عاد العمل بالبطاقة الهاتفية للاتصالات الأرضية، «كارت كلام»، بعد حل مشكلة صيانة آلات الهواتف العمومية، بين وزارة الاتصالات و«مؤسسة أوجيرو». لكن الحل، ترافق مع وضع بطاقة «كلام» عبر الهاتف الخلوي في الاستخدام، لكي تحل تدريجاً مكان البطاقة الأرضية، سواء في الهواتف العمومية المنتشرة في الشوارع، أم في المنازل والمؤسسات.
يبلغ سعر البطاقة الأرضية في وزارة المال بين ثمانية آلاف وعشرة آلاف ليرة لبنانية، بينما تبلغ كلفة طباعتها سبعة سنتات، والذي يحصل على امتيازات البيع يتقاضى نسبة سبعة في المئة. لكن البطاقات تسعر رسمياً بعشرة آلاف ليرة، وتباع في المحال بأحد عشر ألف ليرة، وتحتوي على ستين دقيقة كلام، أما سعر البطاقة الخلوية فيبلغ عشرين ألف ليرة، وتحتوي على ست عشرة دقيقة.
يمكن القول ان حل المشكلة جاء متأخراً في عصر تتطور فيه الاتصالات بسرعة هائلة، وتستدعي تسهيل الإجراءات لمواكبتها، بدلاً من أن تعيق الخلافات الإدارية والسياسية، مجاراة التطور. فقد أدى الخلاف بين وزارة الاتصالات والمدير العام لـ«أوجيرو» عبد المنعم يوسف إلى توقف العمل بآلات الهواتف لمدة عام ونصف العام. وفي ظل عدم وجود أي حماية لها، تحولت إلى آلات سائبة في الشوارع، فاقتلع بعضها، وتكسر بعضها الآخر، وألغي كلياً البعض الثالث، وشكلت بالتالي نموذجاً آخر على تحول المال العام إلى مال سائب، قبل أن يُعاد تأهيلها من جديد.
يوسف يمتنع
لم يرغب يوسف في شرح ملابسات ما حصل، تاركاً التوضيح لوزير الاتصالات نقولا صحناوي. وهنا، تكمن مشكلة أخرى، عندما يجد المدير العام نفسه غير ملزم بتوضيح سبب توقف الآلات عن العمل، وخرابها من دون صيانتها.
يروي صحناوي أن وزير الاتصالات السابق شربل نحاس ألغى جميع العقود مع «أوجيرو»، واستبدلها بمهمات، بعد طلب الاستشارة من ديوان المحاسبة، لمعرفة كيفية التعامل معها. وكان جواب ديوان المحاسبة بأن تمويل المشاريع لدى «أوجيرو»، يتم استناداً إلى الكلفة الفعلية لكل مشروع. ويترتب عليها في تلك الحالة توقيع كل عقد على حدة، ومنحها التمويل المخصص له.
وكانت «أوجيرو» تحصل سابقاً على موازنة سنوية لأعمالها، فرفض يوسف طريقة العقود، وطلب الموازنة وقدرها مئة وسبعون ومليار ليرة لبنانية، مستنداً في طلبه إلى القانون الداخلي للمؤسسة، الذي يتيح له عدم القيام بالمشاريع في حال لم يتوافر الاعتماد السنوي اللازم لها. ومن ثم، توقف بعد رفضه طريقة العقود عن متابعة أعمال الصيانة.
يضيف صحناوي ان يوسف حوّل الأمر إلى مشكلة، فتعطلت الهواتف. وبعد مفاوضات وجدال، اجتمع رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي مع صحناوي ويوسف كل على حدة، وطلب من يوسف الالتزام بقرار ديوان المحاسبة، وتقديم فواتير بالكلفة، قبل دفعها له.
بعد موافقته على قرار ميقاتي، تم توقيع عقد مع «أوجيرو» بمبلغ مليوني دولار، بدل إعادة تأهيل الهواتف، وتصنيع البطاقات الهاتفية المخصصة لها، وتلتزمها عادة مطبعة عيتاني. ولأن النزاع السياسي عنوان إدارة المصالح والمؤسسات العامة، فقد أدرج تعطل الهواتف ضمن لائحة الاستغلال السياسي، وجرى التداول بكلفة عالية للخسائر، بلغت مئتي مليون دولار، بينما ينفي صحناوي ذلك الرقم، ويضعه في إطار الهجوم على وزارة الاتصالات. ويقول إنه كان يراد من الاتهامات تشجيع العمل في محال الهواتف غير المرخصة، المنتشرة في جميع الأراضي اللبنانية، وليس في منطقة معينة، كما يصر فريق سياسي. ويؤكد أن العائدات السنوية للبطاقات، تبلغ ستين مليون دولار، وبالتالي بلغت الخسارة على مدى سنة ونصف السنة، تسعين مليون دولار. ويُضاف إلى هذا المبلغ «غير القليل»، الخراب الذي لحق بالآلات جراء تعطلها.
امتيازات
يبلغ عدد الهواتف العمومية الموجودة في الشوارع، في لبنان كله، نحو ألفين. وقد وضعت الدراسات قبل تركيبها من أجل أن تغطي كل علبة مسافة خمسمئة متر، وأن تعطى الأولوية للأماكن العامة والمؤسسات الكبرى. لكن الواقع هو حصول مناطق على امتيازات أكثر من أخرى، بناء على رغبة بعض النافذين، فتم تركيبها مثلا قرب مجمع تجاري أو مستشفى، وتم استثناء بعض المناطق لأسباب أمنية، بينها سكن بعض السياسيين، والمراكز الأمنية، ومكاتب الأحزاب، ومقرات قوى الأمن الداخلي والجيش.
وهي ليست بالنوعية ذاتها، ففي وسط العاصمة تم تركيب آلات بنوعية أكثر جودة، بوصفها منطقة يرتادها الأغنياء، بينما منع تركيبها قرب مقرات حزبية وسياسية لأسباب أمنية. وتعرض عدد من الآلات بعد تركيبها للتكسير، في تظاهرات وأحداث أمنية وبفعل أشخاص لديهم سنترالات اتصال غير مرخصة. ومن المعروف أن جميع مكاتب الاتصال غير مرخصة، باستثناء شركات تحويل الأموال.
ويستخدم الآلات حاليا، العمال الأجانب بشكل خاص، من أجل الاتصال بأهاليهم في الخارج، والنازحون السوريون الذين زادت أعدادهم كثيراً، والقوى العسكرية خلال الخدمة لأنه يمنع عليها حمل الهواتف الخلوية، والمواطنون الذين يريدون التوفير في الاتصال من الهاتف الخلوي.
وعلى الرغم من وصولها متأخرة إلى لبنان، يشير وجودها إلى منجز حضاري، مثل الحمامات العمومية، والأدراج الكهربائية، والساحات العامة، والأرصفة، والمقاعد العامة في الحدائق، ومحطات الحافلات، وبالتالي، فهي منجز مستورد، يلزم للتعامل معه ثقافة التعامل مع الممتلكات العامة، ومعرفة أنها موجودة للخدمة العامة. لكن جولة على الهواتف في الشوارع، تبين إلى أي مدى جرى تخريبها، كأنها ممتلكات لدولة عدوة. وكل مثال على علاقة بالدولة، يمكن أن يدل على مدى تنامي الشعور بالانفصال.