلاً من دبي

ارتفاع حجم تجارة الذهب في الإمارات إلى 244.3 مليار ‬درهم في 2016